مدى الثقافي/ مرايانا /حوار| علي بنهرار:
يمكن عدّ إصلاح الخطاب الديني بمثابة الخطّ الفاصل في ملف المفكر سعيد ناشيد.
في الجزء الثّاني من هذا الحوار، نتعرف أكثر على مشروع سعيد ناشيد الفكري في دحض “أطروحات” الإسلام السّياسي فلسفياً، وكيف يسعى إلى إعادة تفكيك الخطاب الدّيني.
_ بما أن قضيّتك أفصحت عن ما يمكن أن تُعانيه الفلسفة، من منظورك كفيلسُوف ومفكّر، كيف تستشرف مآل هذه الشّيطنة والاستهداف الممنهج، ربما، ضدّ الحدَاثة والفلسفة والفنّ والمعرفة في مناحيها المُتحررة التي تنتصر للإنسَان والعقل الكوني؟
جميع تجارب الدّول التي تعامَلت مع الإسلام السّياسي، أو حاولت أن تتعامل معه، شهدت نهاية دراماتيكية للعلاقة بين الطرفين، بناء على صِدام دراماتيكي بينهما… ولا أعتقدُ أنّ المغرب سيشكّل الاستِثناء.
الإسلام السياسي، في كل التّجارب، كشفَ أنّه يتبنى عقلاً مُستقيلاً يمتحُ من ذاتِ المَنطق والآليات في رفض الفكر والحياة والفن والعقل وشيطَنة الحَداثة والعَلمانية…
لذلك، هم لم يكونوا في وضع طبيعي، إما أن يكونوا في وضع الجلاّد المستبد، أو في وضع الضّحية والارتكان إلى البكائيات وخطاب المظلومية…
اعتبار النفس أمارة بالسّوء، فهو لا يقلّ خطورة في قدح شعلة الحرب الأهلية مع الذات، التي تنتقل عملياً إلى حرب أهلية داخل المجتمع…
هي حالة وجدانية غير طبيعية وأيديُولوجيا غير طبيعية؛ وبالتالي، فهي تجربة محكوم عليها بالموت.
الكلّ بات يعرف أنهم سرقوا ثورات الرّبيع العربي، حين تزعمها شباب منفتح وذو رؤية حداثية وكونية؛ كان يثور من أجل الحُرية والكَرامة والعَدالة.
الإسلام السياسي انتظرَ في الظّلام، حتى تختلّ موازين القِوى، ثمّ انقضّ على السّلطة، كما حدَث في تونس أو مصر وليبيا. لذلك، هم أساؤوا إلى الثورة أكثر من أي شيء آخر!
لا شك أن الوعي الجمعي بدأ يتشكل وباتَ يدرك حقيقة الوضع، والفكر الإسلامي لم يعد محلّ ثقة الجماهير. هو عملياً آيل إلى نِهايته، لأنّه فكر غير مُطَابق للتّاريخ، أي غير تارِيخِي، ولكنّه مكلّف.
عموماً، أؤمن أنّ الفكر سينتصر، وستنتَصر الحُرية!
_ يفتحنا هذا على قول سابق لك، حيثُ تقول: على المُسلم أن يتصالح مع الحَياة، فقد ضيّع الكثير من فرص التّقدم والازدهار، وهو يرى الحياة مجرّد لعنة وابتلاء، وأنّها لا تساوي عند الله حتّى “جناح بعوضة”… بناء على قولك هذا، ما هي العوامل الكفيلة بتصالح الفرد المتديّن مع الحياة والحرية وجمالها وأن يستردّ “خُصوبته وتنوّعه وانفِتاحه”، التي يشهدُ التّاريخ أنه تمتّع بها في زمن ما؟
أولاً، ينبغي على الخِطاب الدّيني أن يتصالح مع الطّبيعة البَشرية، التي يتخاصم معها ويعاديها في منطقتنا. حيثُ تقول للإنسان إن العين تزني والأنف يزني والأذن تزني… فالإنسان يصبحُ معادياً لحواسه ولجسده، ويعتبره نطاقاً نجساً ومصدراً للكثِير من المآثم والشّرُور.
