نافذة على السياسة

الأربعاء - 17 فبراير 2021 - الساعة 09:26 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ نقلاً عن مركز الإمارات للسياسات:


تصدَّرت الأزمة اليمنية والتوترات الإقليمية التي تُغذِّيها قائمة اهتمامات الإدارة الجديدة للولايات المتحدة، حيث أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن في 4 فبراير الجاري وقف دعم بلاده للحملة العسكرية التي تقودها المملكة العربية السعودية في اليمن، وعيَّن مبعوثاً خاصاً إلى اليمن في مسعى لتعزيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية "لإنهاء الحرب" في هذا البلد. وفي اليوم التالي أعلنت خارجيته بدء إجراءات شطب الحوثيين من قائمة الإرهاب، وهو ما تم بالفعل في 16 من الشهر نفسه.

تُسلِّط هذه الورقة الضوء على أهم معالم التحول في استراتيجية الإدارة الأمريكية الجديدة وتوجهاتها إزاء الأزمة اليمنية، وانعكاسات ذلك وتداعياته على الأطراف الفاعلة، وعلى مستقبل الصراع في اليمن ومسار الحل السياسي الذي تؤدي فيه الوساطة الأممية دوراً أساسياً.

ملامح التوجُّه الأمريكي وردود الفعل عليه

بعد مُضي أسبوعين فقط على وصوله إلى البيت الأبيض، وفي أول خطاب يتطرق لملامح سياسته الخارجية، أعلن الرئيس الأمريكي جو بايدن إسدال الستار على دعم بلاده للحملة العسكرية التي تقودها المملكة ضد جماعة الحوثيين، مشيراً إلى أن إنهاء الحرب في اليمن في صدارة أولويات السياسة الخارجية لإدارته. وقال بايدن خلال زيارة إلى مقر وزارة الخارجية في واشنطن في 4 فبراير الجاري "تأكيداً لالتزامنا، فنحن ننهي كل الدعم الأمريكي للعمليات الهجومية في الحرب في اليمن، بما في ذلك مبيعات الأسلحة ذات الصلة". ومع ذلك، فقد أكَّد بايدن أيضاً حرص بلاده على طمأنة حلفائها في الخليج، قائلاً "في الوقت نفسه، تواجه السعودية هجمات صاروخية، وضربات بطائرات مسيرة وتهديدات أخرى من قوات تدعمها إيران في العديد من الدول. سنواصل دعم ومساندة السعودية في الدفاع عن سيادتها وسلامة أراضيها وعن شعبها". وعيَّن بايدن الدبلوماسي المخضرم تيموثي ليندركينج مبعوثاً خاصاً إلى اليمن في مسعى لتعزيز الجهود الدبلوماسية الأمريكية لإنهاء الحرب التي قال إنَّها "سبَّبت كارثة إنسانية واستراتيجية".

في اليوم التالي، وعلى نحو مبكر جداً وربما غير متوقع إلى حد كبير بالنسبة لمناهضي جماعة الحوثيين، أبلغت وزارة الخارجية الأمريكية الكونغرس رسمياً بنيّتها شطب الحوثيين من لائحة الإرهاب، في تحرُّك قال متحدّث باسم الوزارة، إنَّه "ناجم فقط عن العواقب الإنسانيّة لهذا التصنيف الذي قامت به الإدارة السابقة في الدقائق الأخيرة". وأضاف إنه "لا علاقة له بنظرتنا للحوثيّين وسلوكهم المستهجن، بما في ذلك الهجمات على المدنيّين وخطف مواطنين أميركيّين".

وتأتي هذه التطورات، تماشياً مع مزاج ديمقراطي شبه سائد في واشنطن ذي توجُّه لأن يكون على قطيعة مع سياسة الرئيس السابق الجمهوري دونالد ترمب والتَّخلص من إرثه، وكتأكيد لما تضمَّنه برنامج بايدن الانتخابي من وعود بشأن الأزمة اليمنية. فكما هو معلن تسعى الإدارة الديمقراطية الجديدة لتنشيط ودعم الجهود الدبلوماسية لإنهاء الحرب في اليمن في سياق سعيها لاستعادة "التوازن" لسياستها الخارجية بشأن إدارة الصراع الإقليمي القائم، وكان واضحاً تكثيف واشنطن لاتصالاتها بالأطراف الفاعلة (بما فيها إيران ولو بشكلٍ غير مباشر، والتي زارها المبعوث الأممي إلى اليمن، مارتن غريفيث، مؤخراً، لأول مرة عقب إعلان بايدن بيومين) بهدف خفض التوتر في المنطقة، بدءًا من التهيئة لوقف الحرب في اليمن، وبلورة رؤية شاملة للحل السياسي للأزمة اليمنية.

