تفاصيل

الأربعاء - 03 مارس 2021 - الساعة 09:55 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ علي العجري:


استضاف نادي القصة اليمني، مساء اليوم الأربعاء 2 مارس/ آذار 2021م، الروائية والقاصة لمياء الارياني؛ لمناقشة روايتها "زمن الشتات".

وفي الفعالية تحدثت الكاتبة عن عملها الجديد، موضحة أن هذه الرواية هي عملها السادس بعد ثلاث روايات وثلاث مجموعات قصصية.

وقد ناقش (زمن الشتات) مجموعة من الكُتّاب والمهتمين بالأدب، وكان لهم وجهات نظر مختلفة حول العمل. إلا أنهم أجمعوا على أهمية الرواية وهدفها النبيل في معالجة الشتات الذي يعيشه اليمن على كل المستويات.

وقد ركزت الرواية على عدد من الثيمات والمحاور أهمها:
الحب، المرأة،الطفولة،الحرب. لكن المحور الأبرز في الرواية هو الشتات.

في غلاف الرواية طفل بائس ذاهل ومشتت الجسد والنظرات في مكان يحيط به الخراب. وهو تعبير عن شتات الحرب والمجتمع والسياسة والموروث والعادات.

وفي متن الرواية ترجمة وافية لهذه الرمزية في الغلاف، حيث سار القص في خطين متوازيين: الحاضر، عبر السارد العليم، ثم الشخصية رنا التي تعيش شتات الحرب وشتات الكلمة وشتات الموقف.

والمسار الثاني، هو الماضي المتراكم في الحاضر الذي جسدته حكاية أحمد.

هذان المساران كانا يقتربان من بعضهما أحياناً ويبتعدان ويتشتتان أحيين أخرى، وكأنهما قصتان منفصلتان عن بعض، وهذا ما جعل القارئ أيضاً يشعر بالشتات وهو يتنقل بين الحدثين والحكايتين والزمنين، بين الحرب والحب الذي يتخلق ويتشتت وينتهي.

تبدأ الرواية بحدث تحليق الطيران والانفجارات لتبدأ مع هذا الحدث قصة ذلك الطبيب الأربعيني (أحمد) الذي يعيش شتاتاً متداخلاً في الأزمنة والأمكنة والتفكير والمواقف والمشاعر، فهو ابن لأبوين انفصلا في بواكير حياتهما الزوجية وأمه لما تتجاوز العشرين من عمرها، ومع ذلك كرست كل حياتها من أجله، وتحملت ألواناً من القهر والمعاناة والشعور بالوحدة الداخلية.

وهي تعبير بارز لمعاناة المرأة اليمنية، حتى وإن كانت من طبقة ثرية وارستقراطية كأم أحمد بطل الرواية.. وقد سرد ابنها جزءاً من معاناتها مع أبيه وعماته، ونقل لنا جزءاً من شتات هذه الأسر الارستقراطية وتفككها سواءً في زمن الحرب أو السلم، رغم أن التناول لم ينفذ إلى العمق واكتفت الكاتبة بالمرور السريع على لسان الراوي أحمد، وكنت أتمنى لو أفسحت لمياء الكاتبة المجال لأم أحمد كي تتحدث إلى القارئ مباشرة دون وسيط، لأصبحت حرارة السرد أكثر تأثيراً وإقناعاً.

لكن الكاتبة نقلت صورة واضحة عن شتات أحمد، الذي انفصل والداه وهو في سن الخامسة من عمره، فانتقل من تعز إلى صنعاء في تشتت اجتماعي ومكاني يقول: كنت جديداً في الحي الذي نسكنه في شارع الزراعة، مختلفاً عن أقراني الصغار في كل شيء. فأنا القادم من تعز البعيدة عن حدود استيعابهم الجغرافي. لهجتي تختلف عن لهجة سكان صنعاء، كنت أنا الحلقة المختلفة في سلسلة الصغار تلك..

بعد ذلك ببضع صفحات، يقول: انتهت سنواتي السبع مع أمي وبلغت الحادية عشر من العمر، وسيحدث أن أغلق باب صنعاء وأشرع نوفذ تعز من جديد برفقة أبي وزوجته هذه المرة.

هكذا كان الاتفاق منذ لحظة الطلاق الأولى بين أبي وأمي.

وكان عليها أن ترجعني إليه بعد أحد عشر عاماً معها.

لم يكن الأمر سهلاً مطلقاً. كان كمن ينزع الروح من الجسد؛ بسبب خوفها عليّ من حياتي القادمة بين عماتي وما امتلأت ذاكرتها من أوجاع منهن.. وخوفها من معاملة خالتي سعاد ومدى تقبلها لي..

في تعز يلتحق بسكن داخلي في المعهد العلمي بعد أن كان في المدرسة الأهلية في صنعاء المخصصة لأبناء الطبقة الارستقراطية، فيما المعاهد العلمية والسكن الداخلي كان يلتحق بها غالباً أبناء الفقراء والطبقة الوسطى، وهذا نوع آخر من الشتات الذهني رغم إشادة أحمد بدراسته في المعهد كتجربة مختلفه. يقول:
ورغم قلق والدتي من نمط التغيير العلمي ذلك إلا أنها اطمأنت عندما أكد لها جدي والدها أنها لن تندم فهو كان مسؤولاً عن تغذية تلك المعاهد، وكان يعرف عنها أدق التفاصيل ويعرف أهميتها في تلك المرحلة الحرجة من العمر بالذات.. وكيف تبني شخصية الشباب وتجعل منهم رجالاً مغايرين ومتميزين على غيرهم. وسيحدث فعلاً أني وزملاء دفعتي في المعهد سنصل إلى أفضل المناصب.

ليس هذا فحسب، بل إن أحمد إلى جانب اطلاعه في المعهد على مراجع التراث الفقهي واللغوي والعقائدي، اطلع كذلك على التوراة والإنجيل. وعندما زار سوريا ومر على أكثر من ستة وثلاثين كنيسة، وذهل من المراسيم الكنسية. والايقونات واللوحات في هذه الكنائس.

فضلاً عن الاطلاع على الفرق الإسلامية المختلفة، يقول: هل تعرفي أنني تقربت أيضا من الطائفة الاسماعيلية والصوفية، ومنهم تعلمت الهدوء والسكينة.

ربما أدركت أنه كي أحب حياتي المتقلبة يجب أن أتعلم الصمت والهدوء.

ويتواصل هذا الشتات والتقلب والتناقض مع أحمد إلى نهاية الرواية على المستوى العلمي والاجتماعي والوجدان، فهو يتعلق بمشاعره بين بنت عمه أمل، وعند الاتفاق على الزواج يتركها قبل الزفاف بيومين بسبب رفضها لتعلقه بأمه وتعلق أمه به، ثم يتزوج بسميرة ويعقد صداقة متينة مع زوج أمل، الذي توافيه المنية تحت ناظري أحمد.

إذاً هي مسيرة من الشتات للرواية وشخوصها، وما أحمد إلا قطب الرحى في هذا الشتات العام الذي نعيشه.