تفاصيل

الجمعة - 03 سبتمبر 2021 - الساعة 07:58 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ قراءة- سماح عادل:


في الحلقة التاسعة من قراءة “قصة الحضارة” الكتاب الموسوعي الضخم وهو من تأليف المؤرخ الأمريكي “ويل ديورانت” وزوجته “أريل ديورانت”، ويتكون من أحد عشر جزءاً. يتناول الكتاب ظهور الكلام، وتطوره لدى الإنسان البدائي، ودور الكلام في تطور المدنية، ثم ظهور الكتابة ودورها في ظهور الأدب والعلم، ويستنتج أنهما ظهرا من المعبد، في بداية الأمر، ثم انتقلا إلى الحياة العادية وتنوعت فروعهما.

الآداب..

يحكي الكتاب عن أهمية الكلمات: “كانت الكلمة بدايةَ الإنسان لأنه بالكلمة أصبح الإنسان إنساناً؛ فلولا هذه الأصوات الغريبة التي نسميها أسماء كلية لا نحصر الفكر في الأشياء الجزئية أو الخبرات الجزئية التي يذكرها الإنسان أو يدركها عن طريق الحواس، وخصوصاً حاسة النظر؛ وأغلب الظن أنه لولا هذه الأسماء الكلية لما استطاع الفكر أن يدرك الأنواع باعتبارها متميزة عن الأشياء الجزئية، ولا أن يدرك الصفات متميزة عن أشيائها التي تتصف بها، ولا أن يدرك الأشياء مجردة عن صفاتها؛ إنه لولا الكلمات التي هي أسماء لأنواع لاستطاع الإنسان أن يفكر في هذا الإنسان وهذا وذاك، ولكنه لم يكن ليستطيع أن يفكر في “الإنسان” بصفة عامة، لأن العين لا ترى الأنواع بل ترى الأشياء الجزئية.

ولقد بدأت الإنسانية حين جلس مِسخّ نصفه حيوان ونصفه إنسان، جلس متربعاً في كهف أو شجرة، يشحذ رأسه شحذاً ليخلق أول اسم من الأسماء الكلية، أول رمز صوتي يدل على طائفة من أشياء متشابهة: كاسم منزل الذي ينطبق على المنازل كلها، وإنسان الذي يدل على أفراد الإنسان جميعاً، وضوء الذي معناه كل ضوء لمع على يابس أو ماء؛ ومنذ ذلك الحين. انفتح أمام التطور العقلي للإنسان طريق جديد ليست له نهاية يقف عندها ذلك لأن الكلمات للفكر بمثابة الآلات للعمل، والإنتاج يتوقف إلى حد كبير على تطور الآلات”.
 
بداية الكلام..

وعن تصور بداية الكلام: “ولما كان تصويرنا لأوائل الأشياء لا يزيد أبداً عن حَدس وتخمين، فَلِخيالنا أن يرسل لنفسه العنان في تصور بداية الكلام؛ يجوز أن تكون أول صورة بدت فيها اللغة – ويمكن تعريف اللغة بأنها اتصال عن طريق الرموز – صيحة حبّ بين الحيوان والحيوان؛ وإنك لترى في صيحات النذير والفزع، وفي مناداة الأم لصغارها، وفي الزقزقة والنقنقة التي يعبر بها الحيوان عن فرحه بصوته أو باتصاله بعشيره من الجنس الآخر، واجتماعه أفراداً ليتبادل الأصوات من شجرة إلى شجرة.

إنك لترى في هذا كله الخطوات التمهيدية التي يجهد الحيوان نفسه في اجتيازها لكي يصل الإنسان إلى الذروة العليا، ذروة الكلام؛ ولقد وُجِدَت فتاة حوشية تعيش مع الحيوان في غابة بالقرب من شالون في فرنسا، فلم يكن لها من الكلام إلا صرخات ودمدمات كريهة الوقع على المسامع؛ هذه الأصوات الحية التي تنبعث في الغابات قد لا تكون ذات معنى لآذننا التي تحضَرت، ولاحظَ “وِتمَن” و”كريج” علاقة عجيبة بين أفعال الحمام وصيحاته؛ واستطاع “ديبون” أن يميز اثني عشر صوتا مختلفا يستعملها الدجاج والحمام، وخمسة عشر صوتا تستعملها الكلاب، واثنين وعشرين صوتاً تستعملها الماشية ذوات القرون. ووجد “جارنَر” أن القردة تمضي في لغوها الذي لا ينتهي بعشرين صوتاً على الأقل، مضافاً إليها عدد كبير من الإشارات؛ ومن هذه اللغات المتواضعة نشأت، بعد تطور قصير المراحل، الثلاثمائة كلمة التي تكفي بعض القبائل البشرية المتواضعة”.

