تفاصيل

الإثنين - 14 يونيو 2021 - الساعة 08:25 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ عبده عبود الزُّرَاعي..*


عنوان المجموعة الشعرية الثانية للشاعرة لجين عزالدين _الجزائر..

عندما تصبح اللغة أنثى طيعة في متناول الخيال ويصبح الالهام هو النهر الذي تمر منه الجملة الشعرية والصورة تغتسل ببهاء المعنى..

يستطيع كل من الشاعر او الشاعرة أن يكون ربانا للحرف وموجها للعبارات أنى شاء..

وها نحن نشرف على لغة ذات دلالات وانزياحات مجازية، وان كانت قاسية او صلبة في بعض سطورها إلا أننا قد نجد المتعة واللذة القرائيةِ. لهذه النصوص النثرية والتفعيلية في كثير من مواضع هذه المجموعة الشعرية الحرة التي بين أيدينا للشاعرة ذات الأسلوب المتسامح مع نوع الجنس الشعري كغيرها من الشواعر اللائي كسرن حاجز العمود. بعدأن كسرن حاجز الذكورية الذي يمنع_ في كثير من دولنا العربية _ المرأة عن ممارسة الابداع وممارسة الشعر خصوصا..

ومن خلال تتبعي لقراءة نصوص هذه المجموعة التي توزعت نصوصها بين التفعيلة وقصيدة النثر التجريدية، وصلت إلى قناعة ذاتية بفنية النص وتقنيته، وذلك من خلال ما استنبطت من محاولات جادة للشاعرة في اختيار اللغة الفصيحة المعبرة الموائمة لحداثة الصورة الشعرية والفنية، فالصورة الشعرية عند لجين لن تأتي غريبة او بعيدة.. عن المعنى الدلالي.. لتذهب بالقارئ إلى قراءة اكثر تعاقبية.. ومن خلال العنوان أو ما يسمى بالعتبة، يقودك مثل هذا العنوان المبتكر الحداثي إلى أجواءَ وعوالمَ فنيةٍ، تستبق فيها الرؤية وحداثة العنونة.. إضافة إلى الجذب اللاشعوري المتكون من خلال التواشج والالتحام بالنص المكتوب..

الشاعرة لجين لم تقف عند رؤية سطحية لكتابة النصوص، فهي لن تستغني عن الوجدان او الفكر.. إلى جانب تمسكها بالهوية الوطنية العربية الجزائرية التي ارتبطت بوجودها ككينونة وجودية ووطن، تجسد حبه وترابه وماؤه وهواؤه بأعماقها، إضافة الى تشربها من ثقافة تاريخه النضالي وما قدمه الوطن الجزائري من شهداء لنيل الاستقلال والحرية.. ونلحظ ذلك من خلال هذا النص وغيره من النصوص الشعرية.

قسما يا وطني
يا جزائر
قسما يا حبا سكن كل ثائر
يا أجمل القصائد!
ماذا أقول والحرف يحرقني
إذا لم يصفُ سرُّ الجزائر..
يا وطنا سرقوه
جمعوا الحطب وأحرقوه
كلانا غريب يا وطني
نمارس شهوة الانتظار!!

وعن السلام وثورة الربيع العربي التي وئدت في مهدها في كل من تونس وسوريا ومصر واليمن. تتألم الشاعرة وتسخر من تلك الثورات الربيعية التي انتظر فيها المواطن العربي تحقيق أهدافه واكتمال غاياته وفجرا جديدا لمستقبل مليء بالعدالة والمساواة.. بين أبناء الشعوب العربية التي انتصر فيها صوت البطل التونسي البوعزيزي واحترقت انفاسه وسالت روحه عبيرا وجحيما في الشوارع العربية.. حتى استجابت له القلوب وشنفت له الأسماع فانتفضت تنادي بالتغيير والسلام والديمقراطية والعدالة.. فاحتوت تلك الأصوات الربيعية أفكارا شيطانية عكست توجهاتها واستخدمت ضدها البارود والقنابل والجرافات العابرة للشوارع على أجساد الثوار.. من شبابنا الأفذاذ الذين نادوا بالتغيير عن طريق السلام.

