ملفات وتقارير

السبت - 12 سبتمبر 2020 - الساعة 04:33 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ تقرير| عبداللطيف سالمين:


باتت المدنية تلفظ أنفاسها الأخيرة في عدن، حيث يعاني سكان المدينة من افتقادهم لأبسط متطلباتهم التي تتلخص مجملها في حياة كريمة دون المساس بحياة الإنسان اليومية الصحية كانت أو البصرية وهو ما لا يمكن حدوثه أبداً عندما يسود الإهمال وتنعدم أسمى معاني الإنسانية ولا يجد الإنسان من خلالها ملجأً إلا أن يناشد المسؤولين مع تبدلهم كل مرة ولا جديد يذكر.

في مختلف مديريات مدينة عدن تتكدس الطرقات بأكوام القمامة تلك المناطق التي لا يزورها المسؤولون ولا حتى لالتقاط صورة تظهرهم وهم يقومون بحملة نظافة تبدأ حدودها وتنتهي مع التقاط الصورة.

منظر يومي بات يعيشه المواطنون في عدن مع تكدس القمامة التي باتت لا تقتصر على المناطق المهمشة لتطال أهم المديريات السكنية المكتظة بالسكان.

عهد لم تعشه خور مكسر منذ زمن

خور مكسر، تلك المنطقة المكتظة بالمنظمات والوزارات وما تبقى من السفارات.. بات الناس فيها يعيشون وضعا مغايرا لم يعهدوه منذ زمن. فمع غياب المسؤولين في حكومة الشرعية والتي كان غالبها يهتم بالمنطقة لاحتوائها مناطق سكنهم. تغير الحال وتبدل وبات المواطنون في بعض مناطقها يعيشون كارثة إنسانية بكل ما تحمله الكلمة من معنى، حيث تفترش القمامة والمجاري جوانب منازلهم، وعوضا عن نسائم البحر باتت مناطقها تفوح بريحة المجاري والقمامة في صورة تشوه ما تبقى من مدنية في مدينة عدن.

وهو ما أكده أهالي المنطقة الذين عبروا عن سخطهم من استمرار هذه الأزمة والتي لم يقدم أحد من المسئولين لحلها والقيام بواجبهم.. رغم المناشدات المستمرة للمحافظ والمجلس الانتقالي كل مرة ولكل من له صلاحية في تغيير الواقع للإسراع بالتحرك والاهتمام بالمديرية التي لطالما كانت واجهة مشرفة للمدينة.

شوارع مديرية خور مكسر، والتي كانت في الزمن القريب أنموذجاً يحتدى به بين بقية المديريات، تبدل حالها مع تبدل وتعاقب الحكومات في المنطقة لتغرق المديرية في أكوام من القذارة، وحتى سوق القات الذي يعتبره المواطنون رمزاً للكيف ويذهبون إليه كل يوم طمعا بالحصول على ما يجعل يومهم جميلا بات مصدراً لأن تعيش بيقية يومك في مزاج سيء نظراً للصورة المقيتة التي تشكله طرقاته الغارقة في القذارة هي الأخرى بانتظار من ينتشلها وبقية شوارع المديرية ويعيد لها صورتها الجميلة المشرقة.

وما يخيف بجانب تشويه المنظر الحضاري هو وجود العديد من المنازل السكنية التي تعج بالكثير من الأسر التي تمر وتشم كل تلك الروائح السيئة، أن تتحول الأرصفة إلى مكبات مصغرة للنفايات المتكدسة، أضحى الأمر شبه عادي حتى وإن كانت في المداخل الرئيسية للشوارع.

تتبدل الأعذار والمشكلة مستمرة

ويؤكد المواطنون أن عدن لم تعرف هذه الحالة السيئة والرثة بصورة متواصلة مند فترة. وكلما ظنوا أن المشكلة انتهت تعود أقوى كل مرة وبأعذار مختلفة.

واشتكى السكان، في أحاديث متفرقة لـ(مدى برس)، من تكدس القمامة في أحياء المنطقة بشكل كبير. وقال أحد سكان حي السلام، إن منطقتهم لم تعرف هذه الحالة السيئة والرثة بصورة متواصلة مند فترة. وكلما ظنوا ان المشكلة انتهت تعود أقوى من ما كانت.

وأضاف: لا يعقل أن يعيش الإنسان بين كل أكوام القذارة هذه. ونحن لا نقبل ذلك، وكلما قدمنا الشكاوى لا نجد أي تفاعل حقيقي ينهي المشكلة ويحلها من جذورها وإن وجد تفاعل فغالبا يكون حلا مؤقتا.

