كتابات

الإثنين - 05 أبريل 2021 - الساعة 05:10 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي /سيث بيرلو *:


حتى في الحرم الجامعي، نادراً ما تلقي قصيدة بصوتٍ عالٍ في العراء. وإذا حدث، فغالباً ما يكون مؤشراً على حدوث شيء مريع. ففي الأيام التي أعقبت الانتخابات الرئاسية لعام 2016، صادفت أكثر من نسخة مطبوعة من قصيدة دبليو إتش أودن، بعنوان «1 سبتمبر 1939»، منشورة على أبواب المكاتب ولوحات الإعلانات؛ تلك القصيدة التي كُتبت على شفا الحرب العالمية الثانية تتحسر على المعاناة التي تنتظرنا، وتستحضر الملائكة التي قد تحملنا برفق، ليأتي المقطع الأخير الذي يقول لنا: «يجب أن يحب بعضنا بعضاً أو نموت».

ولقد انتهى الأمر بأودن إلى بغض تلك القصيدة، حيث رأى أنها تقدم راحة زائفة، وحاول مراجعة الخط الرئيسي، وصولاً إلى البيت الذي قام بتعديله ليصبح: «يجب أن يحب بعضنا بعضاً ثم نموت». ولا شك في أن هذا التعبير أكثر دقة، لكن الإصدار الأصلي يساعد كثيراً منا على الشعور بأنه أقوى قليلاً وأقل وحدة. فعلى الرغم من ذلك، فإن جملة أودن التي ظلت عالقة معي دائماً تأتي من مرثاته لصديقة ويليام باتلر يتس التي تعلنها صريحة أن «الشعر لا يحدث شيئاً».

ذكر أحد الزملاء هذا البيت عندما تحول اجتماع أعضاء هيئة التدريس إلى مناقشة الانتخابات، وما يجب القيام به. ووفقاً لهذا الزميل، فإن هذا يعني أنه يجب علينا ألا نكتفي بتدريس الأدب، ولكن يجب أن نتخذ إجراءات حقيقية، ونحقق شيئاً ما. فقد بدا أنه من غير المجدي إخباره بأنه أساء فهم القصيدة تماماً. إن أودن يمجد قدرة الشعر على الاستمرار والمثابرة، ويجعل «لا شيء يحدث» بمنع أنواع معينة من الخسارة والتغيير. بعبارة أخرى، لم تفعل قصائد ييتس شيئاً لمنع موته، لكنها ساعدته على الصمود والبقاء في ذاكرتنا.

أشارك أودن الأمل في أنه بدلاً من إحداث شيء ما، يجهزنا الشعر لنوع من البقاء -وحتى المقاومة- قد يكون حيوياً في السنوات الآتية، لكنني أشاركه أيضاً قلقه من أن الاعتقاد في هذا سيصرفنا عن الأمور الأكثر إلحاحاً.

ستذكر اختيارات بيرت ومقالاته حتى القراء الأكثر إحباطاً من الدعم الذي يمكن أن يوفره الشعر، ولماذا نجهد أنفسنا في كتابته وقراءته وتدريسه.

توفي أودن في وقت مبكر قبل أن يكون له قصيدة في أحدث كتاب لستيفن بيرت الذي حمل عنوان «أنت القصيدة: 60 قصيدة أميركية معاصرة وكيف تقرأها». ولكن، هل يقدم الشعر أنواع التوجيه والعزاء التي نحتاج إليها في أوقات كهذه، أم أن الشعراء وعشاق الشعر يشبهون إلى حد كبير فلاسفة الكراسي، وسائقي المقعد الخلفي، والوسطاء في صباح الاثنين، الذين يقدمون تصريحات كبيرة ووضوحاً في الإدراك المتأخر، لكنهم لا يفعلون شيئاً حقيقياً؟

سيكون من الظلم أن نأمل أن يجيب بيرت عن هذه الأسئلة، لكن القصيدة هي أنك تقدم نماذج إرشادية لما يمكن أن تفعله قراءة الشعر المعاصر، سواء سياسياً وغير ذلك. تعمل اختيارات بيرت وتعليقاته على تخيل كيف يمكن للشعر أن يستمر في التمتع بجمهور عام خارج قاعات الأوساط الأكاديمية - كيف يمكن للشعر المعاصر أن ينصح الناس ويريحهم في الأوقات الصعبة، كما فعل أودن.