أيضاً، اعتبار النفس أمارة بالسّوء، فهو لا يقلّ خطورة في قدح شعلة الحرب الأهلية مع الذات، التي تنتقل عملياً إلى حرب أهلية داخل المجتمع… بالتالي الأصلح هو تخليص الذات من تلك الحرب الضارية التي تخوضها مع ذاتها، بناء على أسس الخطاب الديني.
كما لا بدّ أن يسقطَ “الطّلاق” التّاريخي بين الخطاب الديني والعقل الإنساني، إذ دأب الأوّل على اعتبار الأخير قاصراً عن إدراك الكثير من المكُنونات في الشّريعة وغيرها، وبالتّالي هو مصدرٌ الكفر والزندقة والإلحاد…
لا شكّ أن التمييز بين الدين والخطاب الديني، يمكن أن يكون مدخلاً للانفتاح على الحياة، سيما حين نعلّم النّشأ أنّ الدين هو دعوة إلى الرحمة والمحبة وكظم الغيض والعفو عن الذّات والنّاس وإماطَة الأذى… لكنّ الخِطاب الدّيني شيء آخر، فتجدُ عند الحركات الإسلامية والجهادية خطابا من قبيل: “أغيضوا أعداء الله”؛ أو أن تجد “الغيرة من أخلاق المؤمن”، في حين أن الغيرة والغضب مجرد انفعالاَت بدائية.
يغدو شحن الانفعالات القائمة على الكَراهية بهذا الشّكل، واعتماد مفاهيم من قبيل الولاء والبراء، حيثُ يجبُ أن يتبرأ المسلم من غير المسلم ولو بالقلب، متصلّبا ولا يمكنُ أن يهدأ إلا بتنقيح الخطاب الديني ثمّ تعزيز الرّابطة الوَطنية والتضامن الوطنيّ لدى الأفراد وتحصِينهما من الانهِيار. وكل هذا يبدأ من المنَاهج التّعليمية.
العَلمانية كذلك قد تساعد في تصالح الفرد المسلم مع الحياة، لأن الغاية من العلمانية هي أن تقوم الدولة على المواطنة، لضمان المساواة بين كل الأطياف والحساسيات والألوان، وبالتالي سيسقط التمييز على أساس الدين، وستسقط الكراهية، حين تقف الدولة على طرف الحياد من كلّ الطّوائف…
من العوامل كذلك، أنّ الدولة ينبغي أن تفتح نقاشاً جدّيا بخصُوص منَاهج التّربية الإسلامية، لأنّه يهدّد الأمن ويعِيق التّنمية بشكل كبير جداً… فلا يُعقل أنّ نقول للتلميذ إن الرزق على الله وأن النملة يأتي إليها رزقها، دون أن نعلمه أنّ النتيجة تأتي ضمناً لمجهود ومسار معيّن.
هذا منهج يربي التّلميذ على التّوكل والتّواكل وعلى الريع، أن ينتظر رزقاً دون إن يبذل مجهوداً لتحصِيله. ويجعله يربِط النجاح والتّنمية والنّمو والنّماء والحَصاد بأيادٍ غيبية.
_ في ختام هذا الحوار، نعود إلى قضيتك التي تطرقنا لتفاصيلها في الجزء الأول من حوارنا، ونسألك كيف ستردّ على هذا الظّلم الذي تعرّضت له؟
الرّد الأساسي، أنني لم أبقَ وحيداً في هذه المعركة وتلقيت مئات الاتصالات، وأصبحت القضية قضية رأي عام.
من جهتي، أودّ أن أؤكّد أنّي سأستمرّ في نفس المشروع، ما دمتُ على قيد الحياة، ولن أتراجع وأترك السّاحة للظّلاميين.
سيبقى مشروعي الفكريّ مستمرا وقوامه إعادة بناء الفلسفة برؤية تخدم تنمية المواطن والإصلاح الديني.
هذا كلّ ما في الأمر.