كتابات

الجمعة - 16 يوليه 2021 - الساعة 10:49 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ علي احمد عبده قاسم *


تعد اعمال زيد عبد الباري سفيان إضافة نوعية للمكتبة السردية اليمنية وتمثلت بالمجموعتين" مثقال قبلة، وطاعن في الضوء".

يعد القاص من أبرز القاصين في الساحة اليمنية وكان لي شرف الالتقاء به واقعيا هذا اليوم في فعالية متميزة تنوعت فيها القراءات وأسهمت بقراءة سريعة لم تكتمل بعد وهي التالي:

وأنا أقرأ مقدمة مجموعة القاص/ زيد عبد الباري سفيان "مثقال قبلة"، راقت لي عبارة مقدمة الناقد الاستاذ الدكتور يوسف حطيني والذي يعد أحد أعلام القصة القصيرة جدا في الوطن العربي وأحد روادها حيث قال "عندما تنتهي من قراءة مجموعة الأستاذ زيد عبد الباري سفيان ينتابك إحساس بهيج أن القصة القصيرة ماتزال بخير، وأن المجارز اللغوية والأسلوبية والحكائية التي ترتكب باسمها في شبكات التواصل الاجتماعي والمنشورات الورقية ليست إلا عوارض سينبذها الدهر ليمكث في الأرض ماينفع الناس".

وتلك العبارات تعد شهادة كبيرة في حق القاص من أحد روادها الكبار وهي شهادة له ولأمثاله من القاصين في اليمن والوطن العربي.

وبذلك قلل بل ونسف بعض الأداء في شبكات التواصل الاجتماعي من حيث التسمية باسم "الققج" وتنظيم بعض المسابقات غير الجادة والنشر الصحفي والورقي باسم "ققج" وهذا لا يشمل كل ما تأتي به وسائل التواصل الاجتماعي فقد ساهمت تلك الوسائل في انتشار هذا الجنس وساهمت في تعلم الكثير وأعطت الكثير من الجهد ليترسخ هذا الفن
ولكن أظن الناقد الكبير انتقد الجهل بالفنيات فقد ذكر اللغة والأسلوب وذكر الحكائية ليشير للجهل أو إغفال الفنيات.
والسؤال للأستاذ زيد سفيان؟ هل التزم بذلك؟ والتقانات والأركان فما هو الأسلوب المتبع والفني في كتابة "الققج"؟
ولكي نصل للإجابة نستعرض بعض خصائص الققج من حيث المكونات.

أولاً: مكونات الققج

تتكون القصة القصيرة جدا من بداية ووسط ونهاية
وهي نص قصير مكثف يمتاز بالقصر والمفارقة والنهاية المدهشة مع الأخذ بالاعتبار بالاضمار والحذف والإرباك والتلغيز والتنكير، باستخدام الجمل القصيرة المتتابعة سواء كانت فعلية أو غيرها أو ما تسمى بالجملة السردية، فهل تحقق ذلك في مجموعة زيد سفيان؟

فلو تأملنا نص "تلك هي" والذي نصه:
"على حدبة جمل أخرق، يروم طي المسافات ؛ غارت عيون المارة في الذهول يسألونه عن وجهته..
يد تشبث بالسنام ؛ والأخري تشير للجهات الأربع" ص 16

وبالنظر للنص يلحظ المتلقي مكوناته وعناصره، فالبداية هي "على حدبة جمل أخرق."
- الوسط هي "غارت عيون المارة بذهول يسألونه عن وجهته
- لتأتي النهاية مشهدية "يد تشبث بالسنام.. والأخرى تشير للجهات الاربع".
ومن ذلك فالنص:
- التزم بمكونات الققج من حيث البداية والوسط والنهاية.
- استخدم الجمل السردية بداية في "شبه الجملة" على حدبة جمل أخرق ليتابع ذلك بجمل فعلية بنهاية صادمة.
- النص تميز بالخصائص الفنية من التكثيف والقصر والاختزال والإضمار والحذف فنحن لا ندري أي جمل أخرق تائه غير محدد الوجهة فهناك إرباك وتلغيز وترميز. وهو ترميز وتلميح لقضية قد نحياها ونعيشها خاصة والعنوان يكشفها "تلك هي".

ثانياً: العنونة

يجب أن يهتم القاص بالعنونة الداخلية والخارجية للأسباب التالية:
- فالعنوان هو تلك العلامة الإشهارية لذيوع النص أو كساده، فمن العنوان يتفاعل المتلقي مع النص والمنجز ويتشابك مع دلالالته ورسالته ويحاول الوصول لسبر أغواره.

- يعد العنوان اللقاء الأول بالنص بالمتلقي ومن خلال ذلك يتم جذب القارئ أو النفور من المنتج برمته.

لذلك اشتملت المجموعة على مائة وخمسة وثلاثين نصا لا تجد بين هذا الكم عنوانا مشكوفا أو جاء كلمة من النص لذلك يجب أو أن تجد تكرارا في الفكرة فيحب أن يكون عنوان نص الققج متميزا بالتالي:
- الإثارة والحذب.
- ألا يكون فاضحا.
- أن يكون ملغزا يسائل المتلقي.
- أن يتمم رسالة النص ومضمونه بوصفه نصا موازيا بحيث منسجما مع الدلالات ومتوائما مع آفاق التأويل.

