نافذة على السياسة

الأحد - 30 أغسطس 2020 - الساعة 11:22 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ مركز الإمارات للسياسات:


تزايدت الضغوط الدولية على طرفي الصراع الرئيسينِ في اليمن (حكومة الرئيس عبدربه منصور هادي وجماعة "أنصار الله" الحوثية) لإيجاد حل وسط لأزمة الناقلة "صافر"، التي تُستخدَم خزاناً عائماً لتصدير النفط الخام، في ميناء رأس عيسى قبالة السواحل اليمنية على البحر الأحمر، في ظل توالي التحذيرات من عواقب كارثة بيئية مُحتَمَلة قد تتسبب بها الناقلة المُهدَّدة بالانفجار أو بانهيار هيكلها نتيجة تعرُّضه للتآكل، جرَّاء عدم إجراء أي أعمال صيانة لها منذ عام 2015. وقد دفع انفجار مرفأ بيروت في مطلع أغسطس 2020 إلى إيلاءِ قضية الناقلة "صافر" اهتماماً أكبر من قبل المجتمع الدولي، وممارسة مزيدٍ من الضغوط على طرفي الصراع لحلِّها، في ظل تنامي المخاوف من حدوث كارثة مشابهة في حال تعرُّض الناقلة للانفجار.

تطوُّر أزمة الناقلة ومواقف الأطراف الفاعِلة

تَحمِل ناقلة النفط العائمة "صافر"، التي تم بناؤها في اليابان خلال سبعينيات القرن الماضي 1.2 مليون برميل من النفط الخام (138 ألف طن)، وهي متوقفة قبالة سواحل الحديدة غربي البلاد دون صيانة منذ زهاء خمس سنوات، وهو ما جعل المياه تتسرَّب مؤخراً إلى محركها الرئيس، وفقاً لتقارير حكومية. وقد عبَّر الأمين العام للأمم المتحدة مؤخراً عن قلقه الشديد حول حالة الناقلة المتهالكة، وأشار في بيان رسمي أصدره في منتصف أغسطس الجاري، إلى احتمال تعرُّضها "لخطر وقوع تسرُّب نفطي هائل، أو خطر الانفجار أو الحريق، وسيؤدي تحقق أي من تلك المخاطر إلى عواقب بيئية وإنسانية كارثية بالنسبة لليمن والمنطقة"، مُحذِّراً من "أن تسرُّب النفط الذي يحمله الخزان إلى البحر الأحمر سيُلحِق الضرر بالمنظومات البيئية للبحر الأحمر التي يعتمد عليها 30 مليون شخص في المنطقة، كما سيؤدي لإغلاق ميناء الحديدة لعدة أشهر، مما سيُفاقِم الأزمة الاقتصادية التي يمر بها اليمن، وسيحرِم ملايين اليمنيين من قدرتهم على الوصول للغذاء، وغيره من السلع الأساسية".

وأضاف البيان الأممي: "دَقَّت حادثتا الانفجار في بيروت في الرابع من أغسطس، والتسرُّب النفطي الخطير الذي حدث مؤخراً في موريشيوس، ناقوس الخطر لينتبه العالم لضرورة التيقُّظ، والعمل بشكل عاجل لمنع وقوع خسائر الأرواح وسبل كسب الرزق، ما دام يمكن تجنُّب ذلك. وحتى الآن، لا يزال وضع خزان صافر مأساة يمكن تفاديها، إلا أن ذلك لن يستمر طويلاً. فإذا تسرَّب النفط من الخزان، أو انفجرت حمولته، أو تعرَّض للحريق، فستعوق محدودية توافر المعدات الخاصة والكوادر الفنية المتخصصة القدرة على الاستجابة الفعالة، خاصة في ظل استمرار النزاع".

وقد تبادل طرفا الصراع في اليمن (الحكومة المعترف بها دولياً والحوثيون) الاتهامات طيلة الأشهر الماضية بشأن هوية المُتسبِّب بأزمة الناقلة، وناشَد كلٌّ منهما على حدة المجتمع الدولي للتدخل العاجل من أجل تفادي حدوث كارثة بيئية خطيرة في البحر الأحمر، كما طالبا منظمة الأمم المتحدة بممارسة الضغط على الطرف الآخر للسماح بإفراغ الناقلة وصيانتها. لكن مُجمَل الشواهد تشير إلى أن الحوثيين هُم مَنْ يتحمَّل مسؤولية هذه الأزمة أكثر من غيرهم، وعلى الرغم من أنهم طلبوا التدخل والمساعدة من الأمم المتحدة وتعهُّدوا بتسهيل مهام أي فريق فني ترسله بهدف تقييم وضع خزان النفط وصيانته، إلا أنهم عادوا وانقلبوا على عدد من التفاهمات التي أبرمت معهم بهذا الخصوص. وهذا ما دعا الحكومة المعترف بها دولياً للمطالبة بفصل هذا الملف عن مقترحات الوساطة الأممية الأخرى بشأن الأزمة اليمنية، والتعامل معه باعتباره ملفاً عاجلاً يتطلب عناية وأولوية خاصة تفادياً لحدوث كارثة بيئية محتملة.