هيكل الكتاب بسيط، ولكنه غير عادي، حيث يقدم بيرت 60 قصيدة قصيرة، كل منها لشاعر مختلف، بترتيب النشر الزمني. ويبدأ الكتاب بقصيدة جون آشبري من عام 1981، بعنوان «التناقضات والتعارضات» التي استمد من سطرها الأخير عنوان الكتاب، وينتهي بكتاب روس جاي، بعنوان «البكاء»، الذي نُشر لأول مرة في عام 2015. ويتبع بيرت كل قصيدة بمقال صغير عادة ما يكون بطول ثلاث إلى خمس صفحات. تمزج هذه القراءات التفسير النصي اليقظ مع مجموعة رائعة من النقاط السياقية، من تاريخ الأشكال الشعرية إلى سيرة الشاعر. قلة من النقاد الأحياء يمكنهم مضاهاة الاقتصاد والبصيرة في قراءات بيرت الدقيقة. وعلى الرغم من أنه لا يعد النقاد الأدبيين جمهوره الأساسي، فإن كتابه يقدم لنا فصلاً دراسياً رئيسياً في ممارسة النقد.

يفضل كثير من العلماء اليوم تقديم روايات تاريخية عن إنتاج النص واستقباله، أو السماح لأجهزة الكومبيوتر بالقراءة وعمل رسوم بيانية ملونة حول الكتب. ومن دون الاستسلام للجمالية الساذجة التي يُتهم بها القراء الجيدون أحياناً، تذكرنا المقالات القصيرة لبيرت بمدى القوة التي يمكن أن تكون عليها القراءة المتأنية، ومدى أهمية الحصول على أي قصيدة يجب أن تقدمها. على سبيل المثال، يبدأ نقاشه حول «طبيعتنا» لراي أرمنتروت بمطالبتنا بعدم النظر إلى القصيدة، وبدلاً من ذلك النظر إلى صورة قديمة لأنفسنا. فقصيدة أرمنتروت -كما يبين بيرت- تشرح كيف أن إيماءات احترام الذات هذه يمكن أن تجعلنا نشعر بالعزلة والتفاعل الاجتماعي.

ويتألق كل مقال من تلقاء نفسه لأن القراءات لا تتجه نحو مناقشة أوسع. فإذا كانت هذه التفسيرات الستين مجتمعة تقترح طريقة لقراءة الشعر بشكل عام، فإنها تفعل ذلك بشكل ضمني فقط. فالكتاب يفتقر إلى أطروحة مركزية، ويحتل مكاناً غريباً بين أنواع النقد. إنه يُذكرنا بالكتاب المدرسي، لكنه لا يحاول تغطية مجال ما بشكل منهجي، حيث يستحضر تنظيمه الزمني وتركيزه على فترة زمنية معينة وشعب معين بمجلدات المختارات الشعرية. ومع ذلك، فإن المقالات أطول وأكثر إمتاعاً من الحواشي الرئيسية في المختارات الشعرية. ولا يقدم بيرت هذه الاختيارات بصفتها ممثلة بشكل خاص للشعر الأميركي منذ عام 1980. وبدلاً من ذلك، يقدم سلسلة من «القصص المتداخلة المترابطة حول حالة الفن... يناقش الشعراء الصغار والكبار، التجريبيين والتقليديين. وأولئك الذين يعرفون المجال بالفعل سوف يتعرفون على كثير من المعالم المهمة، وبعض المفاجآت المرحب بها. وسوف يتمتع هؤلاء الجدد بمسار يسهل التحكم فيه عبر تضاريس صعبة في بعض الأحيان».