فمن حيث العنونة الخارجية جاء العنوان نكرة "مثقال قبلة"،
وكأنه يقول "هذه المجموعة مثقال قبلة" فهي خبر لمبتدأ محذوف، والعنوان جملة اسمية دلت على ثبات المقدار وتغيره معا فالمثقال ثابت كوزن ومقدار وهو يعادل رمزيا حجم القصة القصيرة جدا المتميزة بالقصر ومتغير كرسالة ومضمون من حيث التأويل والتفسير والتلقي النقدي خاصة وقد جاءت معاني "مثقال" في المعجم بالمعاني التالية:
- المثقال: "يساوي الدرهم وثلاثة أسباع الدرهم والجمع مثاقيل، وهذا كوزن ومقدار، لكن من حيث المعاني المجازية يقال ألقي بمثاقيله: "أي تكاليفه وهمومه" والتكاليف والهموم تساويه دلالات النص المكثف المتعدد التأويل وهو عنوان تناصي من الآية في سورة الزلزلة "ومن يعمل مثقال ذرة خيرا يره ومن يعمل مثقال ذرة شرا يره"..

وبذلك يعد العنوان معادلا رمزيا للنص من حيث المقدار المكثف والقصر ويعد معادلا رمزيا للمضمون من حيث تعدد التأويل واتساع الآفاق حين جاء في المعجم "ألقى بمثاقيله: تكاليفه وهمومه"، فكان العنوان محترفا بشكل مدهش وملفت. وحين أضاف القبلة وهي البوس واللثم.

والقبلة هي: "وضع الشفتين في جسد شخص ما تعبيرا عن احترام حب واحترام وحنان".

فالمثقال والقبلة معادل رمزي للنص ومضمونه وأثره في أعماق المتلقي فلا يخفى على أحد ما للقبلة من أثر في النفس وهناك بعض القبلات لا تنسى سواء في المشاعر أو المحبة والعواطف والحب.

أما تأملنا العنونة الداخلية فلم أر نصا مفضوحا أو مكشوفا أو جزءا من النص وتعددت العنونة مابين الرمزية والشاعرية والمفتوحة وكلها جاءت لتتم رسالة بوصفها نصوصا موازية وسآخذ مثالين من المجموعة
1- نص"حافة الروح"
نعلم أن الحافة هي الناحية أو الجانب أو الطرف المؤدي للهاية والسقوط.
والحافة هي: "الوضع المتزعزع والمضطرب".
وبذلك فالعنوان محترف وعميق وكأنه يقول بلغت الروح مرحلة مؤسفة بوضع مزعزع وغير مستقر وما زالت تحيا بالأمل برغم اليأسة خاصة والنص يقول: "غفت المدينة سهوا فلا صباح يوقظ الفجر، تقضم القرقرة سماءها...
وفي القن ديك يتمنى لومات وهو يؤذن" ص28.

ويلحظ المتلقي قدرة القاص على رسم الصورة فقد استطاع أن يلفت المتلقي كلمح البصر.
فلم يكرر ولم يحش ولم يزد جملة بينما التلميح كبير يدركه القارئ.
2- أما النص الثاني هو" رحلة"
والرحلة هي الانتقال من مكان لآخر لهدف ما أو هي "ترك موضع الإقامة لموضع آخر".
وقد تكون رحلة روحية ينتقل فيها والفكر والروح عبر الزمان وخلق أمكنة وأزمنة بديلة.
وجاء في النص ما يدل على ذلك الرحلة الفكرية والروحية
"طاشت يده في المحبرة، استنزفت الروح خطاطات شتى
جمعها حين اختمرت رؤاه لم تشكل سوى نقطة... رتقها في ختام الوجع واستأنف من أول السطر" ص135.

ثالثاً: المعايير والسمات

ولأن القصة القصيرة جدا لها معايير وسمات فلا بد أن يتوفر في القصة القصيرة جدا.

1- قصر الحجم "المعيار الكمي"
من الضرورة بمكان أن تتميز القصة القصيرة جدا بقصر الححم مع الأخذ بالسردية وهو ما تحدث عنه بلفظ "الحكائية".

فالنص القصير جدا بلا زيادات بلا ترهل وإنما جميع الجمل محملة بحمولات دلالية بلا توضيح وذلك مميزات متن النص مع استخدام علامات الترقيم بإتقان.

أما السردية فهي تصاعد للحبكة مع الأخذ بالزمن والمكان اللذين يعززان اللحظة والشخوص والحوار وكل عناصر القص.

وإذا تأملنا نص "تحكيم" والذي يقول "بعد إصرار الصياد وتمنع الغزالة؛ اتفقا على منطقة وسطى؛ وأن يسند الأمر لطرف ثالث، ولما تقاربا بادرت بالوساطة بندقية" ص130.

وما سبق يلحظ الحجم بلا زيادات ودون أن يستطيع القارئ أن يحذف كلمة فالنص لا يتعدى خمس جمل على الرغم من السخرية من الحوار والتفاوض فالنص يحكي قضية زيف الحوار أيا كان حين يخلو من الحكمة.

أما السردية تلاحظ من خلال تصاعد الحبكة
- "إصرار الصياد' تمنع الغزالة" يعد هذه بداية وصراع
- الاتفاق "اتفقا على منطقة وسطى، يسند الامر"
وهنا وسط وتأزم ونهاية للصراع "تقاربا"
- تأزم أكثر في "بادرت بالوساطة بندقية" كانت النهاية الصادمة والساخرة.
يلحظ القارئ الزمن والمكان والحوار والشخوص والبداية والوسط والنهاية.
وبذلك التزمت المجموعة بالمعيار السردي والفني ولم تكن مجموعة يدب فيها الضعف بل كانت قوية لحد بعيد بل متميزة.

رابعاً: أهم السمات الفنية
أظن أن أهم السمات التي يجب أن تتوفر عن كتابة القصيرة جدا إلى جانب ما تم ذكره وتكون متوفرة في النص بوضوح.

ر- المفارقة.

النهاية الصادمة (القفلة)

خامساً: النتائج..

* كاتب يمني - اب