وعن بدايات النطق: “ويظهر أن الإشارات كانت لها الأهمية الأولى، وللكلام المنزلة الثانية في تبادل الفكر في العصور الأولى؛ وإنك لتلاحظ أنه إذا ما أخفق الكلام في الأداء، وثبَت الإشارات من جديد إلى الطليعة؛ ففي القبائل الهندية في أمريكا الشمالية، التي تستعمل من اللهجات ما لا يقع تحت الحصر، يجيء العروسان من قبيلتين مختلفتين فيتبادلان الفكر ويتفاهمان بالإشارات أكثر من الكلام، ولقد عَرف “لويس مورجان” عروسين ظلا يستخدمان إشارات صامته مدى ثلاثة أعوام. وكان التفاهم بالإشارات من الأهمية في بعض اللغات الهندية بحيث تعذر على أفراد قبيلة “أراباهو”،  كما يتعذر على بعض الشعوب الحديثة، أن يتحدثوا في الظلام.

وربما كانت أول الألفاظ الإنسانية صيحات تعبر عن العواطف كما هي الحال عند الحيوان، ثم جاءت ألفاظ الإشارة مصاحبة للإشارة بالجسم لتدل على الاتجاه، ثم تلَت ذلك أصوات مقلدة جاءت في أوانها المناسب لتعبر عن الأشياء والأفعال التي يمكن محاكاة أصواتها، ولا تزال كل لغة من لغات الأرض تحتوي على فئات من هذه الألفاظ التي تحاكي بأصواتها الأشياء والأفعال، على الرغم من آلاف السنين التي مضت مليئة، بالتغيرات والتطورات التي طرأت على اللغة – مثل: زئير، همس، تمتمة، قهقهة، أنين، زقزقة إلخ وعند قبيلة “تكونا” في البرازيل القديمة لفظ يقلد صوت المسمى تقليداً تاما يدلون به على الفعل “يعطس” وهو “هايتشو” وربما كانت هذه البدايات وأمثالها أساساً للكلمات الأولية في كل لغة من اللغات”.

الاسم الكلي..

وعن أهمية الاسم الكلي: “إن الألفاظ لم تكن وسيلة التفكير الواضح فحسب، بل كانت سبيلاً لإصلاح التنظيم الاجتماعي كذلك، لأنها ربطت بين الأجيال المتعاقبة ربطاً عقلياً وثيق العرى، بأن هيأت لهم وسيلة أصلح للتربية من جهة، ولنقل المعارف والفنون من جهة أخرى؛ فبظهور ألفاظ اللغة ظهرت أداة جديدة تصل الأفراد بعضهم ببعض بحيث يمكن للمذهب الواحد أو العقيدة الواحدة أن تصب أفراد الشعب في قالب واحد متجانس؛ وفتحت طرقا جديدة لنقل الآراء وتبادلها، وزادت عمق الحياة زيادة عظيمة، كما وسعت نطاقها ومضمونها، فهل تعرف اختراعا آخر يساوي في قوته ومجده هذا الاختراع، اختراع الاسم الكلي؟

وأعظم هذه المزايا التي لألفاظ اللغة، بعد توسيعها للفكر، هي التربية؛ فالمدنية ثروة زاخرة تجمعت على الأيام من الفنون والحكمة وألوان السلوك والأخلاق، ومن هذه الثروة الزاخرة يستمد الفرد في تطوره غذاء لحياته العقلية، ولولا أن هذا التراث البشري يهبط إلى الأجيال جيلاً بعد جيل، لماتت المدنية موتاً مفاجئاً، فهي مَدِينة بحياتها إلى التربية”.

اختراع الكتابة..

