كتابات

الإثنين - 29 مارس 2021 - الساعة 08:09 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي /رفيف الشيخلي *


لم أكن قد قرأت للدكتور يوسف زيدان سوى رواية “عزازيل”، وشاهدت بعض الفيديوهات عن التصوف وشرح ل”ابن عربي” في اليوتوب. طبعا، أشعر بالخجل من ذلك، لكن الاعتراف بالخطأ والنقص أمر جيد لأنه يضعنا أمام مسؤولية تصحيحه وتعديله وتقويمه.

بدأت بمتابعة البرنامج من الحلقة الأولى. وقد أثار اهتمامي بشكل كبير ليس فقط بسبب المعلومات المهمة التي يمدنا بها الدكتور ويعرفنا بالعديد من الأمور التي كنتُ أجهلها. لكن، أيضا، لعدة أمور أخرى فهمتها، أو استنتجتها، أو خطرت على بالي وأنا أشاهد حلقاته. مما جعلني أبحث عن كتبه، فقرأت “دوامات التدين” و”متاهات الوهم” والآن بصدد قراءة “فقه الثورة”. والتي يمكن التعبير عنها في هذه النقاط. دون الحديث عن موضوعات البرنامج ونقاشها، لأني لست أهلا لذلك. ولست “متفقهة” في الموضوع.

أولا: العلم، والمعرفة، لا تنتشران إلا بالحب والتواضع. أما التعالي وقول ما هو ملغز عن فهم عموم الناس، فإنه لن يساعد إلا على النفور من الموضوع ومن صاحبه. وهذا أول ما لاحظته في الدكتور يوسف زيدان سواء في برنامجه الأسبوعي على قناة الغد، أو في كتبه. أنه يتوجه لمن لا يعرف، فيشرح له الكلمات، ويعطيه أسماء الأماكن المذكورة بما نعرفها به اليوم، ويُذَكِّر بالأحداث التي كانت مصاحبة للحدث المتناول… وهو يفعل ذلك بشكل “أبويّ” فلا يُشعر المتلقي بالنقص، بل كأنه يأخذ بيده ويزيل عن طريقه الكثير من الأكاذيب و المعلومات الناقصة التي تربينا معها. حتى أنك تشعر بحسرته وأسفه من ملامح وجهه أو حركة يده، على ضياع بعض البرديات، أو عدم الاهتمام الكافي بالتاريخ بالشكل الذي يجعلنا نفهم الحاضر، وقلة القراءة.

ثانيا: في الحلقتين اللتين تحدثتا عن رسالة الرسول إلى المقوقس، ورد المقوقس له. يخبرنا الدكتور عن الكثير من التفاصيل المهمة، من التعريف بالمقوقس، ولم جاء إلى مصر، وعن الصراعات بين الطوائف الدينية، وكمية الدماء إلى سالت. وأيضا، عن حالة المقوقس العاطفية حيث تزوج من ابنة أخته رغم تحريم ذلك من كل الشرائع. وهنا ننتبه إلى أمر مهم، وهو أننا لا يمكننا فهم حدث من الأحداث وتبيان صدقه من عدمه إلا إذا كانت لنا معلومات كافية عن كل جوانبه، وحتى الحالات الاجتماعية والعاطفية للشخصيات المؤثرة في الحدث. وهذا لا ينطبق على الأحداث التاريخية فقط، بل حتى الروايات وبعض الفلسفات، سنكون قادرين أكثر على الغوص فيها حين نعرف تفاصيل عن حياة الكاتب والحالة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والعاطفية… التي مر بها، أو كانت سائدة أثناء كتابة العمل.

