كتابات

الأحد - 25 يوليه 2021 - الساعة 09:34 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ ابراهيم عبد المجيد *:


منعتني الظروف الصحية من زيارة معرض الكتاب، كما أن رغبتي في شراء الكتب قلّت عن أيام زمان، فلم يعد الوقت ولا الصحة كافية لقراءة الكثير منها. فيسبوك وتويتر واليوتيوب وغيرها، هي أكثر صفحات ظهر عليها زوار المعرض، أكثر الصور كانت لكتّاب لا لجمهور، كتّاب يحملون كتبهم في دار النشر. هذا أمر طبيعي جدا، ففرحة الكاتب بكتابه، أي كاتب، لا بد أن تكون محل تقدير بصرف النظر عن قيمة الكتاب. لا أحد يتصور نفسه في حاجة إلى صبر ومعرفة وقت الفرح.

ظهرت صالات العرض خالية إلى حد كبير من الرواد. بدأت شكوى دور النشر من الخسارة. كان واضحا أن الخسارة متوقعة لأن الوقت غير مناسب، فمن ناحية وجود كورونا، ما جعل التذاكر متاحة لعدد 50٪ من الرواد المتوقَعين، فضلا عن الجو الحار وموعد المعرض الموازي للإجازات الصيفية لناس تذهب إلى الشواطئ، وأيضا جاء المعرض مع موعد امتحانات الثانوية العامة.. حدثت أخطاء في الحجز الإلكتروني، وتحديد باب واحد أو بابين فقط للدخول، فعاني الكثيرون من الوقوف في الطوابير الطويلة تحت الشمس.. كان من الأفضل فتح كل البوابات فالحجز الإلكتروني مسجل على كل الأجهزة بالطبع. تراجعت الجهة المنظمة عن الحجز الإلكتروني، ولم تجعله الطريق الوحيد للحجز، فيمكن الذهاب إلى نافذة بوابة الدخول وقطع التذكرة مباشرة لمن يرغب.
وعن مسألة الحجز الإلكتروني أحد ظواهر ما يسمي بالرقمنة، ففي مصر يعتبرونها من أسابا التقدم، لا خلاف على ذلك، لكن في كل الدنيا الباب مفتوح لطريقتي الحجز. في أوروبا مثلا تجلس في المقهى تدفع ثمن القهوة أو الشاي بالفيزا أو نقدا، وكذلك الأمر في كل المشتريات من المولات والمحلات، تحجز تذكرة قطار إلكترونيا، أو تذهب إلى النافذة التي عادة تكون خالية من الزحام، لأن المقبلين على الحجز الإلكتروني أكثر بحكم الوضع العمري للسكان والوضع الثقافي أيضا. المهم أن الطريقين موجودان. أن يتحول كل شيء إلى رقمنة في مصر أمر صعب، مع الإدراك للأعمار والثقافة، فضلا عن سقوط البرنامج أو السيستم في جميع المصالح لكثير جدا من الوقت.

تراجعت الهيئة العام للكتاب بعد أيام عن الحجز الإلكتروني كطريق وحيد، وأيضا زادت النسبة المتاحة للداخلين إلى 70٪، لكن المهم كان هو إلغاء الفعاليات الثقافية لأنها في هذا الجو الكورونيالي حقا أمر صعب. صارت كلها افتراضية وسُمح في وقت متأخر بإقامة حفلات توقيع فكانت قليلة العدد والإقبال. طالبتُ بتخفيض الإيجار إلى خمسين في المئة للناشرين، مساعدة لهم، ومكافأة على حرصهم على نجاح المعرض، الذي هو من أهم المظاهر الثقافية في مصر. تم تخفيض عشرين في المئة وكنت أتمنى أن يكون ما اقترحت وطالبت. انتهي المعرض فتم نشر عدد المقبلين عليه بمليون وسبعمئة ألف، وبدأ البعض يتساءل كيف يدعي الناشرون الخسارة. لم يدرك أحد أن النشر أنواع، ودور النشر أنواع، فهناك دور للشباب وهي الأكثر قبولا في المعرض، ودور تابعة للدولة أسعار الكتب فيها مدعمة، مثل دار الكتب وهيئة الكتاب والأزهر والثقافة الجماهيرية، أي خمس أو ست دور نشر رسمية وعدد ليس كبيرا من الدور الشبابية، بينما المشتركون في المعرض من الناشرين أكثر من ألف ناشر، وقد أكد هذه المعلومة الصحافي سامح فايز مدير تحرير الموقع الصحافي للمعرض الذي يرأس تحريره الصحافي زين خيري شلبي. فقال إن صالة رقم (1) مثلا، لم يكن فيها غير ثلاثة أجنحة عليها زحام، واحد منها لبيع الكتب التراثية والدينية، والباقي دور نشر شبابية. الخسارة التي لا يدركها أحد هنا لا تعني أن ناشرا لن يجد ما يساوي ما دفعه من الإيجار مثلا، ولا حتى مرتبات العاملين معه، ولا حتى تحمله الذهاب والإياب كل يوم، وتكلفة نقل الكتب، لكن تعني أنه لم يحقق العائد المناسب لما أنفقه، حتى لو حقق ما يساوي هذا كله.