وعلى الرغم من أن بيرت لا يقدم حجة منهجية، فقد أشار إلى أن القصائد المختارة «تقوم بمهمة واحدة على الأقل من مهمتين». كثير منها يقول: «دعونا نتخيل الحياة الداخلية لشخص آخر»، وآخرون يقولون «الشعراء يجعلون اللغة غريبة» باستخدام الكلمات «بطرق نمطية للغاية»، مما يؤكد كيف أن للكلمات أبعاداً صوتية ومرئية. وبوضع هاتين المهمتين جنباً إلى جنب، فإن بيرت يدعو إلى الاعتدال. فغالباً ما يكره أتباع التجريب الشعري القصائد التي تكشف عن الحياة الداخلية، كما لو كانت القصيدة مجرد نوع خيالي من تدوين اليوميات. وبصفتهم طليعيين، غالباً ما يبحثون عن طرق كتابة أقل تعبيراً وأقل فردية. ولحسن الحظ بالنسبة لهم، فإن معيار بيرت الثاني الذي سماه «المرح اللغوي» يشير أيضاً إلى أنواع التجارب التي تجعل الشعر الأميركي الحديث صعباً للغاية، وبالنسبة لكثيرين مثيراً جداً للاهتمام. ويعترف بيرت بفئة من التجريبين «الذين يريدون قصائد لا تعتمد على مفاهيم الوعي الفردي أو الشعور أو الصوت»، ويضمن بعض الأمثلة: روبرت جرينير «حذاء من الأمواج»، ولوسترون «البيت الذي تنتظره أميركا». ومع ذلك، فهو يشير أيضاً بشكل صحيح إلى القيود المفروضة على مثل هذه الالتزامات المعادية للفردية، لأنه حتى القصائد غير الشخصية «تم تقديرها ومشاركتها وتقليدها من قبل الكتاب الفرديين الذين استخدم معظمهم أسمائهم الفردية». لهذا السبب، يتضمن الكتاب «مزيداً من القصائد التي تحكي قصصاً أو تتضمن على الأقل قصصاً، ومزيداً من القصائد التي تصور مشاهد متسقة، ومساهمات أقل من دوائر التجربة المعاصرة» أكثر مما توقعه بيرت. وأفضل مبرراته لهذا الاعتدال هي «تربوية: فبعض هؤلاء الشعراء (التجريبيين) يتطلبون أن تقرأ آخرين، هم أكثر تخصصاً أو أكثر تقدماً».

وتذكرنا المقالات القصيرة لبيرت بمدى قوة القراءة المتأنية. فمن السهل تخمين اختيارات معينة في كتاب مثل هذا، لكني أتردد في فعل ذلك. وما زلت أتساءل عن مكانة الطليعة الشعرية في المجموعة، فقط لأن مكانة التجريبية في الشعر الحديث لا تزال محل نزاع شديد. فقد تساءل النقاد، على سبيل المثال، عن كيفية مواءمة الجنس أو الهوية العرقية مع الشعراء المناهضين للفردانية. ففي عام 2015، انتقدت وشجبت كاثي بارك هونج، وكثير من الأشخاص الآخرين، كينيث جولدسميث لقصيدته الشعرية حول تقرير تشريح جثة مايكل براون، المراهق الأميركي الأفريقي الذي أطلقت عليه الشرطة النار في فيرجسون بولاية ميسوري. فقد جادل هؤلاء النقاد بأن قصيدة جولدسميث مالت إلى عدم شخصنة عنف الشرطة الذي يتعرض له الأشخاص الملونون. ومن ناحية أخرى، فإن بعض الشعراء الطليعيين -بما في ذلك جولدسميث وكريغ دوركين وفانيسا بليس- قد ساووا بين الدعوة إلى مجموعة متنوعة من الأساليب الشعرية والهدوء الليبرالي الجديد، في تراجع واضح للالتزام السياسي.

قبول الشعر الفردي -بحسب اعتقادهم- هو أن تؤمن بالحلم البرجوازي المحموم الذي تأخذ فيه المشاعر الشخصية الأولوية. وقد يرى القراء من هذا النوع انفتاح بيرت على شعراء تقليديين على أنه تحريف لما هو مهم حقاً في الشعر الأميركي الحديث، واستسلام للجمود السياسي المتجسد في الأنماط الشعرية القديمة. وقد يرى هؤلاء القراء رغبة بيرت في ممارسة مزيد من الألعاب التقليدية على أنها إخفاق في دفع قضية التجريب الشعري البارز سياسياً. لست متأكداً من أن «القصيدة هي أنت» تتضمن أعمال أدريان ريتش وكلوديا رانكين وآخرين ممن انخرط شعرهم في السياسة. وبعد قراءتي لهذا الكتاب، أجد أيضاً أن التضامن أكثر جاذبية وأكثر راحة.

* خدمة «نيويورك تايمز»