وبدا أن الحوثيين، مُستغِلِّين مخاوف المجتمع الدولي من تداعيات انهيار الناقلة، قد أخذوا في استثمار هذه القضية واستخدامها للمساومة السياسية والمالية؛ فهم من جهة يتقصَّدون الاستفادة المادية والحصول على بعض الموارد، كما يظهر من اشتراطهم بيع كمية النفط التي تحتويها الناقلة (والمقدرة قيمته بأكثر من 40 مليون دولار)، والحصول على جزء من العائدات للسماح بصيانتها. ومن جهة ثانية، يُظهِرون حرصهم على استخدام الناقلة سلاحاً للتهديد في المواجهة الميدانية ولحصد مكاسب سياسية وإعلامية إضافية؛ فقد سبق وأن هدَّدت قياداتهم بإفراغ حمولة النفط في مياه البحر أو تفخيخ الناقلة وتفجيرها إذا ما حاولت قوات التحالف العربي والشرعية التقدُّم للسيطرة على مدينة الحديدة ومينائها. وتُشير ممانعتهم المستمرة وتراجعهم عن التفاهمات الأولية المعقودة معهم إلى توقُّعهِم أن التهديد بحدوث الكارثة ومخاوف العالم من حدوثها سيزيدانِ من الضغوط الدولية على خصومهم لإنهاء الصراع.

ضغوط دولية متزايدة

برغم تباين مواقف أطراف الصراع اليمني من أزمة الناقلة "صافر"، استمرت المساعي الدولية لإنهاء هذه الأزمة؛ فمثلاً سعت بريطانيا إلى التوسُّط في هذا الملف، وحذَّر سفيرها لدى اليمن، مايكل آرون، في أكثر من مناسبة، مِنْ أنَّ تسرُّب نفط الناقلة سيدمر البحر الأحمر وساحله، وطالب الحوثيين مراراً بأن يسمحوا للأمم المتحدة بمعالجة الوضع قبل فوات الأوان. كما أبدت دول غربية أخرى اهتماماً بهذه القضية مثل الولايات المتحدة وبلجيكا وبولندا، التي سعت لإثارة الموضوع في مجلس الأمن، وسبق للاتحاد الأوروبي أن أعلن أنه يعمل مع الأمم المتحدة من أجل السماح للفريق الفني بمعاينة الناقلة.

وعلى خلفية تطور الجدل حول وضع ناقلة النفط "صافِر" وتزايد التحذيرات بشأنها، عَقَدَ مجلس الأمن الدولي، في منتصف يوليو الماضي (2020)، جلسةً خاصةً لمناقشة أزمة الناقلة، بناءً على طلب عاجل من الحكومة اليمنية دعمته بريطانيا. وحاول الحوثيون استباق انعقاد الجلسة بتقديم إفادة رسمية للأمم المتحدة، تؤكد موافقتهم المبدئية على قيام فريق خبراء أممي بتقييم وضع الناقلة وإجراء إصلاحات أولية، وتقديم المشورة بشأن أي إجراءات متبقية ستكون ضرورية لتجنُّب التسرُّب النفطي، غير أن مسؤولين في الحكومة اليمنية اتهموا الجماعة بأنها تُخطِّط لمناورة سياسية جديدة بهذه الموافقة، إذ سبق لهم وأن فعلوا الأمر نفسه في صيف 2019 قبل أن يعودوا عن قرارهم في اللحظة الأخيرة عشية بدء الفريق الأممي مهمّته.

وقد لوحِظَ أن مداولات اجتماع مجلس الأمن الذي عُقِد عبر الفيديو، وأبدى خلاله مسؤولون أمميون خشيتهم مُجدداً من حصول "سيناريو كارثي" إذا ما تسرّب النفط من الناقلة المتهالكة إلى البحر، لم تُحدِّد موعداً واضحاً لعملية تفقُّد الناقلة المفترض أن يقوم بها فريق خبراء دوليين تمهيداً لإفراغ حمولتها من النفط الخام. وفي ختام الجلسة التي تخللّتها مشاورات مغلقة، أصدر مجلس الأمن، بإجماع أعضائه الخمسة عشر، بياناً أعربوا فيه عن قلقهم العميق "إزاء الخطر المتزايد بأن تنشطر ناقلة النفط "صافر" أو تنفجر مما سيتسبّب بكارثة بيئية واقتصادية وإنسانية لليمن وجيرانه". وطالبوا جماعة الحوثي "بترجمة التزامها إلى عمل ملموس في أقرب وقت ممكن"، وعبَّر أعضاء المجلس في ذات البيان عن أملهم في "رؤية تنفيذ إجراءات ملموسة قبل جلسة مجلس الأمن المقبلة بشأن اليمن".
ومع مواصلة الحوثيين إظهار إصرارهم على عدم تسوية قضية الناقلة في شكل مُنفرِد كما تُطالِب حكومة الرئيس هادي، رابطين ذلك بحسم قضايا أخرى من قبيل ضرورة تقديم الأمم المتحدة ضمانات بأن يتم إصلاح الناقلة وفق معايير، وضمن تدابير، يَقبلون بها، وأن تُحوَّل عائدات بيع النفط الموجود على متنها لتسديد رواتب موظّفين يعملون في إدارات تخضع لسلطتهم بشكل أساسي، إلا أن تزايد الضغط عليهم مؤخراً، وتبلور إجماع دولي أكبر على أنهم يتحمَّلون الجزء الأكبر من مسؤولية تفاقُم أزمة الناقلة، دفعهم إلى إبداء بعض المرونة وتقديم بعض التنازلات في هذا الملف، إذ وافقوا أخيراً، وكتابياً، على مطلب الأمم المتحدة تسهيل مهامّ فريق فني دولي لتقييم وضع الناقلة "صافر".

