الأحد - 11 يوليو 2021 - الساعة 06:03 م بتوقيت اليمن ،،،
مدى الثقافي/ متابعات:
ازدادت في الآونة الأخيرة الأفلام والدراسات والتنبؤات عن مستقبل الذكاء الاصطناعي ومخاطره على الجنس البشري ووصول خوارزمياته إلى مراحل متقدمة قد تؤدي إلى التلاعب بالأدمغة والتحكم بمصائر البشر.
وفي هذا الإطار، يقدم الفيلم الأمريكي ”الأرملة السوداء/Black Widow“ الصادر مطلع يوليو/حزيران 2021، تصورا خياليا عن قرصنة العقول إلكترونيا والتلاعب بها.
وتتركز حبكة العمل على التحكم بالوظائف الكيميائية للدماغ، وتوجيه العالم من خلال سرقة مفتاح الإرادة الحرة، وانتشال الفتيات الوحيدات ودخولهن إلى الغرفة الحمراء ليتعرضن لطقوس لا إنسانية وتعذيب نفسي قبل تجنيدهن وتوزيعهن في دول مختلفة لتنفيذ مهمات مشبوهة.
ويفتتح المخرج الفيلم في ولاية أوهايو الأمريكية عام 1995، وسط أجواء عائلية مرحة، ولكن الموسيقا التصويرية تهيئ المتلقي لكارثة مقبلة وخطر محدق.
وفي مشهد يخطف الأنفاس، تهرب العائلة مع أطفالها في أقل من ساعة، لتتعرض لمطاردة عنيفة يقودها أفراد منظمة ”شيلد“ الإجرامية. ويدخل الأطفال على خط الأحداث، لتتسلم صغيرتهم القيادة، عقب احتدام الشجار بين والديها.
وبطريقة التعتيم التدريجي، تنقلنا أجواء الفيلم إلى كوبا، وينجح المخرج في إنشاء علاقة ارتباط قوية بين المشاهد والشخصيات منذ بداية العمل، فنتأثر بإصابة الزوجة ومعاناة العائلة في الهرب على الرغم من عدم التعمق بشخصيات الأبطال أو التعريف بهم.
ونستشف اللامبالاة من خلال تعامل الأب مع الفتاتين ناتاشا وإيلينا، إذ إنه لم يكن تعامل أب حقيقي يرعى عائلته، لنشهد تسليم الفتيات إلى إحدى الجهات، ونقفز مباشرة إلى مرحلة جديدة من العمل بعد مرور 20 عاما.
ويبرز دور الذكاء الاصطناعي في النصف الثاني من الفيلم، إذ يختار ناتاشا بسبب امتلاكها لقدرات وراثية قوية منذ الصغر، وذلك لاستغلال مواهبها وذكائها.
وتتعرض ناتاشا لملاحقة حثيثة من قوات الشرطة الفيدرالية، لمعاقبتها على خرق اتفاقية دولية. ويتضح تدريجيا أن اختيار المخرج للبداية الطبيعية والحوارات كان مدروسا جدا ومحكما، لنشهد الرسائل المتكررة والمبطنة.
ويتنوع التصوير في بلدان عدة بين الولايات المتحدة والمغرب وكوبا والمجر، لتنتشر المجندات حول العالم، وينفذن الأوامر دون اعتراض وكأنهن منومات مغناطيسيا، بسبب تحكم الذكاء الاصطناعي بعقولهن.
ولكن بوادر التمرد تظهر على الشقيقتين، إذ تسعيان إلى التخلص من الرق والحصول على ترياق يمنع التحكم بالعقول ويجعل السيالات العصبية للدماغ محصنة ضد أي تلاعب خارجي.
ومع تتالي الأحداث نتعرف إلى الظروف الوحشية للتحكم بالعقول، إذ تخضع المجندات لمعاملة لا إنسانية، تبدأ باستئصال أرحامهن وبتر أجهزتهن التناسلية، لتحويلهن إلى آلات قتل فاقدة للرغبات المادية والغرائز.
ويصور الفيلم مستقبل البشرية البعيد، إذ نتحول إلى حضارة كونية، حيث المستعمرات الفضائية والسفر بين المجرات.
والعمل من إخراج كيت شورتلاند، وسيناريو جاك شيفر، ونيد بنسون، وستان لي، وشارك في بطولته سكارليت جوهانسون، وديفد هاربر، وفلورنس بوج، وأو تي فاجنيل، وراشيل فايسز.
ويعطينا الفيلم لمحة عن مستقبل البشرية بعد قرون من الآن، في ظل تقدم غير مسبوق لتقنيات الذكاء الاصطناعي وتطور التعلم العميق للآلات، ووصولها لمراحل تلامس الشعور البشري.
التعلم العميق للآلات
ولا يتشارك جميع البشر النظرة الحالمة نفسها لمستقبل الذكاء الاصطناعي، إذ بدأت لدى الناس في الآونة الأخيرة مخاوف من مستقبل التعلم العميق للآلات وتطويرها لتقنيات التعلم الذاتي، وقدرات الذكاء الاصطناعي التي قد تصل مستقبلا إلى مراحل أكثر تقدما من أي شيء نعرفه اليوم.
خوارزميات متطورة جدا يدفعنا حدسنا البشري إلى أخذ الحيطة من وقوعها في الأيدي الخاطئة، أو من تمكنها بشكل ذاتي من السيطرة على حكومات العالم وجيوشه. ولطالما كانت احتمالية تطوير الذكاء الاصطناعي لآليات تفكير خاصة للوصول إلى مراحل متقدمة تلامس الشعور البشري، مثار جدل في أوساط العلماء والفلاسفة، وعدها كثيرون ضربا من شطحات الخيال العلمي لنصل في عصرنا الراهن إلى إرهاصات أولى لهذا التوجه الجديد للآلات.
ومما يبث الرعب لدى البشر، وصول الذكاء الاصطناعي إلى قدرات غير مسبوقة من السيطرة والتلاعب بالمجتمعات، وبلوغه مستويات عالية من المراقبة، قادرة على إدارة ساحات المعارك بأسلحة فتاكة مستقلة ومنها الطائرات العسكرية دون طيار.
ويتطلب التعلم العميق للآلات بنية معقدة تحاكي الشبكات العصبونية للدماغ البشري، بهدف فهم الأنماط، حتى مع وجود ضجيج، وتفاصيل مفقودة، وغيرها من مصادر التشويش، ويحتاج كمية كبيرة من البيانات وقدرات حسابية هائلة، توسع قدرات الذكاء الاصطناعي للوصول إلى التفكير المنطقي، ويكمن ذلك في البرنامج ذاته، فهو يشبه كثيرا عقل طفل صغير غير مكتمل، ولكن مرونته لا حدود لها.
إلا أن بعض خبراء الذكاء الاصطناعي لا يرون مبررا لتلك المخاوف، معبرين عن تفاؤلهم بمستقبل يأخذ فيه الذكاء الاصطناعي المتقدم حيزا مهما من تنظيم حياة البشر وإدارتها بشكل أفضل منا، مؤكدين أن المخاوف من شأنها أن تكون الخطر الحقيقي بذاتها، فهي تعيق تحويل إمكانيات الذكاء الاصطناعي اللامحدودة إلى حقيقة تخدم البشرية.
وعلى الرغم من المستقبل الواعد للذكاء الاصطناعي المتقدم، فهو يظل مقرونا بجملة من الإشكاليات والأسئلة الأخلاقية، وربما لا نعرف جميع الأسئلة التي يجب الإجابة عنها حتى الآن.