الخميس - 17 يونيو 2021 - الساعة 10:37 م بتوقيت اليمن ،،،
عدن/ مدى برس/ دراسات:
في 11 يونيو الجاري غادر وفد المكتب السلطاني العُماني صنعاء بعد زيارة هي الأولى منذ سنوات استمرت لأسبوع، عقد خلالها مباحثات مكثفة مع زعيم جماعة الحوثي ورئيس مجلسها السياسي ومسؤولين سياسيين وعسكريين حوثيين آخرين.
وفي حين لم يتم الإعلان بعد عن نتائج الزيارة، فقد حملت بعض المؤشرات على تقدُّم محتمل في الجهود الدبلوماسية لوقف الحرب في اليمن.
هذه الورقة تُسلِّط مزيداً من الضوء على تلك الزيارة، وتناقش أبعادها ودلالاتها في هذا التوقيت، والنتائج التي قد تكون أسفرت عنها فيما يخصّ مسار تسوية الصراع في اليمن.
أهداف الزيارة
ضم الوفد العُماني، الذي وصل إلى مطار صنعاء، في 5 يونيو الجاري، على متن طائرة تابعة لسلاح الجو السلطاني العماني، ممثلين عن المكتب السلطاني والأجهزة التي تشرف على الملف اليمني في مسقط.
ووفقاً للناطق الرسمي باسم ميليشيات الحوثي محمد عبد السلام، الذي رافق الوفد، هدفت الزيارة إلى الدفع بجهود السلام و"التباحث حول الوضع في اليمن على أساس مبدأ حسن الجوار والمصالح المشتركة"، مشيراً لدى مغادرة الوفد إلى أن جماعته قدَّمت له التصور الممكن لإنهاء ما يصفه بـ "العدوان ورفع الحصار المفروض على اليمن بدءاً من العملية الإنسانية"، لافتاً إلى أن هذا التصور "ركَّز على العملية الإنسانية وما تتطلبه من خطوات لاحقة تؤدي للأمن والاستقرار في اليمن ودول الجوار".
وقبل هذه الزيارة بأيام كان وزير الخارجية العماني، بدر البوسعيدي الذي تتصدر بلاده جهود الوساطة، قد أعلن أن "الطريق إلى الحل السياسي للأزمة اليمنية يمر عبر بوابة وقف إطلاق النار وتدفق المساعدات الإنسانية".
وتضمنت الزيارة تطوراً لافتاً في النهج العماني للتوسط لحل الأزمة اليمنية، حيث تستكشف السلطنة مسالك أخرى لممارسة تأثيرها على الحوثيين، بالذهاب لإقناع قيادتهم في صنعاء، بدلاً من الاكتفاء باحتضان وفدهم وتقديم التسهيلات للمشاورات، في خطوة قد يعني تلقِّي العمانيين إشارة خضراء من إيران بإمكانية لعب هذا الدور.
ومن جهة أخرى، يؤكد هذا التحرك أن هناك توافقاً بين السعودية وبين السلطنة على دورٍ كهذا، ما يعني تزايُد اقتناع الرياض بأهمية الدور الذي تلعبه مسقط وتوظيفه في حلحلة المعضلة اليمنية.
وفي حين تُسهِم الزيارة في التقليل من العزلة الدولية على جماعة الحوثي، هناك من يرى أنها حملت بوادر انفراجة جزئية في المسار التفاوضي الذي شهد انسداداً كبيراً في الأسابيع الماضية، بسبب استمرار رفض الحوثيين للصفقة المطروحة للسلام والتي يُسوِّق لها المبعوثان، الأممي مارتن غريفيث والأمريكي تيم ليندركينغ، إلى اليمن.
وقد سعى الوفد العُماني لحلحلة نقاط الخلاف الجوهرية التي تشكل مرتكزات الخطة الأممية المطروحة للسلام، وتتمثل بوقف إطلاق النار (يشمل وقف هجوم الحوثيين على مارب وهجماتهم على السعودية)، وفتح مطار صنعاء وميناء الحديدة، والتهيئة لاستئناف المفاوضات السياسية.
