نافذة على السياسة

الثلاثاء - 30 يونيو 2020 - الساعة 10:02 م بتوقيت اليمن ،،،

تعز/ مدى برس/ خاص:


الضغوط التي مارستها المملكة العربية السعودية على هادي وحكومته للبدء بتنفيذ اتفاق الرياض، تقبلها حزب الإصلاح الإخواني بمثابة دق ناقوس الخطر، ما جعله يلجأ للتصعيد على الأرض لعرقلة تنفيذ الاتفاق الذي سيحد من نفوذ الحزب في قيادة الشرعية، لكن التصعيد هذه المرة جاء من منطقة الحُجرية، وهي ريف تعز الذي يعد بوابة الجنوب، وحصنه المدافع عنه في زمني التشطير والوحدة على حد سواء.

سارع حزب الإصلاح الإخواني، وعبر ميليشياته المسلحة المدعومة والممولة من قطر، لتفجير الوضع عسكرياً في مدينة التربة عبر اقتحام مقرات المؤسسات الحكومية في المدينة واحتلالها والتمركز فيها، وكذا نشر القناصين التابعين للميليشيا على أسطح المباني والمرتفعات، ومهاجمة مواقع اللواء 35 مدرع في جبل صبران، وهو التصعيد الذي جاء بعد عملية تحشيد كبيرة لأفراد ميليشيا الإصلاح تحت يافطة الحملة الأمنية، وهي الفرية التي يستخدمها الإصلاح بين الحين والآخر لاستهداف خصومه ولمحاولة شرعنة جرائمه.

وبلا شك فإن الحجرية باتت هدفاً عسكرياً لميليشيا حزب الإصلاح منذ أكثر من ثلاث سنوات، حيث قام الحزب بتشكيل ميليشيا مسلحة تحت اسم ”الحشد الشعبي” ويتمثل هدفها الرئيسي بالسيطرة على مناطق الحجرية التي تعد مسرح عمليات اللواء 35 مدرع، كما قام الحزب باستخدام نفوذه في قيادة الشرعية وسيطرته على قرارها السياسي والعسكري لتشكيل لواء عسكري تحت اسم اللواء الرابع مشاة جبلي، وأوكل قيادته للتربوي أبوبكر الجبولي الذي تم منحه رتبة عقيد، وتم زرع اللواء المستحدث في مسرح عمليات اللواء 35 مدرع، لتكون مهمة اللواء الجديد هي تفتيت اللواء 35 مدرع بعد رفض قائد اللواء الخضوع لسلطة المقر وتلقي تعاليمه منه، كما هو الحال في بقية الألوية العسكرية التابعة لمحور تعز والتي باتت تحت سيطرة حزب الإصلاح بشكل كامل.

وقد حاول حزب الإصلاح اصطناع أكثر من غطاء ومبرر لاجتياح الحجرية، حيث شنت وسائل الإعلام الإخوانية حملات تحريض وتخوين ضد اللواء 35 مدرع وقياداته، تم اتهام قائده بالتمرد على الشرعية ودعم الجماعات الإرهابية والعمالة للإمارات، كما شملت حملات التحريض الحديث عن أن عدداً من الأسر التابعة لقيادات وأفراد المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق صالح باستئجار بيوت في الحجرية، معتبرين ذلك تمهيداً لاحتلال الحجرية والسيطرة عليها من قبل طارق صالح، على حد قول وسائل الإعلام والناشطين التابعين لحزب الإصلاح.

ومع توالي حملات التحريض التي يشنها إعلام الإخوان والمتزامنة مع عمليات تحشيد عسكري لأفراد ميليشيا الإصلاح للانتشار في مناطق الحجرية، ومحاولات تفجير الوضع عسكرياً عبر استهداف الوحدات التابعة للواء 35 مدرع، وصولاً إلى اغتيال قائد اللواء العميد ركن عدنان الحمادي مطلع ديسمبر الماضي، بات الجميع يدرك أن ميليشيا الإخوان تهدف من خلال سعيها للسيطرة عسكرياً على مناطق الحجرية إلى فتح جبهة عسكرية جديدة لاستهداف المجلس الانتقالي الجنوبي، وكذا القوات المشتركة المتواجدة في الساحل الغربي، في سياق المعركة العبثية الخاصة بجماعة الإخوان المسلمين ضد المحافظات الجنوبية، والتي يقودها علي محسن الأحمر بدعم وتمويل من قطر وتركيا.