وحملت ردود فعل الأطراف الفاعلة حيال قرارات واشنطن الجديدة في اليمن الكثير من التحفظ والتشكيك والقليل من التفاؤل. فبرغم المرونة التي ظهرت في تأكيد التحالف العربي والحكومة الشرعية على العمل مع واشنطن لدعم الجهود الديبلوماسية للتوصل لصيغة توافقية للحرب اليمنية تراعي الهواجس الأمنية لدول الخليج لاسيما المملكة العربية السعودية، إلا أن الطرفين أبديا بعض التحفظ على قرار بايدن وقف دعمه للحملة العسكرية في اليمن بما في ذلك تعليقه صفقات الأسلحة لدول التحالف العربي. ولأنه لم يكن متوقعاً بالنسبة لهما وحلفائهما المحليين أن يتم إعلان خارجية الولايات المتحدة عزمها إزالة الحوثيين من قائمة الإرهاب بهذه السرعة، فقد جاء ذلك مخيباً للآمال.

في المقابل، قلَّل الحوثيون وإيران من أهمية إعلان بايدن وَقْف الدعم الأمريكي لضربات التحالف العربي ضد الحوثيين في اليمن ما لم يعقبه وقف كامل لما اعتبروه "حرباً وحصاراً على الشعب اليمني". وفي الوقت نفسه رحَّبا (الحوثيون وإيران) بقرار شطب الجماعة من قائمة الإرهاب، واعتبروه خطوة مهمة في طريق السلام.

الانعكاسات والتداعيات

1. على الحوثيين

يعتقد الحوثيون (ومن خلفهم إيران) بأن تراجُع واشنطن عن دعمها للحملة العسكرية للتحالف العربي يُعَد فشلاً واعترافاً باستحالة الحسم العسكري للحرب في اليمن، ويُرجِعُون ذلك إلى تمكُّنهم من الصُّمود وقدرتهم على فرض واقع على الأرض. وبرغم ترحيبهم بالتوجُّه الأمريكي الجديد لدعم الجهود السياسية، فإنهم لا يزالون يعتبرون واشنطن طرفاً وخصماً في الحرب ضدَّهم، وبالتالي سيكون من الصعب قبولهم بتوسُّطها للتَّوصُّل لحل شامل للأزمة اليمنية.

كما أن إزالتهم السريعة من قائمة الإرهاب، والتي لا يبدو أن واشنطن استخدمتها لتمرير اشتراطات من أي نوع عليهم، لن تدفعهم لوقف هجماتهم على السعودية أو خفض تصعيدهم العسكري داخل اليمن، بل ربما تُشجِّعهم على رفع وتيرة تهديداتهم، بهدف تحسين موقفهم التفاوضي ووضعهم الميداني، استباقاً لأي نتائج قد تسفر عنها تحركات الإدارة الامريكية في سبيل الدفع بجهود السلام. وهو الأمر الذي يُدلِّل عليه تصعيدُهم الأخير للهجمات بالصواريخ البالستية والطائرات المسيرة باتجاه السعودية واستئنافهم الهجوم على مدينة مارب خلال الأيام القليلة الماضية التي تلت القرارات والتصريحات الأمريكية الأخيرة، والتي يرى كثيرون أنَّها أكسبت الحوثيين دفعة معنوية للمُضي في نهج المراوغة والابتزاز، ولاسيما بعدما تضمَّنته تصريحات الناطق الرسمي للجماعة محمد عبدالسلام من اتهامات صريحة للمبعوث الأممي بأنه "مبعوث بلاده بلبوس أممي"، وكان غريفيث أعرب عن قلقه الشديد "من تجدّد الأعمال العدائية في محافظة مأرب من قبل أنصار الله [الحوثيين]، خصوصاً ونحن نشهد لحظة تبلور زخم دبلوماسي جديد لإنهاء الحرب في اليمن واستئناف العملية السياسية".

