تفاصيل

الخميس - 10 يونيو 2021 - الساعة 06:04 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ عائد عميرة*:


ما إن تدخل دولة أوروبية استعمارية بلدًا إفريقيًا، حتى تبدأ في نهب تراثه وآثاره ونقله لمتاحفهم حتى تتزين به لدرجة أن 90% من الآثار والفن الإفريقي الآن أصبح خارج القارة السمراء، ففي الستينيات والخمسينيات خرج المستعمرون من إفريقيا رسميًا إلا أن التراث الإفريقي لم يعد إلى مكانه الأصلي رغم الدعوات الملحة لذلك.

تتميز إفريقيا بفنّها ذي الطابع الخاص والفريد، ذلك أنه نتاج تأثير ثقافات متعددة سكنت القارة السمراء واستوطنتها، فنجد الموسيقى بتجلياتها المختلفة والرسوم والصور المتنوعة التي حفرت على جدران الكهوف والمآوي الصخرية تحكي لنا حياة الإنسان الإفريقي التي عاشها منذ آلاف السنين.

نجد أيضًا الفسيفساء الجميلة والمنحوتات البرونزية والأقنعة التي تعد إحدى مفردات الثقافة الإفريقية بأجوائها الطقسية ورموزها التي تحمل تراكمًا هائلًا من المعتقدات والعادات والحكايات عن القارة السمراء.

فضلًا عن أنياب الفيلة والرؤوس المصنوعة من البرونز والنحاس الأصفر والعاج والمخطوطات واللوحات الفنية الثمينة والتماثيل المصنوعة من مواد متنوعة كالطين والحجر والمعادن النفيسة والعاج لأغراض مختلفة، بعضها خاص بالطقوس الدينية والعقائد وبعضها اتخذ للزينة والترف.

لكن الغريب أن نحو 90% من التراث الإفريقي موجود خارج القارة السمراء، تحديدًا في متاحف ومجموعات خاصة أغلبها في القارة الأوروبية، بما في ذلك التماثيل والعروش والمخطوطات، ففي فرنسا التي أطلقت أنشطتها الاستعمارية منذ عشرينيات القرن يوجد ما لا يقل عن 90 ألف قطعة من بلدان إفريقيا جنوب.

أكثر المؤسسات المعنية هو متحف "كي برانلي" (أنشأه الرئيس السابق جاك شيراك) مترامي الأطراف في باريس بالقطع الأثرية الفريدة، إذ يحتوي على نحو 70 ألف قطعة أثرية من "إفريقيا جنوب الصحراء"، بما في ذلك تماثيل رائعة من بنين الحاليّة ولوحات رقيقة زينت جدران الكنيسة في إثيوبيا.

أما بريطانيا، فيوجد في متاحفها 69 ألف قطعة أثرية إفريقية، كما توجد 37 ألف قطعة في متحف الإثنولوجيا بالنمسا، و75 ألف في منتدى هومبولدت في ألمانيا و180 ألف في المتحف الملكي لإفريقيا الوسطى ببلجيكا، بالإضافة إلى عدد غير معروف في أيدي هواة جمع القطع الأثرية.   
بالنسبة للبلدان المعنية بالدرجة الأكبر فهي تشاد (9200 قطعة) والكاميرون (7800 قطعة) ومدغشقر (7500 قطعة)، نجد أيضًا بنين وتونس والجزائر والمغرب ومصر وموريتانيا والسنغال ومالي ونيجريا ودول إفريقية أخرى دون معرفة عدد القطع الفنية المنهوبة منهم.

برونزيات بنين

تعتبر الأعمال البرونزية من بين أفضل الأعمال الفنية التي أُنتجت في القارة الإفريقية، لكن تم نهبها في عهد الاستعمار وتطالب نيجيريا الآن باستعادتها منذ عقود، فقد استولى عليها الجيش البريطاني في غارة على مملكة بنين (نيجيريا الحاليّة) سنة 1897.

وُزعت برونزيات بنين - وهي أعمال فنية مصنوعة من البرونز والنحاس الأصفر والعاج صُنعت بدقة لتزين القصر الملكي للأوبا أوفونراموين نوجبيسي في مملكة بنين - بعد نهبها في مناطق عدة من العالم، ويُحتفظ بالمئات منها حاليًّا في المتاحف الألمانية والأيرلندية والمتحف البريطاني الذي ما زال يتمسك بأحقيته في الإبقاء على المئات من هذه القطع الأثرية.
 
يقول الغرب إن بقاء هذه القطع في متاحفهم، أكثر أمانًا من عودتها إلى بلدانها الأصلية، إلا أن الواقع عكس ذلك فأهم المجموعات البرونزية بيعت وضاعت في أسواق الدول الغربية، وما زال العديد منها مهددًا بالبيع للمجموعات الخاصة.

لكن حصلت بعض التطورات مؤخرًا، فبعض المتاحف قررت إرجاع بعض هذه الأعمال لمصدرها الأول، كما أنه بعد عقود من محاولة التغطية على الممارسات الاستعمارية السابقة، بدلت المتاحف بعض النصوص والمصطلحات، التي أصبحت تعترف علانية بالطريقة الدموية التي خرجت فيها هذه الآثار من مكانها الأصلي في إمبراطورية بنين الإفريقية.

