ملفات وتقارير

الثلاثاء - 08 سبتمبر 2020 - الساعة 10:48 ص بتوقيت اليمن ،،،

ترجمة وتحرير/ مدى برس:


ترك "عمر عبدالله" المدرسة مجبراً، بعد وصول الاشتباكات إلى مديرية الدريهمي، إحدى المديريات الجنوبية لمحافظة الحديدة الساحلية، غربي اليمن، ونزح مع أسرته إلى العاصمة صنعاء، بعيداً عن مظاهر الحرب.

واقع الحياة للطفل "عمر" إثر النزوح لم تكن سعيدة، إذ إن الحياة في بلاد الغربة والنزوح لا ترحم، وتوفير متطلبات العيش الأساسية يحتاج إلى تضحية وتفانٍ.

المسافة بينه وبين والمدرسة بعدت كثيراً، كما بعدت بينه وبين مسقط رأسه، الذي أجبرته الحرب على النزوح منه، إلى حين موعد لا يبدو قريباً، ليس لـ"عمر" فحسب بل لكل اليمنيين.

عمر، وبعد وصوله إلى مكان نزوحه، اتخذ من جولات المرور مكاناً لطلب الرزق ببيع قوارير المياه المعدنية، وعلب صناديق المناديل الورقية "الفاين" ليعين أسرته الفقيرة على العيش في بلد النزوح والاغتراب الداخلي.

ملايين الأطفال

ليس "عمر" وحده من أجبرته الحرب على ترك بلدته، وأبعدته عن المدرسة، فما يقارب 1.71 مليون طفل يعيشون في محافظات النزوح منذ بدء الحرب في مارس 2015، وبعضهم أجبرته الظروف المعيشية على ترك المدرسة والالتحاق بسوق العمل.

في أول القائمة

ويعد التعليم أكبر ضحايا الحرب في اليمن، التي أجبرت مليوني طفل على ترك فصول الدراسة، علاوة على نصف مليون آخر تسرب من المدارس منذ بداية المواجهات العسكرية، بحسب منظمة اليونيسف التي تؤكد أن تعليم 3.7 مليون طفل آخرين بات على المحك.

وأشارت المنظمة ذاتها إلى أن تصاعد النزاع الراهن ألحق دماراً واسعاً في نظام البلاد التعليمي الهش أصلاً، ولم يعد من الممكن استخدام مدرسة واحدة من كل 5 مدارس.

وتتعرض العملية التعليمية إلى تدمير واسع من كافة الجوانب، ليكون الضحية ملايين الأطفال وجيلاً بأكمله، ومع انطلاق شرارة الحرب زج بالمدارس والمنشآت التعليمية في أتونها، وصارت أهدافاً وثكنات عسكرية.

ففي مطلع العام الجاري، قالت منظمة اليونيسف، في تقرير عن وضع التعليم في اليمن، إن عدد المدارس التي توقفت عن العمل بسبب الحرب بلغ أكثر من 2500 مدرسة، دُمر منها نحو 66% بسبب العنف المباشر، وأُغلقت 27%، وتُستخدم 7% لأغراض عسكرية أو أماكن إيواء للنازحين.

ووثّق التقرير ما يزيد على 380 واقعة اعتداء وتضرر لمدارس ومرافق تعليمية، لكنها لا تمثل العدد الإجمالي للهجمات، ولا تحصر الأنماط التي تعرضت لها المدارس والمرافق التعليمية أثناء النزاع المحتدم في اليمن.

إن هذه الوقائع تقدم توضيحاً تفصيلياً حول أبرز أنماط الانتهاكات التي تتعرض لها المدارس والمرافق التعليمية خلال سنوات الحرب، والآثار المروعة لهذه الانتهاكات على واقع العملية التعليمية وتداعياتها على الطفولة والمستقبل، كما يقول التقرير.

تقرير منظمة "اليونيسيف" حول احتلال المدارس واستخدامها في الأغراض العسكرية، يقول إن المليشيا الحوثية خلال فترة الحرب احتلت واستخدمت نحو 131 مدرسة لأغراضها العسكرية.

وزارة التربية والتعليم التابعة لجماعة الحوثي أكدت في إحصائية حديثة أن عدد المدارس المتضررة من الحرب بلغ 3652 مدرسة ومنشأة تعليمية، عدد طلابها مليون و898 ألفاً و220 طالباً وطالبة، منها 412 مدمرة كلياً، و1491 مدمرة جزئياً، واستخدمت 993 مدرسة ومنشأة تعليمية لإيواء النازحين، و756 أغلقت بسبب ما سمته العدوان، فضلاً عن تضرر أكثر من 5 ملايين طالب وطالبة في تعليمهم، وحرمانهم من 56 مليوناً و565 ألفاً و868 كتاباً مدرسياً.