2. على الحكومة الشرعية

كانت الحكومة اليمنية الشرعية استبشرت بقرار إدارة الرئيس ترمب ضَم الحوثيين إلى لائحة الإرهاب، ورأت أنه خطوة مهمة لمحاصرة الحوثيين وإضعافهم سياسياً واقتصادياً، واعتبرته نصراً سياسياً يُقوِّي موقفها التفاوضي ويُحفِّز حضورها الدبلوماسي ويُعزِّز شرعيتها في الداخل والخارج. غير أنَّ المرونة في الموقف الأمريكي تجاه الحوثيين التي أعقبت القرار، بما في ذلك إلغاء تصنيفهم كإرهابيين، يُمثِّل هزَّة معنوية وسياسية لحكومة الرئيس هادي، في وقتٍ سيكون عليها التَّجاوب مع سياسة الإدارة الديمقراطية الجديدة، التي في أحسن الأحوال، ستدفع باتجاه فرض أي صيغة للحل على قاعدة المكاسب على الأرض، وذلك في حال لم يستمر تعنُّت الحوثيين. وبمعنى آخر لن يكون أمام حكومة الرئيس هادي سوى القبول بتسوية مجحفة في ظل تراجعها العسكري على الأرض وظروفها الاقتصادية الحرجة، فضلاً عن استمرار تصدُّعها سياسياً والتوتُّرات الناجمة عن عدم إتمام تنفيذ اتفاق الرياض.

أما في حال لم تنجح المساعي الأمريكية للتهدئة وإنهاء الحرب في اليمن، فسيكون على الشرعية مواجهة احتمالات تقلُّص نفوذها وخسارة بعض المناطق، لاسيما في محافظة مارب، خصوصاً أن هناك توقُّعات بأن يُصِّعد الحوثيون عملياتهم العسكرية التي تستهدف القواعد الحكومية ومناطق وجودها في شرق البلاد ووسطها.

3. على التحالف العربي بقيادة السعودية

برغم إعلان مستشار الأمن القومي الأمريكي، جايك سوليفان، أن إدارة بايدن تشاورت مع مسؤولين كبار في التحالف الذي تقوده المملكة العربية السعودية، وتأكيده انتهاج الإدارة الجديدة "سياسة دون مفاجآت عندما يتعلَّق الأمر بهذا النوع من الإجراءات"، فإن سرعة التحوُّل في السياسة الخارجية الأمريكية، لاسيما مع بروز تصريحات متشنجة ذات طابع ابتزازي يربط بين ملفات حرب اليمن وحقوق الإنسان وقضية خاشقجي لإدامة زخم استهداف الرياض، من شأنه أن يُعزِّز الاعتقاد السائد في المنطقة بأن إدارة بايدن تتَّجه لتكرار نفس سياسات إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما، ما يعطي المملكة الحافز لتكثيف تحرُّكاتها لإعادة التكيُّف وبناء الثقة وإيجاد صيغة توفيقية مع الإدارة الجديدة، بشأن الملفات مثار الخلاف، بما فيها كيفية كَبْح تدخُّلات وتهديدات إيران الخبيثة عبر أذرعها في المنطقة، بمن فيها جماعة الحوثي في اليمن، وضمان أن تكون قضايا الأمن الإقليمي جزءاً من أي اتفاق مستقبلي مع طهران بشأن برنامجيها النووي والصاروخي.

وفي حين أكَّد المتحدث باسم البنتاغون جون كيربي "أنَّ وزارة الدفاع، بناءً على تعليمات الرئيس[بايدن]، قطعت كل الدعم غير القتالي، بما في ذلك الاستخبارات وبعض الاستشارات والدعم التكتيكي" لعمليات التحالف في اليمن؛ ليس واضحاً كيف ستُوازِن الإدارة الأمريكية بين سعيها لإنهاء دعمها "للعمليات الهجومية" في اليمن، واستمرار الدَّعم للدفاع عن السعودية، لاسيما في ظل استمرار الهجمات التي يشنُّها الحوثيون على المملكة. وبينما توقَّع خبراء أن إدارة بايدن ستواصل على الأرجح مساعدة السعودية في أنظمتها الدفاعية على طول الحدود اليمنية ضد هجمات الحوثيين بالصواريخ والطائرات بدون طيار؛ فإن آخرين أشاروا إلى أنَّ حرمان الرياض من المعلومات الاستخبارية، وخصوصاً الرَّصد الذي تُوفِّره الأقمار الصناعية الأمريكية لتحرُّكات الحوثيين ونَقْلهم الصواريخ والمسيّرات، قد يدفعها إلى الاعتماد على مصادر أخرى، أو أن تلجأ إلى تسيير طائرات رَصْد وتعقُّب للقيام بمهام المراقبة بمساعدة شركاء آخرين.