يعود تاريخ العديد من هذه المنحوتات إلى القرن الثالث عشر، فيما يعود جزء مهم منها إلى القرنين الخامس عشر والسادس عشر، تم إنشاؤه بواسطة شعب إيدو وقد زينت - قبل نهبها - القصر الملكي بمملكة بنين.

مخطوطات ولوحات فنية ثمينة

توجد في المتاحف الأوربية أيضًا مخطوطات ولوحات فنية ثمينة نُهبت من إفريقيا، حيث يحتوي المتحف البريطاني على عشرات المخطوطات الثمينة واللوحات الفنية التي تم نهبها خلال الحملة الاستكشافية البريطانية عام 1867 إلى مملكة الحبشة القديمة.

في تلك الفترة، استلزمت عملية النهب 15 فيلًا و200 بغلا لنقل المسروقات إلى السفن الأوروبية، ولتي انتهى بها المطاف في المكتبة البريطانية والمتحف البريطاني حيث ما زال هذا التراث قابعًا إلى اليوم.

عام 1857، قام الإنجليزي ناتان دافيس بحفريات في الموقع الأثري بقرطاج في تونس واستخرج منه عدة قطع منها لوحات من الفسيفساء وتماثيل من المرمر الأبيض تعود إلى العهد الفينيقي، وعوض بقائها في تونس تم إرسالها إلى المتحف البريطاني أواخر عام 1858، وتواصلت إرسالياته سنتي 1859 و1860، في أعقاب حفريات أجراها في قرطاج وأوتيك بيد عاملة تونسية.

تماثيل ملكية

فضلًا عن برونزيات بنين نجد أيضًا التماثيل الملكية التي تم نهبها من إفريقيا، وأبرزها تمثال نفرتيتي (زوجة الفرعون المصري إخناتون) أحد أشهر الأعمال الأثرية المصرية القديمة، وهو تمثال نصفي مدهون من الحجر الجيري عمره أكثر من 3300 سنة.

سنة 1913، خرج تمثال رأس نفرتيتي من مصر، على إثر اكتشافه من قبل عالم المصريات الألماني لودفج بورشرت عام 1912 في منطقة "تل العمارنة"، بمحافظة المنيا، بصعيد مصر، وتشير العديد من المصادر التاريخية أن بورشاردت أخفي القيمة الحقيقية للتمثال ليتمكن من إخراجه من مصر.
يُعرض التمثال حاليًّا في متحف برلين، وسبق أن عُرض في عدة مواقع بألمانيا، بما في ذلك منجم ملح في ميركس-كيسلنباخ، ومتحف داهليم في برلين الغربية والمتحف المصري في شارلوتنبورغ والمتحف القديم في برلين.
كما نجد في المتاحف الأوروبية تماثيل ملكية كبيرة لمملكة داهومي (تقع داخل منطقة البلاد المُسماة حاليًّا بينين) يعود تاريخها إلى 1890-1892، أبرزها معروض في متحف كي برانلي في باريس الذي يعرض فنون وثقافات الشعوب الأصلية في إفريقيا.

وقبل نحو سنة، تم تنظيم مزاد علني لبيع زوج من أجسام الإيبو التى تسمى"التماثيل المقدسة"، قد تم أخذهما بطريقة غير مشروعة من نيجيريا خلال الحرب الأهلية التي عرفتها البلاد في ستينيات القرن الماضي، من جاك كيرشيه، وهو جامع فرنسي لأشياء فنية إفريقية.

كما عرضت دار "كريستيز" البريطانية للمزادات قطعًا أثريةً إفريقيةً مثل تمثال رأس "أركان" تراكوتا (غانا) وتمثال "رأس كليمان فانغ"، الذي تقدر قيمته بما يتراوح بين 2.5 مليون دولار و4 ملايين دولار وينتمي لمجموعة سيدني وبيرنيس كليمان.

حجر رشيد

يتزيّن المتحف البريطاني أيضًا بـ"حجر رشيد" الذي استولى عليه جنود بريطانيون سنة 1801 بعد هزيمة جيش نابليون في مصر، ويحتوي هذا الحجر المصنوع من مادة الجرانودايوريت على نقوش كتابية استطاع العلماء من خلالها فك رموز اللغة المصرية القديمة، ومن ثم معرفة ما كان مخفيًا من التاريخ الفرعوني العريق.

يتضمن النص المكتوب على الحجر مرسومًا صدر في "ممفيس" سنة 196 قبل الميلاد نيابة عن الملك، بطليموس الخامس، وكتب بثلاث لغات، هي اللغة الهيروغليفية، اللغة الدينية المقدسة لدى المصريين، ثم اللغة الديموطيقية وهي اللغة المصرية الشعبية، ثم اليونانية القديمة.

سنة 1799، تم اكتشاف الحجر بالقرب من مدينة رشيد في دلتا النيل على يد أحد جنود الحملة الفرنسية، ومن ثمّ تسلمته إنجلترا من فرنسا، مع مجموعة أخرى من الآثار التي عثروا عليها في مصر، بموجب اتفاقية العريش بين القائد البريطاني نيلسون وزعيم الحملة الفرنسية الفاشلة على مصر مينو.

تعكس المتاحف الأوروبية، وحشية الاستعمار الأوروبي للقارة للإفريقية، فهي تحتجز الإرث الثمين لدول القارة السمراء، فمن باريس إلى لندن إلى برلين وفيينا، تمتلئ متاحف أوروبا بمئات الآلاف من عناصر الحقبة الاستعمارية.

* نون بوست