كتابات

الجمعة - 03 سبتمبر 2021 - الساعة 10:14 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ الدكتور واسيني الاعرج *



تنفتح رواية "رماد الشرق" في جزئها الأول: خريف نيويورك الأخير على مشهدية انفجار البرجين التوأمين، وعلى جاز، برفقة صديقته ميترا، وهو يصرّ على الانتهاء من سيمفونيا تخلد جدّه الذي اخترق القرن العشرين، وعاش كل الحروب التي جعلت الوطن العربي على ما هو عليه..

من إعدام الأحرار الذين قاوموا العثمانيين وآلة جمال باشا السفاح، إلى فجيعة سايكس بيكو والجغرافيا الجديدة التي فرضتها، إلى انهيار الثورة العربية، إلى قضية فلسطين، إلى الدكتاتوريات العربية وحروبها الخاسرة... وصولاً إلى انفجار البرجين التوأمين الذي ختم دورة القرن منهياً عصراً بكامله، جاز موسيقي أمريكي من أصول عربية، ترك الطب في وقت مبكر ليتفرغ للموسيقى، قبل أن يعود له من جديد تضامناً مع ضحايا انفجار البرجين التوأمين.

يفاجأ جاز في المستشفى بنشوء عنصرية لم يعهدها من قبل، تخترق المجتمع الأمريكي وتكبله، لكن إصراره على الاستماع إلى قصة جدّه في توليدو الأمريكية وتجسيدها موسيقياً، تُصَالِحُهُ مع تاريخ خفي بعيد اكتشافه من خلال الموسيقى.

في الجزء الثاني من رواية: "رماد الشرق / الذئب الذي نبت في البراري"، يواصل جاز البحث في هوية كانت دفينة، من خلال مسار جدّه الحياتي، وعبر عناصر السيمفونية التي يقوم بتركيبها قطعة قطعة قبل أن تتشكل نهائياً؛ من حاضره الأمريكي القاسي الذي يعتبره عربياً ومسلماً معادياً بسبب الهجوم الإرهابي على البرجين، إلى حكايات جدّه بابا شريف، يعيد بناء صورة بداية القرن العشرين بالأبيض والأسود، وبدون أية رتوشات.

يتعرف القارئ على اللحظة الأولى التي يرى فيها بابا شريف، المناضل القومي، والده في سجن عاليه، ثم معلقاً على أخشاب المشانق في بيروت بأمر من جمال باشا السفاح، ويعيش مقاومة البطل القومي يوسف العظمة في سوريا ويكتشف لورانس العرب والأمير فيصل وأللنبي والأمير عبد القادر الحفيد، وغيرهم ممن صنعوا عصراً بكامله كانت رهاناته دولية أكثر منها عربية.

وتصبح سيمفونية "رماد الشرق" التي يعرضها جاز في أوبرا بروكلين، هي رهانه وهي وسيلته للإنتصار للحياة ولاستعادة تاريخ جدّ لم يكن في النهاية إلا وسيلته لكشف المآلات التي وصل إليها الوطن العربي اليوم.

"رماد الشرق" رواية ملحمية تستعيد قرناً من الحياة العربية من خلال حيوانات متضاربة لأناس بسطاء، لا يستطيع التاريخ قولها، وحدها الرواية بإمكانها اختراق أسرارها، لا يمكن فهم ما يحدث اليوم من ثورات دموية وانتفاضات إلا داخل هذا الغليان الذي أشعل القرن العشرين مخلفاً وراءه تمزقات تراجيدية، ترابية وإثنية ودينية، من الصعب رتقها بالوسائل التقليدية.

الرواية فازت في 2005 بجائزة قطر العالمية للرواية في سياق سؤال طرحته الجائزة التي استمرت لدورة واحدة، ودعي للمشاركة فيها أكثر من خمسين روائيا عبر العالم (العرب في قرن من الزمن: من اتفاقية سايكس بيكو إلى اليوم). كانت تجربة الكتابة التاريخية مدهشة قادتني إلى أمريكا حيث تدور بعض أحداث الرواية، وإلى المواقع العربية التي شهدت حركة التاريخ في تلك الفترة (الأردن، السعودية، لبنان، سوريا، مصر، العراق وفلسطين لاحقا.)

* روائي وأكاديمي جزائري