نافذة على السياسة

الإثنين - 19 أكتوبر 2020 - الساعة 05:56 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ حسام ردمان:


يتركز النقاش حول كيفية دخول السفير الإيراني الجديد إلى صنعاء؟ ويُطرح هذا التساؤل بصيغة استنكارية لإدانة التحالف العربي والشرعية.

وبتقديري فإن طريقة وصول حسن ايرلو إلى اليمن ليست المعضلة، فالرجل لم يعرف له أي تاريخ ديبلوماسي ولم تنشر صورته حتى في وسائل الإعلام، ولا يشترط صحة الأخبار التي تفيد بدخوله عبر رحلة طيران من عمان.

بحسب المعلومات الأولية والمؤكدة، فإن ايرلو يعتبر أحد أهم قيادات الحرس الثوري، وبالتالي فإن بمقدوره التسلل إلى اليمن خفية كحال عشرات الخبراء الإيرانيين واللبنانيين. والجدير بالمناقشة هو توقيت القرار ودلالة أن تجاهر إيران بوجودها العسكري في اليمن بل وتمنحه غطاءً سياسياً.

وبوسعنا إضافة عامل جديد لتفسير الانفتاح الحوثي على غريفيث، وسر التزامهم بتقديم عربون صداقة مغر للأمم المتحدة يخفف استباقياً من الإدانة الدولية التي قد يواجهها. وبحكم الضرورة سيواصل غريفيث (ومن ورائه البريطانيون والأوروبيون) التعامل مع الحوثي لاستكمال المرحلة الثانية من عملية تبادل الأسرى، لأنها رأس المال السياسي الوحيد لاستدامة الوساطة الأممية.

لكن الأهم هو ما تمثله هذه الخطوة من تغير جوهري في المقاربة الإيرانية للصراع اليمني؛ فخلال الأعوام الثلاثة الأولى للحرب، فضلت إيران أن تعزز من سردية الاستقلال الذاتي الحوثي وأن تقدم نفسها كحليف سياسي يساند جماعة محلية مظلومة، وذلك تجاوبا مع نمط الحرب الاستنزافية في اليمن ومع مقتضيات الاتفاق النووي.

حينها كان الملف اليمني بيد جواد ظريف وما يعرف (بتيار المعتدلين)، لذا فقد طغى أسلوبهم ورؤيتهم على إدارة الأزمة. لكن مع الوقت، وبحكم تبدل موازين القوى في الداخل الإيراني لمصلحة صقور الحرس الثوري، فقد طغت مقاربة جديدة ترى أن من الأجدى الاستثمار أكثر في عسكرة الصراع بدلاً عن التسوية.

وفي العامين 2018-2019، أخذت طهران توطد من علاقتها الرسمية مع الحوثيين، وعينت لهم سفيراً معترفا به في إيران، وكثفت من تواجد ضباط الحرس الثوري (بعد أن أسندت سابقا مهام نقل الخبرات التقنية والتدريبية إلى حزب الله)، وكثفت من عمليات التهريب المنظم لتعزيز القدرات التسليحية للمليشيات الحوثية من خلال الصواريخ الحرارية وتطوير صواريخ الاسكود والسلاح غير التقليدي مثل الطيران المسير؛ هذه السياسة مثلت التجاوب الإيراني مع الدينامكيات الإقليمية التصعيدية بعد إلغاء الاتفاق النووي وتصفير الصادرات النفطية وتصنيف الحرس الثوري كمنظمة إرهابية.

وارتكزت هذه السياسة على تحويل اليمن، من مجرد منطقة نفوذ جيوسياسي، إلى منصة عسكرية متقدمة لاستهداف المصالح الغربية والخليجية. وهو ما بلغ ذروته باستهداف ممرات الملاحة في البحر الأحمر ومصادر الطاقة في السعودية.

واليوم فإن تعيين ايرلو سيؤرخ لمنعطف ثالث في السياسية الإيرانية تجاه اليمن؛ مرحلة يصعب استكشاف ملامحها الاستراتجية حتى تنتهي حالة "عدم اليقين" وتظهر نتائج الانتخابات الأمريكية.

لكن طهران تتحضر لخيارين على الأرجح؛ فهي من جهة تعزز نفوذها العسكري المباشر في اليمن بما يعني مزيدا من التهديدات للجوار الإقليمي في حال قرر ترامب أو التحالف العربي استئناف سياسة الضغط الأقصى. ومن جهة أخرى تقوم بشرعنة وجودها الميداني ومنحه صفة رسمية كي تحسن موقعها التفاوضي في حال قررت الإدارة الديمقراطية استئناف مسار التسويات الإقليمية وتفعيل الاتفاق النووي.

ومع وجود ايرلو في صنعاء سوف تزداد قدرات الحوثيين وخبراتهم، وفي نفس الوقت سوف يزداد ارتباطهم العضوي بطهران ويتلاشى ما تبقى لهم من هامش استقلالية -روج الخبراء الغربيون إلى أنه يجب استثماره لأنه- قد يدفعهم إلى الانخراط في تسوية سياسية تعزز من نفوذهم المحلي وتحسن علاقتهم الثنائية مع الرياض.

ولا يمكن فصل القرار الإيراني في اليمن (17 أكتوبر) عن انتهاء فترة الحظر الدولي على مبيعات الأسلحة الإيرانية (18 أكتوبر)، وبالتالي فإن قرارها باليمن هو أول اختبار حقيقي لردود فعل المجتمع الدولي : هل سيتعايش معها كقوة إقليمية مشرعنة أم سيرد بقوة على سلوكها كدولة مارقة؟

في الحالة الأولى تكون طهران قد استبدلت أسلوب القيادة من الخلف وسياسة الإنكار المقبول، بأسلوب جديد يعظم من نفوذها العلني المباشر من خلال سفير فوق العادة ومطلق الصلاحيات، وستراهن على أن يكون لها مقعد أساسي في أي مشاورات قادمة للحل في اليمن (على غرار الرياض وأبوظبي)، بدلا عن مشاركتها غير المباشرة عبر البوابة العمانية.

أما لو جرى التعامل معها كمارقة فإنها ستجعل من صنعاء أهم زبون للسلاح الإيراني، وتتحدى به الإرادة الدولية.

في الحالتين بات ايرلو أهم مركز قوة سياسي وعسكري في صنعاء، وجرى تنصيبه رسمياً كقاسم سليماني اليمن..