نافذة على السياسة

الأربعاء - 24 يونيو 2020 - الساعة 03:40 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ خاص:


في استعراض العلاقة التاريخية بين تركيا و“إسرائيل”، يلاحظ المتابع أن تركيا لا تجد ما تقدمه للشعب الفلسطيني ولقضيته المركزية سوى ”الشعارات”، ففي حين كانت كتب التاريخ تحاول أن تضفي أدواراً بطولية لسلاطين الدولة العثمانية في الوقوف مع الشعب الفلسطيني، كان الواقع يفضح حقيقة الدور التركي من قضية فلسطين، ويكفي أن نعرف أن تركيا كانت ثاني دولة إسلامية تعترف بقيام ما يعرف بدولة إسرائيل، حيث اعترفت بالدولة الصهيونية في العام 1949 بعد إيران الشاه التي تعد أول دولة إسلامية اعترفت بما يسمى بإسرائيل.

سياسة تقوية العلاقة مع ”إسرائيل” ظلت العامل المشترك بين حكام تركيا منذ تأسيس العلاقة بين البلدين، لكن هذه العلاقة امتازت بالمتانة غير المسبوقة في ظل حكم الحزب الإسلامي المعروف بحزب العدالة والتنمية والذي صعد للحكم في العام 2002، بقيادة رجب طيب أردوغان الذي يطلق عليه الإخوان المسلمون لقب ”خليفة المسلمين”، والذي دائماً ما يطلق الشعارات الرنانة المؤيدة للفلسطينيين والمهاجمة لقادة إسرائيل، حتى بات الإخوان المسلمون يصفونه بالخليفة الذي سيحرر القدس.


حقيقة التناقض الواضح في موقف الرئيس التركي رجب طيب اردوغان، كشفه رئيس الوزراء الصهيوني بنيامين نيتنياهو والذي قال خلال لقاء له بحزب الليكود -وفقاً لما نقلته صحيفة جيرواليزم بوست- إن ”الرئيس التركي يتاجر معنا، فهو يهاجمنا في العلن، بينما تختلف مواقفه كثيراً في السر من خلال تعزيز العلاقات الاقتصادية بين إسرائيل وتركيا، فأردوغان اعتاد أن يصفنا في العلن بنظام هتلر إلا أن التجارة بين البلدين منتعشة جداً”.

تمتاز العلاقات الاقتصادية بين تركيا و“إسرائيل” بأنها علاقة متينة، حيث يتضاعف حجم التبادل التجاري بين البلدين باستمرار، وما يميز هذه العلاقة أنها غير معلنة كالعلاقة السياسية التي تأخذ طابع الشعارات من الجانب التركي الذي يصطنع العداء على عكس الواقع، كما أنها لا تتأثر بالمتغيرات السياسية في العلاقة بين البلدين.

وتعتمد العلاقات الاقتصادية بين تركيا و“إسرائيل” بشكل أساسي على مبادئ التجارة الحرة، وقد وقعت أول اتفاقية حرة بين البلدين عام 1997، غير أن وصول حزب العدالة والتنمية الإسلامي إلى الحكم في تركيا قد جعل العلاقات التجارية والاقتصادية بين البلدين تصل إلى ذروتها، خاصة مع توجه الحزب الحاكم في هذا الاتجاه والذي عبر عنه بزيارة أردوغان إلى تل أبيب عام 2005 واللقاء مع قيادات الكيان الصهيوني وعلى رأسهم رئيس الوزراء، آنذاك، أرييل شارون.

ومع وصول حزب العدالة والتنمية إلى الحكم في العام 2002 كان حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب يبلغ 1.39 مليار دولار، ليرتفع بشكل مهول خلال فترة حكم الحزب الإسلامي لتركيا، حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين الدولتين في العام 2008 ما قيمته 3.4 مليار دولار، كما بلغ حجم التبادل التجاري في العام 2013 ما قيمته 8.4 مليار دولار، منها 3.2 مليار دولار صادرات تركية إلى إسرائيل و5.2 صادرات إسرائيلية إلى تركيا.