ولم يُعلن الإعلام الرسمي للحوثيين أو حتى العمانيين، عن كواليس المباحثات التي أجراها الوفد في صنعاء، باستثناء بعض التسريبات الحوثية عن أن "الجانب العماني ناقش ضمانات قدمتها السلطنة لحلول مطروحة على الطاولة لحل الأزمة اليمنية" (سبوتنيك، 6 يونيو2021). ويُقدَّر أنَّ هذه الضمانات تتركز في مجملها حول تبديد شكوك وذرائع الحوثيين من أن التَّحالف قد يتراجع عن أي خطوات لرفع ما يسمونه "الحصار" أو يُمارس قيوداً أخرى من قبيل تحديد الوجهات المسموح بها للملاحة الجوية، على سبيل المثال.
لكن في المُقابل من المرجَّح أن الجانب العُماني سعى للحصول على موافقة وتأكيد قيادة الجماعة على انخراطها الجاد في مشاورات السلام ووقف إطلاق النار، في حال تمَّت بالفعل بعض الترتيبات لفك أو تخفيف "الحصار" عبر رفع الحظر المفروض على مطار صنعاء وميناء الحديدة، والتي تُصر الجماعة على اعتبارها استحقاقات إنسانية لا يجب ربطها بأي اتفاق لوقف إطلاق النار.
أبعاد الزيارة ودلالاتها
حظيت زيارة الوفد العُماني بدعم وتشجيع واشنطن، وقد جاءت بطلب من تيم ليندركينغ المبعوث الأمريكي لليمن، وفقاً لمصدر غربي تحدث لصحيفة "الشرق الأوسط" في الـ 7 من هذا الشهر، وسبقها بيوم اتصال هاتفي بين وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن ونظيره العماني بدر البوسعيدي، وبيان للخارجية الأمريكية قال إن الحوثيين يتحملون "مسؤولية كبيرة عن رفض الانخراط بشكل هادف في وقف إطلاق النار واتخاذ خطوات لحل النزاع"، مُشيراً إلى أنهم "يواصلون هجومهم المدمر على مارب الذي يدينه المجتمع الدولي ويتركهم في عزلة متزايدة".
وبالتالي فإن ما سبق يُرجِّح نفاد صبر الولايات المتحدة حيال مناورات الحوثيين، ومن ثمَّ التعويل على الوسيط العُماني لتحقيق اختراق في جدار الأزمة اليمنية من بوابة الترتيبات الإنسانية.
ومما يُعزز حقيقة تزايد اعتماد واشنطن على وسطاء مثل سلطنة عُمان ودولة الكويت، في سعيها لتحقيق اختراق في الملف اليمني، أن زيارة الوفد العماني إلى صنعاء تزامنت مع زيارة لوزير الخارجية في حكومة الرئيس هادي، أحمد عوض بن مبارك إلى مسقط، التقى خلالها العديد من المسؤولين العمانيين والخليجيين، وبالتزامن مع تَسَلُّم الرئيس هادي رسالة من أمير دولة الكويت الشيخ نواف الأحمد الصباح، عبر وزير الخارجية الكويتي الذي زار الرياض في 5 يونيو الجاري.
لكن ونظراً لأن الولايات المتحدة تتوقع استمرار الحوثيين في إساءة تقدير التَّحرُّكات التي تقوم بها، بما فيها الضغوط على السعودية، لوقف الحرب في اليمن، قامت واشنطن، ببعض الخطوات الضاغطة على الجماعة بالتزامن مع زيارة الوفد العماني إلى صنعاء، إذ أعلنت في 10 يونيو الجاري عن فرض عقوبات على شبكة تمويل مكوَّنة من 12 فرداً وكياناً، قالت إنها تعمل مع فيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني، لصالح الحوثيين، فيما اعتبره مراقبون مؤشراً على فشل العمانيين في إقناع الجماعة بقبول الخطة الأممية.
وجدَّد وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن الدعوة للحوثيين للقبول بوقف إطلاق النار في كافة أنحاء البلاد واستئناف المحادثات الرامية لتسوية سياسية تُنهي الحرب، مؤكداً أن بلاده "ستواصل الضغط عليهم وذلك من خلال العقوبات للتقدم باتجاه هذه الأهداف".
وبالتزامن مع هذه الزيارة، كان لافتاً توجُّه المبعوث الأممي (المنتهية ولايته) مارتن غريفيث، إلى طهران، في 8 يونيو، للاستفادة من الزخم الدبلوماسي الذي تعطيه إدارة الرئيس بايدن للملف اليمني.
هَدَفَ غريفيث إلى دفع إيران لممارسة نفوذها على الحوثيين لحثهم على التعاطي الإيجابي مع الأفكار التي يحملها الجانب العماني واغتنام الفرصة للتوصل الى اتفاق يؤسس للحل الشامل.