ولفت إلى أن السبب الرئيس للمشكلة هو انعدام حاويات القمامة في حي يحوي شوارع عدة ويشهد ازدحاما في السكان، حيث تجد في المنزل الواحد الكثير من الأسر.
وهذا يعني أن النفايات تكون كثيرة، ومع انعدام الحاويات تجد كل شارع يرمي القمامة في هذا المكان.

وتابع: إذا لم يأت عمال النظافة لأخذها كل يوم بيومه تتراكم القمامة لتصل إلى نصف الشارع، وهذا يضرنا كثيرا خاصة الأطفال الذين يحبون قضاء وقتهم باللعب في الشارع.

وأكد: أخاف على أولادي ولا أدعهم يخرجون كثيرا، لأن وجود القمامة بهذا الشكل يجعل البعوض أشد انتشارا، ونحن نعاني من أوبئة كثيرة. حمى الضنك ما زالت منتشرة، والملاريا والكوليرا... وغيرها من الأوبئة والأمراض.

واختتم بالقول: مشكلة تكدس القمامة، من أكبر المشاكل التي تعاني منها مدينة عدن باختلاف مديرياتها، لما تسببه من أمراض وروائح كثيرة، وتشويه للمنظر العام في الشوارع، وهذا ما حدث هنا أيضا للأسف الشديد.

أما المواطن محمد فارس -وهو من سكان منطقة الشابات في خور مكسر- فقد ناشد سكان المنطقة بعدم رمي القمامة في الشوارع، مطالبا عمال البلدية القيام بأعمالهم.

واستطرد محمد: هذه ظاهرة سيئة انتشرت بشكل مخيف في السنين الأربع الأخيرة حيث يقوم السكان برمي القمامة بأي مكان، غير مدركين الأضرار التي تترتب على ذلك.

وقال إنه وفي سبيل الجهود التي تبذل لتحسين المدينة ونظافتها ما زالت مشكلة القمامة لم تلفت انتباه المسئولين بعد ليتم حلها.. وإن وجدت بعض الجهود الضئيلة أو حملات نظافة منقطعة النظير في المديرية فإن الواقع لا يتغير أبداً، ويبقى الحال على ما هو عليه، والمشهد اليومي يعيد تكرار نفسه.

واختتم محمد: أناشد سكان المنطقة كل من له مسؤولية بالأمر، أن يتم التحرك بسرعة عاجلة، فحل المشكلة ليس بهذه الصعوبة، وكل ما يجب عمله توزيع حاويات قمامة في كل شارع، مع الحرص على مرور صندوق النظافة كل يوم لإفراغها.

أسباب الأزمة

وعزا باحثون في الهندسة البيئية ومعالجة المياه، مشكلة البيئة في عدن إلى ثلاثة أسباب رئيسية: "أولا، عدم تقدير خطورة المشكلة وتأثيرها المباشر على صحة المواطنين. ثانيا، عدم الإنفاق على المشكلة؛ لأنها لا تعدّ مشكلة خطيرة عند المسؤولين. ثالثا، وهو الأهم، ونتيجة منطقية لما سبق، لا يوجد اهتمام بالبحث العلمي في مجال البيئة في اليمن ككل وعدن بالذات".

وأضافوا لـ(مدى برس): "ما يعني أنه حتى الأماكن البسيطة التي فيها اهتمام بالأمر، ما زالت تستخدم أساليب عتيقة في معالجة المخلفات وحماية البيئة... فمن الطبيعي أن نكون بهذا المستوى"، داعين إلى "الاستثمار في مجال القمامة بدلا من اعتبارها عبئا كبيرا. فعلى سبيل المثال، كانت الصين تستورد كل عام كميات ضخمة من القمامة من بريطانيا لإعادة تدويرها، وفي نهايات 2017 توقفت الصين عن هذا الأمر، فدخلت السويد سوق معالجة النفايات البريطانية، وكل من الصين والسويد تحصل على عوائد جيدة جدا من القمة البريطانية المستوردة".

وانتقدوا بدورهم عدم وجود رؤية في عدن للاستفادة من القمامة، قائلين: "تتخلص الحكومة من القمامة بحرقها، ما يؤدي لمشاكل صحية ضخمة جدا لكل من يعيش بالقرب من هذه الأماكن، لاحظ أن الصين مثلا منعت استيراد القمامة البريطانية؛ لأن عندها اكتفاء ذاتيا من القمامة، ومصانعها تعمل بكامل طاقتها لمعالجة المخلفات محليا، ما يوفر فرص عمل ضخمة وثروة اقتصادية هائلة".

أزمة بلا إرادة لحلها

وكشف ناشطون في مجال الصحة البيئية، في تصريحات لـ(مدى برس)، أن "التلوث البيئي له دور في زيادة عدد الوفيات سنويا؛ بسبب ارتباطه بأمراض صحية مختلفة تتعلق بالجهاز الهضمي؛ بسبب ملوثات المياه والأطعمة والتنفس الناجمة عن تلوث الهواء نتيجة مخلفات القمامة وعوادم المركبات، وغيرها".

