مدى الثقافي/ يحيى الحمادي *:
يقول رسول حمزة في كتابه (بلدي): "عندنا في الجبال يُقال عن الكلمةِ المُحكَمَةِ واللَّاذِعة إنها تساوي فَرَسًا مُسرَجًا"
ولذا نجده حين كان يكتب قصيدتَه أو مسرحيتَه المُسَمَّاة (الجَبَلِيَّة) واحتاج إلى لعنةٍ يَضَعها على لسان امرأةٍ شريرة في النَّص، لم يجد ما يشفي غليله لدى نساء قريته، فقيل له إن امرأةً مُسِنّةً تعيش في قرية مجاورة، لا تستطيع جارةٌ من جاراتها أن تجاريَها في اللعنات، فتوجه إليها وطلب أن يسمع منها لعنةً كأقوى ما يمكنها، وانظروا كيف أنّ لعناتها كلها لم تتعدَّ اللغة والنطق، اعتدلت العجوز في جلستها وقالت له:
(لِيَجِفَّ لِسانُك، ولْتَـنسَ اسمَ حبيبتِك، ولْيَفهَم الإنسانُ الذي تَقصده كلامَكَ على غير معناه، ولتنسَ إلقاءَ التحيّةِ على قريتِك حين تعود إليها من تطواف بعيد، ولتصفِرِ الريحُ في فمك حين تَسقط أسنانُك)
يقول: بعد أن سمعتُ منها سألتُها وقد امتلأ صدري بالضحك: هل تسمحين لي أن أضحك؟ فأجابته: (وليحرمك الله من هذه النعمة أيضًا).
ويذكر في موضعٍ آخر أنه سمع امرأتين تتبادلان الشتائم:
_ لِيَحرِمِ اللهُ أطفالَكِ مَن يستطيع أن يعلمهم اللغة.
_ بل لِيَحرِمِ اللهُ أطفالَكِ مَن يستطيعون أن يُعلموه اللغة.
ويقول: صَبَّت إحدى النساء على رأسِ امرأةٍ أخرى هذه اللعنة: (لِيَحرِمِ اللهُ أولادَك اللغةَ التي تتكلم بها أمُّهم).
ثم يصف احترام قومه للغتهم الأم، قائلًا: إلى هذا الحد تكون اللعناتُ مُرعبةً في بعض الأحيان، لكن في الجبال "وحتى بدون لعنات" يَفقد الإنسانُ الذي لا يَحترم لغتَهُ الأم احترامَه، فالأمُّ الجبلية لن تقرأ أشعارَ ابنِها إذا كانت مكتوبةً بلغةٍ فاسدة.
وأخيرًا يَذكر أنه التقى بمُغَنٍّ في غربته، وحين مات هذا المغني التقى بأهله في بلده وأخذ يحدثهم عنه، وكيف أنه كان يطمع بالرجوع إليهم في آخر أيامه.. فقاطَعَتهُ أمُّ المُغني قائلة: هل تَحَدَّث معك بالآفارية؟ (تعني لغته الأصلية)، قال: لا، فقالت: إذن فقد مات منذ أمدٍ بعيد!
*صفحة الكاتب على الفيس بوك