لم أتخلف قط عن زيارة المعرض منذ أول عام 1969، وأذكر كيف زرته أول مرة ومعي سبعة جنيهات، ثم عدت إلى الإسكندرية ومعي أكثر من ثلاثين كتابا. طبعا السبعة جنيهات الآن لا تكفي نصف كتاب. لكن هذا حدث في كل شيء في مصر. اشتكى الناشرون هذا العام أيضا من تنظيم دخولهم بالكتب في ساعات مبكرة، وإلى جراج السيارات فقط، ومن ثم كان عليهم حمل الكتب من السيارات إلى الأجنحة، بينما كان يمكن أن تقترب السيارات الحاملة للكتب من الأجنحة مادام الدخول مبكرا هكذا. ترتيبات أمنية اكثر مما يجب. المهم انتهى المعرض وتداعت التصريحات من الجميع صحافة وناشرين بأهمية المعرض الكبرى، وهو أمر لا يحتاج إلى تصريحات، فهو كذلك منذ أول دورة، وكلام من نوع هذه هي مصر الثقافية، وغير ذلك كأننا لم نفعل معارض من قبل، هذا عمل عادي تقوم به وزارة الثقافة التي يجب أن تقوم بعملها. يمكن جدا أن نشكر رئيس الهيئة هيثم الحاج على تشجيع المسابقات التي تقام عن أفضل رواية أو أفضل مجموعة قصصية أو أفضل ديوان شعر بالفصحى أو العامية أو المسرح أو النقد أو الكتب العلمية أو الطفل أو غيرها، من الهيئة العامة للكتاب مباشرة، أو بالاشتراك مع المركز القومي للترجمة في ما يخص أفضل كتاب مترجم، أو مع أكاديمية الفنون في ما يخص أفضل كتاب في مجال السينما.. الحمد لله أن هذه الجوائز لا تثير انتقادات، ربما لأن عائدها المادي قليل في حدود عشرة آلاف جنيه! فالجوائز الكبرى ماديا دائما محل خلاف! وأرجو ان يزداد في السنوات المقبلة، وإن ظلت قيمتها المعنوية جميلة.

إن الصور في التسليم لشهادة الفوز بالتاكيد تساهم في زيادة المبيعات للكتاب. هذا أمر قديم كان يحمل عنوانا آخر مثل، أفضل كتاب في العام، لكن لم يكن بهذا الاتساع في المجالات، وكان كثيرا ما تشوبه الشوائب، لأن الأفضلية كانت أكثرها لكتب بعض رؤساء تحرير الصحف، الذين كانوا بعد ذلك يفتحون الصفحات للثناء على المعرض. الآن هي أفضل لأنها تتعلق بنوع الكتاب، رواية، كما قلت، ترجمة.. مسرحية.. دراسة نقدية، إلخ. ولا تضع المؤلف وموقعه في اعتبارها. زمان لم يكن هناك عائد مادي لها، وكانت النتيجة تعلن في يوم وصول الرئيس حسني مبارك للقاء المثقفين، ويخرج صاحب الكتاب يصافحه ويعود ويده خالية. الآن أفضل فاللقاء مع وزيرة الثقافة. وقد انتهت لقاءات الرئيس بالكتاب في معرض الكتاب، وتظل قيمتها المعنوية مهمة.
من الظواهر المهمة هذا العام الموقع الصحافي لمعرض الكتاب الذي بلغ زواره أربعة ملايين، لقد زرته كثيرا ورأيت قيمة ما يكتبون عنه، عن الكتب والكتّاب ولقاءات وحوارات معهم، وطبعا البيانات عن الكتب ودور النشر، وإتاحة كل الفعاليات الافتراضية للبرنامج الثقافي، حيث تعذرت الفعاليات المباشرة، والرد على الاستفسارات. إن صفحة معرض الكتاب انشئت منذ ثماني سنوات بإشراف الكاتب محمد سيد ريان، وتتقدم دائما. هناك إلى جوار الموقع الصحافي الرسمي الذي يرأس تحريره زين خيري شلبي، ويدير تحريره سامح فايز، من يدير صفحات السوشيال ميديا مثل فيسبوك وتويتر ويوتيوب وهو محمد سيد ريان، أثناء المعرض، معه محمد عبد الرحمن رئيس تحرير موقع إعلام دوت كوم. وهناك أيضا المكتب الإعلامي للهيئة وهو طول العام وتديره إيمان فاروق مديرة الإعلام والعلاقات العامة، هؤلاء ومن معهم من صحافيين وموظفين قاموا بدور كبير يستحقون عليه الشكر، لكن وقت المعرض وهذا الزمن الكورونيالي كان على عكس جهودهم الرائعة، لقد جعلوا المعرض خيالا جميلا رغم الحقيقة التي تسببت فيها كورونا والوقت وما قلت.

*روائي مصري_ القدس العربي