وعن معارضة اختراع الكتابة: “ولا شك أن اختراع الكتابة قد صادف معارضة طويلة من قبل رجال الدين، على اعتبار أنها في الأرجح ستؤدي إلى هدم الأخلاق وتدهور الإنسان، فتروي أسطورة مصرية إنه لما كشف الإله تحوت للملك تحاموس عن فن الكتابة، أبى الملك الطيب أن يتلقى هذا الفن لأنه يهدم المدنية هدما؛ وقال في ذلك: “إن الأطفال والشبان الذين كانوا حتى الآن يرغَمون على بذل جهدهم كله في حفظ ما يتعلمونه ووعيه، لن يبذلوا مثل هذا الجهد “إذا ما دخلت الكتابة” ولن يروا أنفسهم في حاجة إلى تدريب ذاكراتهم”.

ويخمن الكتاب عن بداية اختراع الكتابة: “وبطبيعة الحال ليس في وسعنا أكثر من التخمين إذا أردنا أن نقول شيئاً عن أصل هذه اللعبة العجيبة؛ فيجوز إنها كانت نتيجة تفرعت عَرَضا عن صناعة الخزف كما سنرى فيما بعد، وذلك بأن نشأت عن رغبة الناس في إثبات “العلامات التجارية” على ما يصنعونه من آنية خزفية؛ ويجوز أن تكون زيادة التجارة بين القبائل قد اقتضت اصطناع مجموعة من العلامات المكتوبة، وأن تكون أولى صورها تصاوير غليظة أتفق عليها الناس لتدل على السلع التي يتبادلونها في تجارتهم وعلى ما يقوم بينهم من حساب؛ لأنه ما دامت التجارة قد وصلت قبائل يتكلمون لغات مختلفة، بعضها ببعض، فلا بد من اتخاذ وسيلة للتدوين وللتفاهم يفهمها الطرفان المتعاملان معاً.
وفي وسعنا أن نفترض أن قد كانت الأرقام بين أول طائفة من الرموز المكتوبة، وإنها في معظم الحالات كانت تتخذ صورة خطوط متوازية تمثل الأصابع؛ ولا نزال نستعمل كلمة “أرقام”، في اللغة الإنجليزية، التي تدل على ذلك الأصل المخطوط، حين نريد أن نقول “أعداد”، ثم ما تزال كلمات مثل كلمة “خمسة” في اللغات الإنجليزية والألمانية واليونانية، ترتد إلى أصل لغوي معناه “يد”؛ وكذلك الأرقام الرومانية تشير بصورتها إلى أصابع اليد، فالعلامة التي معناها خمسة “V” تصور يداً مفتوحة، والتي معناها عشرة “X” تتركب من علامتين من علامات الخمسة تقابلتا عند زاويتيهما.

وكانت الكتابة في بدايتها- كما ما تزال عند أهل الصين واليابان- ضرباً من الرَّسم أي كانت ضرباً من الفن، فكما أن الإنسان كان يستخدم الإشارات حين كانت تتعذر عليه الكلمات، فكذلك استخدم الصور لينقل أفكاره عَبر المكان وخلال الزمان، فكل كلمة وكل حرف مما نستعمله اليوم كان فيما سبق صورة، كما هي الحال الآن في العلامات التجارية وفي التعبير عن أبراج السماء؛ والصور الصينية البدائية التي سبقت الكتابة كانت تسمى “كوروان” ومعناه الحرفي “صور للإشارات”.

وكانت القوائم الطوطمية كتابة تصويرية، أو كانت، كما يقترح “ماسون” رسماً تدونه القبائل لتعبر به عن نفسها، فبعض القبائل كان يستعمل عصيًّا محزوزة لتذكّرهم بشيء أو ليبعثوا بها رسالة؛ وبعضها الآخر، مثل “هنود الجُنكِوِن” لم يكتف بحزّ العصيّ، بل رسم عليها أشكالاً تجعلها صوراً مصغرة للقوائم الطوطمية؛ أو ربما العكس هو الصحيح، أي أن هذه القوائم الطبيعية كانت صورة مكبرة للعصي المحزوزة، وكان هنود بيرو يحتفظون بمدونات طويلة من الأعداد ومن الأفكار، بأن يعقدوا حبالا مختلفة الألوان بالعقَد والعرى؛ وربما ألقى شيء من الضوء على أصل هنود أمريكا الجنوبية إذا عرفنا أن هذه العادة نفسها سادت بين سكان الأرخبيل الشرقي وأهل بولينزيا”.