غير أن الحكومة الشرعية سرعان ما اتهمت الحوثيين بعدها بفترة وجيزة، بمنع مُهندسي الشركة السنغافورية التي تعاقدت معها الأمم المتحدة لتقييم وضع الناقلة، من الدخول وأنهم رفضوا منحهم التأشيرات والأذونات اللازمة لبدء مهمتهم. وفي السياق نفسه، أوضح السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، أن الحوثيين يريدون استبعاد الشركة التي جرى التعاقد معها، وتعيين شركة أخرى. إلا أن الحوثيين، في المقابل، زعموا على لسان أحد قيادييهم، وهو حسين العزي، أن الاتفاق مع المبعوث الأممي بشأن الناقلة "نَصَّ على إرسال فريق خبراء لتقييم أضرار سفينة "صافر" وإصلاحها وإرسال فريق "أنفيم" إلى الحديدة للحد من القيود المفروضة على دخول السفن"، واتهموا الأمم المتحدة بالتراجع "عن إرسال فريق "أنفيم" إلى ميناء الحديدة كما كان متفق عليه، و[أنها] طالبت بالتنازل عنه وعدم ربطه بسفينة "صافر" رغم إصدارنا لتأشيرات دخول الفريق الأممي"، بحسب تعبير القيادي الحوثي. إلا أن السفير البريطاني لدى اليمن، مايكل آرون، أوضح في تصريحات صحفية نُشِرت مؤخراً أن مهندسي الأمم المتحدة لم يحصلوا حتى الآن على تأشيرات الدخول من الحوثيين، مبيناً أن تشكيل فريق خبراء الأمم المتحدة قد يستغرق شهراً حيث يوجدون في بلدان مختلفة حول العالم. ووفقاً للسفير البريطاني "هناك نحو 17 مهندساً من الشركة السنغافورية وافق الحوثيين على توفير التأشيرات لهم، ولكن التأشيرات لم تَصدُر بعد وما زالوا في جيبوتي".

التوقُّعات

بحسب المؤشرات الراهنة، يبدو أن حدوث انفراجة قريبة لأزمة الناقلة "صافر" أمرٌ لا يزال مُستَبعداً، وأن سيناريو مراوحتها لبعض الوقت هو الأكثر احتمالاً، لا سيما أن تشكيل فريق الخبراء الذي سيعمل على تقييم وضع الناقلة قد يستغرق وقتاً يتجاوز الشهر بحسب التقديرات. وفي هذه الأثناء، يَميل عددٌ من الخبراء إلى ترجيح إما أن يتفاقم وضع الناقلة أكثر خلال الفترة القليلة المقبلة بفعل تراكم الغازات المتطايرة المنبعثة من النفط الموجود داخلها والتي قد تتسبَّب في انفجارها، أو أن تنهار الناقلة تماماً نتيجة تآكلها وتسرُّب مياه البحر إليها، وفي كلتا الحالتين ستتسرَّب كمية هائلة من النفط إلى مياه البحر الأحمر.

وفي مواجهة عواقب وخيمة كهذه، يُتوقَّع أن تُواصِل القوى الدولية الفاعلة، بما فيها الوساطة الأممية، ضغوطها على الأطراف اليمنية لتحقيق اختراق في ملف أزمة ناقلة النفط "صافر"، وأن تحثَّ طرفي النزاع على عدم مواصلة تسييس هذه الأزمة أو استغلالها لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، خصوصاً أن عواقب أي كارثة قد تتسبب بها الناقلة المتهالكة لن تؤثر على اليمن وتزيد من معاناته الإنسانية الكبيرة وحسب، بل ستُلقي بتأثيراتها المدمرة وتداعياتها السلبية وطويلة الأمد على البلدان المجاورة له وعلى ممرات الملاحة الدولية في جنوب البحر الأحمر.