شكرا لكم
فربيعكم وصل
وحلت ويلاته
تنثر الموت بيننا
قيدت الورود ومعها كرامتنا
مزقوا كل القصائد
التي أثارت أزقة القضية
غنت لفلسطين لسوريا
لتونس ومصر واليمن..
مدنُنا تئنُّ في حِمم..

وعن الحب والعاطفة المنبثقة من إلهام وخيال ولغة ساحرة نجد الشاعرة تكتب بألوان الورد وتتخاطب مع القمر ولكن لا تجد صدى لخطابها ووجدانها المتشظي على مساحة لا تتسع لأنثى أن تبوح بما يخاطر ويخامر أحاسيسها وفوضاها الداخلية المكبوتة من زمن تغتال فيه السعادة وتكمم أفواه الأنثى لكي لا تفصح عن جمال عباراتها ومعجمها الوجداني..

في معبد الحب سأكتب
بصمتي
لو أن حبري لم يكفني
سأكتب بألوان الورد والقمر يسألنِي
ولِنورِهِ يهديني..

وعن موقف المجتمع الجزائري الذي يمثل ارقى مجتمع مدني عربي في وطننا العربي، نقف مع الشاعرة وهي تترجم أحاسيس وثقافة المجتمع وموقفه من المرأة كإنسان وشريك في الحياة، فهل ينظر المجتمع الجزائري الى المرأة نظرة اجتماعية عصرية تتسم بالرقي والحضارة الإنسانية والأخلاقية والقيم الرفيعة، أم ينظر إليها ككائن آخر ناقص وُجِد لمنفعة الرجل ومُتعَتِه الجسدية وتلبية رغباته واحتياجاته المتعددة.. مع الالتزام بالصمت..

كل أنثى في مدينتي ِيا سيدي
تسد عنكم نور الشمس
لأن نور الشمس في مدينتي
على الأنثى حرام
في مدينتي
كل أنثى تتقمصُ الأدوار
فهي أمُّ رجُل
زوجةُ رَجُل
ابنةُ رجُل
أختُ رَجُل
وماتت مَن قالت حبيبةُ رجُل
لأن الحبَّ في مدينتي
عيبٌ وعار...
(ديوان الحب في زمن الفوضى)

بما أن الشعراء هم لسان حال شعوبهم وهم المؤرخون الصادقون إذا لم يعترِ شعورَهم فكرُ السلطة وولاؤها، فشعراء السلطة والسياسة هم الذين أفسدوا التراجم وأفسدوا الحقائق التاريخية من خلال أشعارهم ووقوف الملأ من الأمم والجماهير الضعيفة المتخلفة وراءهم تصفق وتؤيد النهج الاِطرائي والمديحي للحكام والفساق الذين تطاولوا على التاريخ وكتبوه بأموال الشعوب ودماء وعرق ابنائها زيفا وكذبا.. لتخليدهم.

أنا لا أتحدث عن شعب عربي خاص في تقديمي هذا، ولكني. أتحدث عن كثيرمن أنظمتنا العربية التي سيطرت على التاريخ من خلال حكمها الديكتاتوري المستبد.. واستبدت بأفكار الشعراء والجماهير الضعيفة المغلوبة التي عاشت تؤيد الحكام إما خوفا من بطشهم وجبروتهم.. وإما ولاءً للسلطة مقابل العطاء..

أرجو أن أكون قد وصلت الى تفكيك شفرة بعض النصوص الشعرية في قراءتي هذه، وأن أكون قد وفقت في تقديمي.. والله من وراء القصد..

14_6_2021..حَجَّة/ كشر
_________
*شاعر وكاتب يمني
_عضو الاتحاد الدولي للأدباء والشعراء العرب
_عضو استشاري وناقد بنقابة شعراء اليمن