وفي نفس اليوم ناقش حسن إيرلو المعين سفيراً لطهران لدى الحوثيين مع وزير الخارجية في حكومة الجماعة غير المعترف بها دولياً، هشام شرف، "مستجدات التحركات الإقليمية والدولية باتجاه إحلال السلام والتسوية السياسية في اليمن" وفقاً لوكالة سبأ الحوثية.
غير أنه ليس هناك ما يُشير إلى وجود تغيُّر حقيقي في الموقف الإيراني، حيث جدد وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف، خلال لقائه المبعوث الأممي، تأكيد بلاده على الحل السياسي في اليمن، مشدداً على "ضرورة رفع الحصار وتسهيل تقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني"، وفقاً لبيان صادر عن الخارجية الإيرانية.
ماذا حقَّق الوفد العماني خلال الزيارة؟
على الرغم من التفاؤل الكبير الذي رافق زيارة الوفد العماني والآمال الكثيرة التي عُلِّقت عليها والتَّكهنات حول ما قد تكون حققته من نجاحات وأسفرت عنه من نتائج، يُشير العديد من الشواهد إلى أن الوفد العماني لم يُحقق تقدماً لافتاً في مسعاه لزحزحة الحوثيين عن مواقفهم السابقة، بل ربَّما أكسبهم قدومه إلى عقر دارهم ثقة أكبر بإمكانية الحصول على المزيد من التنازلات من خصومهم، وصولاً إلى رضوخ الأخيرين لاشتراطاتهم.
وفضلاً عن تزايُد تصعيدهم العسكري، لاسيما باتجاه مارب التي استهدفوها بهجومين صاروخيين منفصلين يُعدَّان الأسوأ منذ بداية العام على الأحياء السكنية، وسقط خلالهما العشرات من القتلى والجرحى، أغلبهم من المدنيين، وهو تصعيدٌ أعطى انطباعاً عاماً بعدم اكتراثهم بجهود إحلال السلام؛ جدَّد المجلس السياسي الأعلى التابع للحوثيين، في اجتماع له في 9 يونيو الجاري، التأكيد على أن "فتح مطار صنعاء وميناء الحديدة استحقاق إنساني بسيط لا يُعد مكرُمة من أحد وإنَّما مكسباً من مكاسب الصمود للشعب اليمني"، مُشدِّداً على ما اعتبرها "ثلاثة مبادئ أساسية لا يمكن الحياد عنها في أي نقاشات قادمة، تتمثل في رفع الحصار ووقف العدوان جواً وبراً وبحراً وإنهاء الاحتلال وخروج القوات الأجنبية وعدم التدخل في الشؤون الداخلية لليمن".
لكن من الصعب القول إن الوفد العماني فشل تماماً في مسعاه؛ فهناك من يرى أن الوفد، ورغم كونه يحمل ضوءاً أخضر من المجتمع الدولي والتحالف وإيران، قد يكون اصطدم بوجود أمور وظروف على الأرض لم يتم ترتيبها دولياً وإقليمياً، ولذلك، سيَستكمل من مسقط جهوده بإجراء نقاشات مُستفيضة حول الضمانات المطلوبة لانضاج بعض التفاهمات والتي سيستغرق التوصل إليها وقتاً، وُيرَجَّح أن تكون من قبيل إعلان خصوم الحوثي رفع القيود عن مطار صنعاء وميناء الحديدة، يلي ذلك خفض تدريجي للتصعيد العسكري من قبل كل الأطراف، لاسيما الحوثيين، لفترة محدودة تمهيداً لإعلان الجميع الالتزام بوقف شامل لإطلاق النار وتحديد موعد لانطلاق المشاورات برعاية أممية.
وما يدعم فرضية تَمَكُّن العمانيين من تحقيق اختراق في هذا المسار تصريح وزير خارجية حكومة الرئيس هادي، أحمد عوض بن مبارك، بوجود تقدُّم في المباحثات بشأن وقف إطلاق النار.
ومع ذلك، فإن أيّ حديث عن حلٍّ سياسي وشيك في اليمن يظل تفاؤلاً لا يستند حتى الآن إلى وقائع حاسِمة، وأقصى ما قد يحققه الوفد العماني سيكون في الملف الإنساني في أحسن التقديرات، على الأقل في ضوء المعطيات المتوافرة.
المصدر: مركز الإمارات للسياسات