من جانبها الحكومة الشرعية اتهمت مليشيا الحوثي الانقلابية المدعومة من إيران بارتكاب أكثر من 28 ألف انتهاك بحق قطاع التعليم في العاصمة صنعاء وحدها، خلال الفترة بين أكتوبر 2018 وأكتوبر 2019.

وتوزعت هذه الانتهاكات بين القتل خارج القانون، والاعتداءات، والتعذيب، والاعتقالات، ونهب المرتبات والمساعدات الإنسانية، وتجنيد الأطفال من المدارس، وفرض الفكر الطائفي وشعارات الجماعة، إلى جانب تغيير المناهج وزرع ثقافة الموت والكراهية.

وأوضح تقرير حكومي، أن المليشيا الحوثية خلال الفترة المذكورة قتلت 21 معلماً، وأصدرت أحكاماً بإعدام 10 من مديري المدارس والمعلمين والطلبة، فضلاً عن قيامها بـ157 عملية اقتحام لمنشآت تعليمية، وتجنيد نحو 400 طالب، وفصل قرابة 10 آلاف معلم، وتنظيم أكثر من 3 آلاف فعالية طائفية لاستقطاب الطلبة.

ويضاف إلى ذلك، عدم توفر الكتاب المدرسي الذي توقفت طباعته منذ انطلاق العمليات العسكرية، وبات يشكل إحدى المشاكل التي تواجه العملية التعليمية.

في السياق، لم تتوقف محاولة جماعة الحوثي عند تغيير مفردات في المناهج، وإنما استغلت المدارس والمرافق التعليمية لأهداف تخدم أفكار الجماعة، ونشر أفكارها ومعتقداتها، والتحريض الطائفي.

تؤكد مصادر متطابقة في مناطق سيطرة مليشيا الحوثيين، أنها خصصت فقرات من طابور الصباح وحصصاً دراسية للترويج لما تسميه "المسيرة القرآنية" وترديد شعاراتها، وأقامت الأنشطة والفعاليات لاحتفالاتها الطائفية، كما طبعت العبارات الخاصة بها على جدران المدارس.

وحولت مليشيا الحوثي المتمردة المدارس إلى مراكز لتحشيد المقاتلين الأطفال إلى جبهات القتال من غير إذن أولياء أمورهم، وفي سنوات الحرب أصدرت المنظمات الدولية والمحلية تقارير عن استخدام الأطفال وقوداً للحرب، واحتلت مليشيا الحوثي المركز الأول في تجنيد الأطفال.

وتسبب انقطاع المرتبات في تسرب المعلمين من المدارس، والبحث عن مهن أخرى لتأمين متطلبات الحياة، واستعانت المدارس بالمدرسين البدلاء غير المؤهلين، ولم تنتظم الدراسة، وقل التحصيل العلمي بشكل واضح.

الرسوم الشهرية المخصصة على الطلاب في المحافظات التي تسيطر عليها مليشيا الحوثي، صارت عقبات أخرى وعبئاً إضافياً على أولياء الأمور، وأدت إلى مزيد من التسرب، وحرمت بعض إدارات المدارس الطلاب الذين لم يستطيعوا دفعها، من الامتحانات.

تزايدت المشاكل والأسباب التي أسهمت في تدمير العملية التعليمة وزيادة معدلات التسرب من المدارس، مما جعل مستقبل كثير من الأطفال في مهب الريح، وعرضهم لأنواع من الانتهاكات والاستغلال.

وترى ممثلة اليونيسف في اليمن، "سارا بيسلو نيانتي" أن الأطفال غير الملتحقين بالمدارس يواجهون مخاطر متزايدة في التعرض لكافة أشكال الاستغلال، بما في ذلك إجبارهم على الانضمام إلى القتال، وعمالة الأطفال، والزواج المبكر، ويفقدون فرصة النمو والتطور في بيئة تحيطهم بالرعاية والتشجيع، ويصبحون عالقين في نهاية الأمر في حياة يملؤها العوزُ والمشقة.

وأضافت "بيسلو نيانتي" في تصريحات إعلامية، أن النزاع وتأخر عجلة التنمية والفقر، تسبب في حرمان ملايين الأطفال في اليمن من حقهم في التعليم، وأملهم في مستقبل أفضل، وتسبب العنف والنزوح والهجمات التي تتعرض لها المدارس في الحيلولة دون وصول العديد من الأطفال إلى المدارس، ومع استمرار عدم دفع رواتب المعلمين، فإن جودة التعليم أصبحت على المحك.