مدى الثقافي/ صحيفة اليمني الأمريكي:
يمتلكُ اليمن مخزونًا كبيرًا من الإيقاعات الشعبية، والتي بدورها تسند رصيد البلد من الأغاني والرقصات الشعبية؛ وهذه الأخيرة تُمثّلُ تراثًا كبيرًا أسهمَ تنوع تضاريس البلد في تنوع هذا التراث؛ إذ لكل منطقة إيقاعاتها ورقصاتها؛ وهي رقصات تُمثّلُ ما مثّله الفن في حياة هذا البلد عبْر تاريخه، لتعكسَ إيقاعاتها وحركاتها وأزيائها وآلاتها مستوىً فنيًّا متطورًا يتجلى فيه مدى شغف اليمنيين بالفنون التعبيرية؛ وفي مقدمتها الرقص، هذا الفن الذي يبقى مكونًا أصيلاً من حياة وحضارة أيّ شعب مهما كان مستواه الثقافي.
وظل تراث اليمن من الرقصات الشعبية بعيدًا عن التوثيق إلى أنْ تولى الفنان علي المحمدي (مدير عام الفنون الشعبية بوزارة الثقافة) مع ياسمين الشلال، بمبادرة ذاتية، مهمة توثيق بعض هذا التراث وإصداره في كتاب يحملُ اسم “الرقصات الشعبية في اليمن”، وهذا الكتاب يُعدّ أول توثيق بالكلمة والصورة والتدوين للنغمة والإيقاع بالطريقة العلمية (النوتة الموسيقية) لهذا التراث، وقد اعتمدَ فيه مؤلِّفا الكِتاب على حصيلة معرفية بالمعايشة والمعاصرة والمشاركة العملية وبعض المراجع اليمنية والعربية المتوفرة، على قلّتها.
وفي تقديم الكتاب أشاد وزير الثقافة والإعلام اليمني الأسبق يحيى حسين العرشي بمحتواه الذي يُقدم هذا الفن على مستوى كلّ محافظة بإيضاح دقيق ومصور لهذا التنوع البديع وشروطه وملابسه.
وما زاد من قيمة الكتاب، حسب العرشي، هو تدوين الألحان والإيقاعات بالنوتة؛ وهي محاولة مهمة في تقديم وحفظ الفنون الموسيقية الراقصة وغيرها، والتي تزخرُ بها مناطق اليمن المختلفة.
فيما اعتبر وزير الثقافة اليمني الأسبق خالد الرويشان هذا الكتاب مهمًّا جدًّا؛ لأنه سابق في موضوعه، ومحاولة جادة لتوثيق أهم الرقصات في اليمن؛ وهو البلد الثري بالمئات من الرقصات بألوانها وأنواعها المختلفة، بالإضافة إلى أنّ معظم هذه الرقصات في طريقها للاندثار أو التغير في أحسن الأحوال.
واستهلّ الكِتاب مضمونه بتعريف الرقص، واستعرض مراحل تطوره باعتباره “أقدم تعبيرٍ عاطفي يستطيعُ الإنسان من خلاله أنْ يُترجمَ أحاسيسه المكنونة التي تتأججُ بداخله بسلاسة وأريحية تامة في حالاته المتعددة والمختلفة”.
تتمددُ فنون الرقص الشعبي في اليمن لتشمل البلد كله، وتتنوعُ بحسب تنوع البلاد جغرافيًّا، فلكلّ محافظة فنونها التعبيرية الراقصة التي تختلفُ وتلتقي مع رقصات المحافظات الأخرى؛ ففي محافظة أبين (جنوب)، وهي محافظة تزخرُ بكثيرٍ من المعالم الأثرية والتاريخية موزعة على كثير من مناطقها، نقفُ على تراثٍ زاخر في الرقص الشعبي، ومن أهم الرقصات هناك تبرزُ رقصة (الدحيف)؛ وهي رقصة ذات طابعٍ شعبي وتُحاكي الصيادين، ومستمَدة من عادات وتقاليد الصيادين لموسم صيد السمك الذي يكون فيه الخير وفيرًا، وبهذه المناسبة يتم الاحتفاء بها ليالٍ عدة. واستعرضَ الكتاب، ككلّ رقصة تناولها الكتاب، الأساس اللغوي للتسمية، وصولاً إلى إيقاعاتها وحركاتها ومراحل أدائها والميزان الموسيقي للرقصة والملابس المستخدَمة للرجال والنساء خلال تأديتها والآلات الموسيقية المستخدمة في الرقصة.