واعتبروا أن من أهم مظاهر التلوث "انتشار القمامة نتيجة غياب الإرادة لحل مشكلة القمامة، التي تشكل أزمة كبيرة في مصر، لكنها تعدّ كنوزا في المجتمعات المتقدمة من خلال إعادة التدوير، ويمكن تحقيق مبالغ طائلة من ورائها، وهناك بعض الدول التي تستورد القمامة لهذا الغرض".

ظاهرة خطيرة

انتشار القمامة فى كل مكان ظاهرة غير مقبولة على الإطلاق، فالأضرار منها كثيرة وخطيرة، فعلى سبيل المثال لا الحصر، تكاثر الميكروبات وبالتإلى انتشار الأمراض المعدية التى تؤثر على صحة المواطنين تأثيرا ضارا، وهذا ينعكس سلبيا على القدرة الإنتاجية لهم، ومنها توالد الحشرات الضارة والحيوانات القارضة التى ينتج عنها الأوبئة، وتراكم المخلفات على جوانب الطرقات تزيد من المشكلة المرورية، هذا بخلاف التلوث البصرى والبيئي الذي يسببه تراكم القمامة.

ويوضح أكاديميون في جامعة عدن، أن مشكلة التخلص من القمامة والمخلفات ليست بالمشكلة الصعبة أو المستحيلة، فمن الممكن أن تقسم كل محافظة إلى قطاعات وتوكل كل مجموعة قطاعات إلى شركات النظافة تكون مسئولة عن إخلاء هذه القطاعات من القمامة والمخلفات، ثم يتم تدوير هذه المخلفات ليصنع منها منتجات يمكن تسويقها والاستفادة منها ماديا، وهذه الفكرة معمول بها فى كثير من الدول.

يمكن التغلب على المشكلة بسهولة

انتشار القمامة في شوارع وأنحاء جميع مديريات عدن بدت مشكلة تتفاقم يوما بعد آخر ولا يجد لها الناس حلا، فالمشكلة لم تعد تؤثر فقط على الشكل الجمالي للشوارع الرئيسية أو الفرعية أيضا بل بدأت تؤثر على صحة المواطن العدني وخاصة الأطفال الذين تتراكم القمامة أمام منازلهم مما تسبب لهم ولأطفالهم أمراضا لا حصر لها.

إن مشكلة إخلاء البلاد من القمامة والمخلفات تعتبر من المشكلات التى يمكن التغلب عليها بسهولة إذا ما قورنت بمشكلة عدم نظافة اليد أو اللسان أو الفكر لأنها ترتبط بعوامل كثيرة ومتشابكة ومعقدة أيضا مثل القيم، والأخلاقيات، والبيئة التى نشأ فيها الفرد، وطريقة تربيته، والرفاق، والظروف التى يمر بها هذا الفرد.. هذه العوامل إذا كانت سلبية أو غير سليمة أو غير مقبولة فإنه يصعب تعديلها إلى الأفضل فى وقت قصير وتحتاج إلى معالجة حكيمة، وقد تصل إلى حد المعالجة النفسية أو المعالجة القانونية.

النظافة قيمة ومفهومها يشمل النظافة بتعريفها المألوف أي الخلو من المخلفات والقاذورات، ونظافة اللسان أي عدم التلفظ بكلمات نابية أو توجيه كلمات جارحة للآخرين، ونظافة اليد أي البعد عن المال الحرام، ونظافة الفكر أي تجنب نشر الأفكار المخالفة للتقاليد، والأعراف، والعقيدة.
والإنسان المتحضر ينبغى أن يلتزم بكل أنواع النظافة وبمفهومها الشامل وليس بأحد أنواعها، لأن النظافة غير قابلة للتجزئة.

وحتى الآن مشاكل القمامة ما زالت تمثل خطرا على حياة الإنسان العدني وخاصة الأطفال الذين تكون نسبة المناعة لديهم ضعيفة، خاصة أن القمامة تتجمع بشكل كبير حول عدد كبير من المدارس الحكومية ومع عودة الدراسة السبت المقبل ستتفاقم المشكلة بشكل كبير.

هذا ما وصل إليه الحال في عدن، صورة بشعة تدمر ما تبقى من ملامح المدنية في مدينة لطالما اشتكت من الإهمال والقصور في كل ما يتعلق بجوانب الأمور الحياتية المهمة، ويظل المواطنون يعيشون مسلسلا مقرفا ولسان حالهم بالكاد ينطق متى ينتهي هذا المسلسل المرعب وتطوى صفحة مظلمة تعيشها المدينة.