الكتابة والأدب..

وعن الكتابة والأدب: “الكتابة على وجه العموم علامة تدل على الحضارة، وهي من أوثق المميزات التي تفرق بين أهل المدنية وأبناء العصور البدائية. والأدب في أول مراحله كلمات تقال أكثر منه حروفاً تكتب “على الرغم من أن الكلمة في الإنجليزية تنتمي في أصلها اللغوي إلى ما يدل على الكتابة”؛ وهو ينشأ في ترانيم دينية وطلاسم سحرية، يتغنى بها الكهنة عادة، وتنتقل بالرواية من ذاكرة إلى ذاكرة؛ والكلمة التي معناها الشعر عند الرومان، وهي “Carmina” تدل على الشعر وعلى السحر في آن واحد؛ والكلمة التي معناها نشيد عند اليونان، وهي “Ode” معناها في الأصل طلسم سحري، وكذلك قل في الكلمتين الإنجليزيتين “Tune” و “Lay” والكلمة الألمانية “Lied” وأنغام الشعر وأوزانه، التي ربما أَوحَى بها ما في الطبيعة وحياة الجسد من اتساق، قد تطورت تطورا ظاهرا على أيدي السحرة الذين أرادوا أن يحتفظوا وينقلوا ثم يزيدوا من “التأثير السحري لأشعارهم”.

ويعزو اليونان أول ما قيل من شعر في البحر العشاري إلى كهنة دلفي، الذين ابتكروا هذا البحر ليستخدموه في نظم نبوءاتهم، وبعدئذ أخذ الشاعر والخطيب والمؤرخ يتميز بعضهم من بعض شيئا فشيئا، ويتجهون اتجاها دنيويا في فنونهم، بعد أن اتحدوا جميعا في هذا الأصل الكهنوتي، فأصبح الخطيب مشيدا رسميا بأعمال الملك أو مدافعا عن الآلهة، وبات المؤرخ مسجلاً لأعمال الملك، والشاعر مغنيا لأناشيد كانت في الأصل مقدسة، ومعبرا وحافظاً لأساطير البطولة، وموسيقيّا صاغ أقاصيصه صياغة الألحان ليعلم بها الشعب وملوكه جميعا.

وهكذا كان لأهل فيجي وتاهيتي وكالدونيا الجديدة خطباء ومؤرخون رسميون، عليهم أن يخطبوا في الناس في المحافل العامة، وأن يثيروا حماسة المقاتلين في القبيلة بذكر أعمال أجدادهم والإشادة بمجد أمتهم الذي لا تضارعها فيه أمة أخرى؛ وكان هناك شعراء محترفون يطوفون من قرية إلى قرية ينشدون الأناشيد مثل الشعراء المنشدين والشعراء الطوافين الذين عرفتهم العصور الوسطى، ولم تكن أشعارهم التي يتغنون بها عن الحب إلا في حالات نادرة، وأما في أكثر الحالات فقد كانت تقال عن البطولة البدنية أو حومة القتال أو علاقة الآباء بأبنائهم”.
العلم..
ويتناول الكتاب نشأة العلم: “يرى هربرت سبنسر ذلك الأخصائي العظيم في جمع الشواهد للوصول إلى النتائج، أن العلم- كالأدب- بدأ بالكهنة، واستمد أصوله من المشاهدات الفلكية التي كانت تحدد مواقيت المحافل الدينية، ثم ظل في كنف المعابد ونقل عبر الأجيال باعتباره جزء من التراث الديني؛ ولسنا نستطيع الجزم برأي في هذا، لأن البدايات لا تمكننا من معرفتها، سواء في العلم أو في غيره؛ وكل ما نستطيعه هو التخمين والظن؛ فيجوز أن يكون العلم، شأنه في ذلك شأن المدنيّة بصفة عامة، قد بدأ مع الزراعة.