وهذا جعلني أفكر في سؤال، قد يبدو غريبا، ومستهجنا من حيث المقارنة بالموضوع. وهو: نحن كلنا، حين نود شرح حالة، وأمر حدث لنا للآخر، فإننا نخبره بكل التفاصيل المرتبطة، من الأمور المادية، والصحية، وعلاقة الآخرين به، وأحيانا حتى مظهرنا، قد يكون له دور في الحدث. لكن، كم منا يحاول فهم الآخر؟ والأحداث؟ حتى ما نعيشه بشكل يومي، في واقعنا؟ فما بالك في أحداث الماضي؟ وأليس فهم أحداث وتفاصيل حياة الماضي، ستجعلنا نفهم إلى حد كبير ما يقع اليوم؟ وفهم حاضرنا من أمور سياسية واقتصادية، سيساعد كثيرا على فهم مجتمعاتنا، وذلك سيسهم بشكل كبير في فهم الآخر؟ أم أننا أصبحنا نعيش حالة انعدام مسؤولية؟ انعدام إحساس، تقوقع ذاتي؟ ثم كيف نطالب الآخر أن يفهمنا دون محاولة فهمه؟ فعلاقاتنا، تواصلية مترابطة. نظرة الآخر لنا، مرتبطة بنظرتنا له. ألهذا صرنا نعيش داخل تجمعات صغيرة كل منها تشعر أنها مستبعدة، وتعاني من العنصرية؟

وهنا، تخطر ببالي عبارة قرأتها في “دوامات التدين”، في فقرة تتحدث عن من سيُعرفون باسم (الجماعة الإسلامية) والفرق بينهم وبين المتصوفة، تقول: في عيونهم سكون كهذا الذي يدركه المتأمل في صور أسامة بن لادن (الإرهابي الحزينة دوما نظرته)(1). ما أثارني في هذه العبارة، هو الحس الإنساني العالي، ومحاولة الفهم. أن تتأمل صورة عينيّ أسامة بن لادن، الإرهابي. ليس أمرا هينا، وبسيطا. هذا يفضح محاولة فهم الآخر المختلف المتعصب، ومحاولة الإحساس به. قد يساعد ذلك على فهم من ينضمون إلى مثل هذه الجماعات، ومساعدتهم لعدم الوقوع في التعصب. أحببت عبارة الدكتور جدا، أحببتها، ونحن نجد أن الكثير من الناس لا يعيرون اهتماما لأكثر انفعالات الوجه وتعابير الجسد وضوحا حتى للمقربين منهم.

عبارة ابن خلدون “يجب علينا إعمال العقل في الخبر” التي ترددت كثيرا في البرنامج وفي الكتب. مع الكم الهائل من الأخبار التي تصلنا وهناك من يصدقها. سواء في الحاضر أم الماضي، حتى أن منها ما أصبح “تقاليد” غير منطقية، يصعب الانفلات منها. لكني هنا أتساءل: أليس إعمال العقل يوجب المعرفة والبحث عن كل ما يتعلق بالخبر؟ (كما حدث مع قصة المقوقس) فهل ترديد الدكتور للعبارة هي حث غير مباشر على القراءة والمعرفة؟ وإلا بقينا “لعبة” في يد صناع الخبر.

وأحب أن أطرح سؤالا مشاكسا عن مدة برنامج “متواليات يوسف زيدان”: هل ان قصرها يعود لإشفاق على المتلقي من تخمة في المعلومات؟ أم هي نوع من الإغواء المعرفي؟ كي نبحث عن الكتب التي تتناول هذه المواضيع ونقرأها، وتشجيع على القراءة؟ أم كلاهما معا؟

وأحب أن أشكره على كل ما يقوم به. وأشكر كل القائمين على البرنامج من المنتج الفني “مشهور أبو الفتوح” والمخرج “هشام عبد الرسول” والمخرج المنفذ “هيثم صالح” ومصمم الديكور “محمد فتحي”… وكل الفريق… شكرا جزيلا لكم

وأخيرا، بما أني عراقية الأصل والجنسية، وأسكن في المغرب منذ الطفولة. ودائما أقرأ وأسمع عن حضارات العراق ومصر، واللغة المسمارية والهيروغليفية… أتمنى لو أن مفكرا وكاتبا عراقيا يشرح للناس عن أحداث العراق وما الأمور التي تسببت في ما نراه ونعيشه اليوم. أن يقف مع المتظاهرين ويساعدهم بالعلم والمعرفة. أن يخفف ولو نسبيا من التأثير السيئ للأفكار والأحداث المتضاربة والمتعارضة.

أتمنى لو أن مفكرا عراقيا يقدم لشعبه ما يقدمه الدكتور يوسف زيدان لشعبه ولكل الناس.

*كاتبة عراقية - موقع الناقد العراقي