4. على مسار السلام

من شأن قرارات الإدارة الأمريكية الجديدة، بما فيها تعيين ليندركينغ مبعوثاً خاصاً إلى اليمن، أن تعطي بعض الزَّخم للجهود الديبلوماسية وتُشجِّع على تغليب المسار السياسي، كما أن خفض الولايات المتحدة لصفقات الأسلحة ووقف دعمها لحملة التحالف العسكرية في اليمن، يجعلها في اعتقاد مُخططي سياسات الإدارة أكثر قدرة على ممارسة الضغوط (لاسيما على الحوثيين)، وسيقوي حظوظها للعب دور قيادي ورعاية عملية السلام بين الأطراف المتحاربة. لكن استراتيجية واشنطن لوقف الحرب، فضلاً عن إحلال السلام، ستُواجه العديد من العوائق. فثمة من يعتقد أنه من دون إشراك الإيرانيين في أي تفاهمات بشأن اليمن، سيصعب توفير ضمانات تعالج مخاوف السعودية المتعلقة بتهديدات الحوثيين على أمنها القومي ومصالحها، وتدفعها لوقف حملتها العسكرية ضدهم، كما أن الحوثيين لن يوقفوا هجماتهم على المملكة قبل تحقيق مطلب "إنهاء الضربات الجوية والحصار"، وهو الأمر الذي سيعني استمرار الولايات المتحدة في التعاون مع السعودية للدفاع عنها ضد التهديدات الحوثية كما هو معلن. عدا عن ذلك، سيكون من الصعوبة بمكان التوصُّل الى حل مقنع لغالبية الفصائل المسلحة والقوى السياسية المحلية، وخصوصاً أن جذور الصراع داخلية أكثر منها خارجية أو إقليمية.

خلاصة واستنتاجات

يبدو أن اهتمام إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن المُعلن بشأن إيقاف الحرب في اليمن يأتي ضمن مساعيها للعب دور أكثر توازناً لإدارة الصراع الإقليمي في المنطقة، والذي لا يزال هو المُوجِّه الرئيس للسياسة الخارجية الأمريكية حيال اليمن. وبمعنى آخر فإن قراراتها الأخيرة بشأن اليمن، تأتي كمقدمات لتفعيل استراتيجيتها الجديدة لخفض التوتر الإقليمي والتفاوض مع طهران. وهو تحوُّل مبكر في سياستها الخارجية من شأنه أن يُعزِّز اعتقاد حلفائها الخليجيين بأنها تتَّجه لتكرار نفس سياسات إدارة الرئيس الأسبق باراك أوباما. ولكنه قد يُحفِّز دول المنطقة لتكثيف تحرُّكاتها لإعادة التكيّف وبناء الثقة وإيجاد صيغة توفيقية مع الإدارة الجديدة، بشأن الملفات مثار الخلاف، بما فيها كيفية كَبْح التدخُّلات والتهديدات الإيرانية عبر أذرعها الإقليمية، ومنهم جماعة الحوثي في اليمن، وضمان أن تكون دول الخليج جزءاً من أي اتفاق مستقبلي معها بشأن برنامجها النووي.مثَّل الموقف الأمريكي المرن تجاه الحوثيين، بما في ذلك إلغاء تصنيفهم كإرهابيين، هزَّة معنوية وسياسية للحكومة اليمنية الشرعية، في وقتٍ سيكون عليها التَّجاوب مع سياسة الإدارة الديمقراطية الجديدة، التي في أحسن الأحوال، ستدفع باتجاه فَرْض أي صيغة للحل على قاعدة المكاسب على الأرض، ما يعني قبول حكومة الرئيس هادي بتسوية أسوأ بكثير من اتفاق السويد، في ظل تراجعها العسكري على الأرض وظروفها الاقتصادية الحرجة فضلاً عن استمرار تصدُّعاتها الداخلية. أما في حال لم تنجح المساعي الأمريكية للتهدئة وإنهاء الحرب في اليمن، واستمر تعنُّت الحوثيين، سيكون على الحكومة اليمنية المعترف بها دولياً مواجهة احتمالات تقلُّص نفوذها وخسارة بعض المناطق، وإعادة النظر في إدارتها لمعركتي الحرب والسلام.من المتوقع أن يمنح توجُّه الإدارة الأمريكية الجديدة لدعم الجهود الديبلوماسية في اليمن زخماً أكبر للمسار السياسي، ويُعزِّز دور دبلوماسيتها لتكون وسيطاً مقبولاً وموثوقاً، لاسيما لدى الحوثيين باعتبارهم أكثر الأطراف تعنُّتاً وعرقلة لجهود السلام، لكنه أيضاً قد يدفعهم إلى تصعيد عملياتهم العسكرية، بغرض تحسين موقعهم الميداني وتقوية موقفهم التفاوضي. فضلاً عن ذلك، يظل من الصعوبة بمكان التوصُّل الى حل مقنع لغالبية الفصائل المسلحة والقوى السياسية المحلية، وخصوصاً أن جذور الصراع داخلية أكثر منها خارجية أو إقليمية.