فالهندسة في أولها كانت عبارة عن قياس الأرض المزروعة؛ وربما أنشأ علمَ الفلك حساب المحصول والفصول الذي يستدعي مشاهدة النجوم وإنشاء التقويم؛ ثم تقدم الفلك بالملاحة، وطورت التجارة علم الرياضة، كما وضعت فنون الصناعة أسس الطبيعة والكيمياء. وما العلم نفسه إلا الضرب الأول من ذلك الخطأ. والإنسان البدائي لا يصوغ شيئا من قوانين علم الطبيعة، ويكتفي بممارستها من الوجهة العملية.
فلئن لم يكن في مقدوره أن يقيس مسار المقذوف في الفضاء، إلا أنه يستطيع أن يصوب سهامه نحو الهدف فلا يخطئ؛ ولئن لم يكن لديه رموز كيماوية، إلا أنه يستطيع أن يميز بلمحة سريعة أي النباتات سام وأيها طعام، بل يستطيع أن يستخدم الأعشاب استخداما دقيقا في شفاء أمراض البدن”.

وعن الطب: “والأرجح أن يكون أول من أمتهن حرفة الطب هن من النساء، لا لأنهن الممرضات الطبيعيات للرجال فحسب، ولا لأنهن جعلن من فن التوليد، أكثر مما جعلن من مهنة الارتزاق، أقدم المهن جميعاً فحسب؛ بل لأن اتصالهن بالأرض كان أوثق من اتصال الرجال بها، فأتاح ذلك لهن علما أوسع بالنبات، ومكنَهن من التقدم بفن الطب، ومَيَّزنَه عن التجارة بالسحر التي كان يقوم بها الكهنة؛ فمنذ أقدم العصور حتى عصر يقع في حدود ما تعيه ذاكرتنا، كانت المرأة هي التي تباشر شفاء المرضى؛ ولم يلجأ المريض عند البدائيين إلى طبيب يشفيه أو إلى ساحر إلا إذا أخفقت المرأة في أداء هذه المهمة.

وإنه لما يثير الدهشة في نفسك أن تعلم كم من الأمراض كان يشفيها هؤلاء البدائيون على الرغم من قصور علمهم بالأمراض؛ فالمرض عند هؤلاء،  فيما بدا لهم، كان نتيجة لحلول قوة غريبة عنه أو روح غريبة في بدنه، وهو تصور لا يختلف من حيث الجوهر عن النظرية التي تسود الطب الآن من تعليل المرض بدخول الجراثيم في الجسم؛ وأوسع طرق العلاج شيوعا بين البدائيين هو اصطناع رُقيَة سحرية من شأنها أن تسترضي الروح الشريرة التي حلت في البدن العليل؛ لعلها تنزاح عنه، وحتى اليوم ترى الناس يعللون الصرع بحلول روح شرير في البدن؛ وبعض العقائد الدينية المعاصرة تنص على طرائق معينة لإخراج مثل هذا الروح الشرير من جسم العليل إذا أريد شفاؤه؛ والكثرة الغالبة من الناس تعترف بالصلاة والدعوات على أنها تعين على الشفاء مع أقراص الدواء.

وربما وإلى جانب الأعشاب الطبية نجد بين الأساليب الصيدلية الكثيرة التي كان يلجأ إليها الإنسان البدائي، صوفاً من المخدرات المنومة التي أريد بها أن تخفف الألم وتهون الجراحات؛ فسموم مثل Curare الذي كثيراً ما يضعونه على أطراف سهامهم؛ ومخدرات مثل نبات القنَّب والأفيون والكافور، هي أقدم تاريخاً من التاريخ؛ حتى ليرجع أحد المخدرات الشائعة بيننا اليوم إلى استخدام سكان بيرو لنبات الكوكا لهذه الغاية؛ ويحدثنا “كارتييه” كيف كان أهل “إراكوا” يشفون مرض الإسقربوط بلحاء أشجار التنّوب والشوكران وأوراقها، وكذلك عرف الجراحون البدائيون طائفة مختلفة من الجراحات والأدوات، فالولادة كانت تتم على نحو مرض، والكسور والجروح كانت تُضَمَّدُ وتُلَفُّ بمهارة؛ وبواسطة مدى من الحجر الزجاجي الأسود، أو من الصوَان المرهف، أو أسنان السمك، كانوا يستخرجون الدم من “الخراجات” ويجففونها، كما كانوا يشرطون الأنسجة”.

* كاتبة مصرية - موقع كتابات