تفاصيل

الثلاثاء - 20 يوليه 2021 - الساعة 01:06 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ صدام الزيدي*


في دردشات سريعة، مع "الشبكة"، يتذكر أدباء عراقيون، يومياتهم في اليمن، التي احتضنتهم بكثير من المحبة، في تسعينيات القرن المنصرم وأوائل الألفية الجديدة، والسنوات التي استبقت اندلاع الحرب الدائرة هناك

حاتم الصكر: لحظتان يمنيتان

هما لحظتان يمنيتان في مسيرتي، حين ذهبت إلى عدن مدرسًا في أوائل عشرينياتي وكانت تعيش صبا حريتها من الاحتلال البريطاني الطويل.

وثانيتهما بصنعاء على مشارف الخمسين مدرسًا في جامعتها.
أطلت صنعاء لحظة لقائها من الطائرة تلهو بأرجوحة تصنعها الجبال التي تسورها، حيث يتدفق النور من القمريات التي توشح نوافذ ليلها. وتعززت جمالية اليمن بمرائي مدنها المدهشة: حضرموت وإب وتعز والحديدة وأخواتهن..
البشر لا يشعرونك بأنك غريب. حياة يوجزها مقيلها المسائي حيث الجميع بلا رتب أو مقامات.

أكثر ما كتبت هناك أثرًا في نفسي: "مرايا نرسيس"، ولليمن أصدرت كتابيّ اللذين أردتهما شغبًا لتعضيد التحديث: "انفجار الصمت" كأول كتاب درس الكتابة النسوية في اليمن، و"قصيدة النثر في اليمن: أجيال وأصوات"..
الآن، وأنا في منتبذي القصيّ، لا يهمني إلا أن تتعافى اليمن. وتلك مكافأتي عن محبتها وتسعة عشر عامًا من الإقامة والسفر...

علي جعفر العلاق: بين زمنين

كان وصولي صنعاء لحظة بالغة الجمال، وكأنها تقع خارج حسابات الزمان كله. كان ذلك، بعد حرب الخليج مباشرة، في 1991، وصلت وكأنني آخر الناجين من المذبحة، فأخذتني صنعاء من حزني، مثلما الأمّ تمامًا.

غادرتها في 1997، إلى جامعة الإمارات، وما زلت أذكر تلك اللحظة الفريدة: قرأت، وأنا في الطائرة، قصيدةً مهداةً لي نشرها إبراهيم أبو طالب في إحدى صحف ذلك اليوم بعنوان: لا ترحل. كان أحد طلبتي اللامعين، قبل أن يصبح أستاذًا مرموقًا.

اليمنيّون من معدنٍ ذي بساطةٍ مركبة، دهاةٌ وفي منتهى الطيبة. أبناء الحياة المرّة، لكنهم صنّاع الجمال والحكمة والبشاشة.

في صنعاء، كنت أجد نفسي على تماسّ مع قلق القصيدة واحتمالاتها الصعبة، وفيها كتبت الكثير ونشرت الكثير أيضًا.
لو قدّر لصنعاء أن تخرج من زمنها الكارثيّ هذا، لكنت أول العائدين، معها، إليها..


وجدان الصائغ: مدينة الثقافة

لم يكن القرار سهلًا (عام 2009) أن تترك وطنًا ألفته وأحببت كل ما فيه.

كانت إقامتي في مدينة ذمار الفاتنة المتربعة عرش القلب، مدينة صغيرة بكل ما تعنيه الكلمة، ولكنك تفاجأ بكمّ الحراك الثقافي الذي يضج بين دفتيها... فتجد الغربي عمران ومحمد عبد السلام منصور وعباس الديلمي وعبده الحودي يوفرون مكتبات وحوارات ثقافية. ومثل ذلك يقال عن أحفاد رواد الثقافة اليمنية: الحضراني والموشكي والبردوني... ولا تفتىء تسمع وأنت في شوارعها ما كانت تردده غزالة المقدشية: "سوا سوا يا عباد الله متساوية".

تجربتي النقدية كانت تعكس جرأة ارتياد آفاق مدهشة على صعيد القصة والرواية والشعر، فنشرت لي عدة كتب خصصت بها الإبداع اليمني.

لي أمنية: أن أعود إلى ذمار المدينة الأحبّ إلى قلبي، وأزور جبل صبر، وإب المدينة الأنيقة، ومدينة دمت الملفعة بالعيون المعدنية.


صبري مسلم حمادي: إبداع خصب

وصلت اليمن أواخر عام 1999، وفوجئت بالمشهد الشعري والسردي اليمني، وبدأت أقرأ نتاجهم الإبداعي بشغف ورغبة في التعرف على هذه الأرض الخصبة بالإبداع، وحين التحقت بجامعة ذمار مع دكتورة وجدان الصائغ أستاذًا ثم عميدًا لكلية الآداب ثم رئيسًا لقسم اللغة العربية، شجعت طلبتي على أن يسجلوا في بحوث التخرج وبحوث الماجستير والدكتوراه عن أدباء يمنيين. بعدها وبمساعدة زوجتي دكتورة وجدان سجلنا موضوعات ماجستير عن عبد العزيز المقالح ومحمد الشرفي ومحمد عبد السلام منصور ومحمد حسين هيثم وحسن الشرفي وسواهم.

وقد أصدرت كتابين عن الأدب اليمني هما: "متون يمانية" و"الجذور والآفاق" دراسات في الأدب اليمني المعاصر. ودعنا بالزهور وبعواطف جياشة مطلع عام 2009.

لو قدر لي العودة لليمن، سأعود: لدي مجموعة رائعة من الأصدقاء والأحبة متشوق لرؤيتهم والحديث معهم. اليمن هي حبي الثاني بعد العراق.


عبد الرزاق الربيعي: مدينة الجمال

وصلت اليمن يوم 7 كانون الأول 1994، وكان في استقبالي بمطار صنعاء صديقي الشاعر فضل خلف جبر، وغادرت يوم 11 آب 1998، وحالت زخة أمطار غزيرة دون دخولي المطار إلا بعد توقفها، وكأنّ اليمن لا تريد أن أغادرها!

في اليمن، لمست بساطة الحياة والناس، وعبق التاريخ يضوع من تلك الأمكنة. صادقت أدباءها، وفقراءها، ووزراءها، ومجانينها، ولا تزال علاقتي مستمرة بالكثير منهم.

أعتبر ولادتي الشعرية والمسرحية الثانية تمّت في اليمن، فقد توفر لي المناخ المناسب للقراءة، والكتابة، والاحتكاك بأصحاب التجارب الشعرية العالية في مجلس المقالح الأدبي.
زيارة اليمن فرض عين، كونها مثل بيت الجدّ الذي نشمّ به عبق الماضي، أما الإقامة فيها، فلو لم أقم بمسقط، وأنسجم معها، وتنسجم معي، ربما كنت أفكر بذلك، وفي الأحوال كلها، مسقط شقيقة صنعاء، وبغداد في التاريخ، والشعر، والجمال.

*مجلة "الشبكة" العراقية