غير أن هناك أهدافاً غير ظاهرة تقف وراء حجم الحقد الذي يكنه حزب الإصلاح الإخواني ضد مناطق الحجرية وأهلها، وهي أسباب تجعل الحزب حاقداً على هذه المناطق ويتعامل معها بوازع الانتقام، وتزيد لديه الرغبة في إخضاعها وتركيعها لسلطته، حيث يعتبر نفسه أن الفرصة مواتية له للدخول إلى هذه المناطق كفاتح.

يشعر حزب الإصلاح بالتخوف من منطقة الحجرية وأبنائها، فالمنطقة التي تمثل منارة الإشعاع السياسي والفكري في اليمن وفي الجزيرة العربية بشكل عام كانت ولا تزال هي الولَّادة للمفكرين والقادة في مجالات السياسة والفكر والفن والعلوم والاقتصاد، كما أنها منبع الحركات الوطنية في شطري اليمن، وهي بذلك تمثل البيئة الحاضنة لفكرة الدولة ولقيم المدنية والحداثة والانفتاح على الآخر، ومثل هذه البيئة -بلاشك- تمثل بيئة مخالفة ورافضة وطاردة للجماعات الدينية ولجماعات الإسلام السياسي وحزب الإصلاح في مقدمتها.

ولذا، فإن قيادات الأحزاب المدنية وقيادات الحركات التنويرية قد بزغ نورها من مناطق الحجرية على عكس حزب الإصلاح الذي لم يجد البيئة الحاضنة في بيئة متنورة مثل هذه، ولذا يكفي أن نعرف -مثلاً- أن حزب الإصلاح لم يحصد أية دائرة انتخابية في مناطق الحجرية التي تقاسمها المؤتمر والناصري والاشتراكي.

كما أن حزب الإصلاح يشعر بافتقاده للبيئة الحاضنة في مناطق الحجرية باستثناء بعض التواجد في عزل بني يوسف وبني شيبة، وهذا يجعل الحزب يؤمن بفكرة اعتماده على القوة العسكرية لاقتحام الحجرية، ويرى أن الفرصة سانحة له لتحقيق ذلك، وقد أمسى يمثل سلطة الأمر الواقع في محافظة تعز بعد السيطرة على القرار السياسي والعسكري فيها.

كما أن لمناطق الحجرية قصبَ السبق في حمل راية المقاومة ضد الانقلاب الحوثي، من خلال تصدر اللواء 35 مدرع لحمل راية مقاومة الانقلاب، حيث رفض قائد اللواء القائد عدنان الحمادي أن يسلم للانقلابيين مقرراً الدفاع عن شرفه العسكري والانحياز لوطنه ولشعبه مدافعاً عنهم في وجه جبروت الانقلاب رغم حملات الترهيب والترغيب التي تم مواجهته بها.

فقد عمل الحمادي باكراً على إعادة بناء اللواء كنواة للجيش الوطني، واختار منطقة المعافر لتنال شرف احتضان أول نواة للجيش الوطني، حيث احتضنت الطلائع الأولى من أبطال الجيش الذين أعادوا تأسيس اللواء من داخل مدرسة 13 يونيو في النشمة، ليتم إعادة بناء اللواء والذي أصبح أنموذجًا للواء العسكري الوطني الذي يمتاز بالمعايير العسكرية المتعارف عليها في تشكيلاته وأدائه.

وبلا شك، فإن هذا الأمر المتمثل بوجود لواء عسكري يتم بناؤه وتشكيله على أسس وطنية ومعايير عسكرية احترافية، يمثل تهديداً لمشروع حزب الإصلاح الإخواني الذي يسعى للسيطرة والاستحواذ على المؤسسة العسكرية وتحويلها إلى ميليشيا مسلحة بزي عسكري تتلقى تعليماتها من المرشد العام للجماعة، وهذا ما يبرر رضا قيادة الإصلاح عن بقية ألوية تعز العسكرية التي تنقاد لمدنيين من أعضاء وقيادات الحزب.

فالإصلاح مثله مثل جماعات الإسلام السياسي التي تؤمن بالعنف كوسيلة لما تقول إنه ”التمكين” وتعني به الوصول للسلطة، وهذا لا يمكن إلا في ظل امتلاكها لميليشيا مسلحة خارج إطار الدولة، وتستمد شرعيتها مما تعتقده هذه الجماعات أنه ”حق إلهي”، وهذه الجماعات لا تريد جيشاً وطنياً قوياً، لأن الجيش يرتبط بالدولة ولا يرتبط بالجماعة، وأفضل أنموذج لفكرة الميليشيا الدينية المسلحة هو أنموذج حزب الله في لبنان، وهو ما يريد حزب الإصلاح استنساخه في اليمن.