كتابات

الجمعة - 07 مايو 2021 - الساعة 01:18 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ الدكتور يوسف زيدان *:


التلمود، كتبه «يهوذا هنَّاسى» فى بدايات القرن الثالث الميلادى. وكان أحبار اليهود (الحاخامات) قد بدأوا تدوين التلمود قبل ذلك بعشرات السنين، وتحديداً بعد سقوط أورشليم وتخريب الهيكل على يد الإمبراطور الرومانى إيليانوس هادريانوس، الذى محا أورشليم من الوجود وبنى بدلاً منها مدينة أخرى سميت باسمه (إيليا).

وظل العرب ينطقونها (إيلياء) حتى جاء الإسلام، فأسموها القدس وبيت المقدس. المهم، فى إيلياء كتب أحبار اليهود مسودات التلمود، ثم جاء يهوذا هنَّاسى ونقَّح ما كتبوه، واستكمله، فظهرت تلك المباحث الستة التى تعرف باسم التلمود.

وهى الشريعة اليهودية (الشفاهية) فى مقابل الشريعة اليهودية (المكتوبة) لأنه وفقاً للاعتقادات اليهودية، فإن موسى التوراتى جاء بالشريعة على وجهين: مكتوبة (التوراة) وشفاهية (التلمود).

والتلمود قسمان، القسم الأول هو المشناة (المثناة) التى تضم المباحث الستة. والقسم الآخر هو (الجمارا) التى تضم الاجتهادات الفقهية والمناقشات التى دارت حول القسم الأول.. والمشناة كُتبت أصلاً بالعبرية الكلاسيكية، بينما كُتبت الجمارا بالآرامية وهى اللغة التى كانت سائدة آنذاك، وبها كان يتكلم السيد المسيح.

وكان اكتمال كتابة التلمود (المشناة، والجمارا) فى القرن الخامس الميلادى، وظل بعدها فترة محجوباً بأيدى الجماعات اليهودية، حتى انتبه إليه مسيحيو أوروبا، وغاظهم ما فيه من تهجم على السيدة العذراء (مريم) وابنها المسيح (هَمَّشيح) فكانوا يحرقون التلمود كلما بلغ بهم السيل الزُّبى، أو الغيظ المنتهى.

واستمر الحال، على هذا المنوال، بين شدٍّ وجذب، حتى تعرَّف الناس على التلمود وترجموه إلى اللغات الأوروبية المختلفة، من دون أن يقدِّسوه بالطبع، لأنهم مسيحيون يقدسون العهد القديم أو التناخ (التوراة وأسفار الأنبياء والأسفار الكتابية) والعهد الجديد (الأناجيل وأعمال الرسل).. فانفرد عنهم اليهود بتقديس التلمود، وتزايدت أهميته عندهم، لأنه يكمل شريعتهم الموسوية، ويميِّزهم عن المسيحيين الذين هم من وجهة النظر اليهودية مجرد (ضالين).

ومع تزايد أهمية التلمود، أى المشناة وشروحها المسماة (الجمارا) صارت التلمودية صفة أساسية لليهود، ولذلك سميت اليهودية المعاصرة باليهودية التلمودية وباليهودية الحاخامية.. وصار التلمود أهمَّ عند اليهود من التوراة، لأنه ينظم تفاصيل الحياة اليومية، ويؤكد الشريعة التى صاغها أجيالُ الفقهاء (الحاخامات) خلال ما يقرب من ألف سنة.

ولما قامت دولة إسرائيل مؤخراً، أعنى فى منتصف القرن العشرين، صار التلمود أكثر أهمية لأنه بمنزلة الأساس الذى تستمد منه الدولة اليهودية ملامحها الديني.

*من كتاب دوامات التدين