في العام 2015 بلغ حجم التبادل التجاري بين أنقرة وتل أبيب 10.4 مليار دولار، بواقع 4.2 مليار دولار للصادرات التركية إلى إسرائيل و7.1 مليار دولار صادرات إسرائيلية إلى تركيا، حيث أصبحت تركيا هي سادس أكبر شريك تجاري لإسرائيل. في 2008 سعى الطرفان إلى تضمين عمليات التبادل التجارى بينهما، في مشروع ضخم أطلق عليه اسم ميد ستريم، وهو خط أنابيب متعدد الأغراض يتمدد من تركيا إلى إسرائيل، يستفيد منه البلدان في إنتاج الكهرباء وتوصيل الغاز الطبيعى والنفط الخام والمياه، بموجب هذا الاتفاق، تحولت تركيا إلى ممول للحديد والصلب، والسيارات، والبلاستيك، والملابس، والأجهزة الكهربائية والزراعية المتنوعة لإسرائيل.

إلى ذلك كشف التقرير الصادر عن دائرة الإحصاء التركية المنشور في أبريل 2018 أن تركيا باتت الدولة الأولى في تصدير الأسمنت والحديد لإسرائيل، حيث صدرت 45% من إجمالى ما استوردته إسرائيل من الحديد و59% من إجمالى ما استوردته من الأسمنت، وهما مادتان أساسيتان في بناء المستوطنات الصهيونية في الأراضى الفلسطينية المحتلة.

كما أن الخطوط الجوية التركية تحتل المركز الأول بين خطوط الطيران التي تتعامل مع إسرائيل، وبات الطيران التركي هو الناقل الرسمي للمسافرين الإسرائيليين حول العالم، حيث هناك 12 رحلة يومياً بين أنقرة وتل أبيب، وقد بلغ عدد السياح الإسرائيليين الذين زاروا تركيا في العام 2019 نحو 560 ألف سائح.

ومما يجدر الإشارة إليه في هذا الشأن أن حركة التجارة بين تركيا وإسرائيل وخلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية بقيادة أردوغان شهدت تعزيزاً إجرائياً بوصول ملحق تجاري جديد إلى تل أبيب، بعد أن كان هذا المنصب في السفارة التركبة شاغراً لعدة سنوات.

وإذا ما استعرضنا أهم المحطات في العلاقة العسكرية بين تركيا وإسرائيل خلال فترة حكم حزب العدالة والتنمية والتي بدأت في العام 2002 بعد فوز الحزب بقيادة أردوغان بالانتخابات البرلمانية، فقد شهدت أول ثلاث سنوات من حكم الحزب الإسلامي لتركيا توقيع عقد لتحسين 170 دبابة من طراز M6 بقيمة 668 مليون دولار، كما قامت تركيا بشراء 50 طائرة عمودية قتالية من إسرائيل، فيما شهدت زيارة أردوغان إلى تل أبيب في العام 2005 التمهيد لصفقة خاصة بتطوير 30 طائرة حربية تركية من طراز F4، وقد كلفت هذه الصفقة نصف مليار دولار أمريكي.

في العام 2010 زار وزير الدفاع الصهيوني، حينها، أيهود باراك أنقرة، وأثمرت الزيارة عن توقيع نحو 60 اتفاقية عسكرية وأمنية، منها اتفاقيات تم العمل عليها بين الجانبين منذ أعوام، لكن الملاحظ أن هذه الزيارة الناجحة جاءت بعد عام واحد فقط من العدوان الصهيوني على غزة.

استمرت العلاقة العسكرية بين الجانبين بالتطور، لتقوم إسرائيل في العام 2013 بتسليم تركيا أجهزة إلكترونية عسكرية وأمنية بتكلفة 100 مليون دولار، بالإضافة إلى تسليمها لتركيا منظومات عسكرية من النوع المتطور.

هذه العلاقة تكشف حقيقة زيف الشعارات التي يرفعها أردوغان وحزبه، حيث يتعاملون مع قضية فلسطين باعتبارها ورقة مساومة لا أكثر لتحقيق مصلحة الدولة التركية، ولا بأس حينها أن يتم رفع الشعارات الرنانة، على طريقة رفع شعار ”الإسلام هو الحل” لاستغلال الخطاب الديني للوصول للسلطة، وهو ديدن الأحزاب والجماعات الإسلامية حول العالم.