نافذة على السياسة

السبت - 04 سبتمبر 2021 - الساعة 08:54 م بتوقيت اليمن ،،،

تعز/ مدى برس/ تقرير خاص:


مع تزايد الغضب الشعبي بتعز ضد تنظيم الإخوان المسلمين الذي يسيطر على المحافظة، وبات يمثل فيها سلطة الأمر الواقع، وتسبب بحالة من الفوضى والانفلات الأمني غير المسبوق، فقد أخذ الغضب الشعبي المتصاعد يأخذ أشكالاً جديدة وصولاً إلى تشكيل الحركة الشعبية لإنقاذ تعز "يكفي"، وهو ما جعل تنظيم الإخوان يستشعر خطورة أن يكون وجهاً لوجه في معركة مع الشارع، حيث بات الكل في تعز في موقع الخصم ضد التنظيم الميليشاوي الذي لا يقل قبحاً وفساداً وإجراماً عن ميليشيا جماعة الحوثي الانقلابية.

وبلا شك فإن تنظيم الإخوان بات يستشعر خطورة الزخم الجماهيري المتزايد الرافض له، خاصة وأنه بات حراكاً شعبياً يضم جميع الأطياف من أحزاب ونقابات ومنظمات مجتمع مدني وجماهير شعبية اكتوت بنار الفساد الإخواني، ليجد الإخوان أنفسهم محصورين في زاوية ضيقة بعد أن باتوا في مواجهة مع الجميع، كفترة حصاد لسياستهم التي خاصمت الجميع وحاربت الجميع بدءاً من كتائب أبو العباس، مروراً بالأحزاب السياسية الناصري والمؤتمر والاشتراكي، وليس انتهاءً بالشخصيات الوطنية الجامعة وأبرزها المحافظان الأسبقان شوقي هائل وأمين أحمد محمود.

غير أن الخطر الذي يتهدد تنظيم الإخوان في تعز هو تزامن الحراك الشعبي الرافض لسلطتهم مع أحداث دولية وإقليمية تشهد الفصول الأخيرة من انتكاسة الجماعة وزوالها، ولا أبرز من ذلك الأحداث الأخيرة في تونس والتي انعكست أصداؤها على التنظيم الدولي للجماعة والذي يشهد خلافات كبيرة تعصف بموقع المرشد العام للتنظيم الدولي، وهي الخلافات التي ظهرت إلى السطح بعد فترة طويلة من محاولات التغطية عليها ودفنها لتبقى في إطار محصور على كهنة المعبد القابعين في أسطنبول.

هذه الأحداث المتسارعة جعلت تنظيم الإخوان في تعز يلجأ إلى تغيير سياساته والتي كانت تعتمد في المرحلة السابق على ممارسة الحكم بسلطة ظل غير ظاهرة، حيث كان حزب الإصلاح طوال المراحل الماضية يرفض تعيين أحد قاداته في منصب محافظ تعز على الرغم من تلقيه عروضاً بذلك من الأحزاب السياسية، غير أنه كان يرفض ذلك ويصر على تعيين شخصية ضعيفة محسوبة على الأطراف الأخرى يستطيع من خلالها تمرير قراراته معتمدا على سياسة الترهيب والترغيب ليكون هو الحاكم الفعلي، خاصة بعد سيطرته المطلقة على محور تعز العسكري وأجهزة الأمن في المحافظة.

غير أن الأيام القليلة الماضية شهدت تغييراً في سياسة الإخوان بتعز بعد أن كلفوا الذباب الإلكتروني التابع للدائرة الإعلامية التي يديرها أحمد عثمان، وبهدف جس النبض بتسريب معلومات تتحدث عن قرب تعيين محافظ جديد لتعز، وأن القائد العسكري لميليشيا الإخوان المدعو عبده فرحان سالم هو من سيتم تعيينه في منصب المحافظ.

مراقبون اعتبروا أن الإخوان في تعز وجدوا أنفسهم محصورين بين خيارين لا ثالث لهما، يتمثل الأول منهما بسقوط سلطتهم أمام حالة الغضب الشعبي المتزايد والمطالب بإقالة سلطة الأمر الواقع وتقديمها للمحاكمة، فيما يتمثل الخيار الثاني -والذي قرر الإخوان قبوله- بتحمل المسؤولية أمام قيادة الشرعية وأمام أبناء المحافظة عبر تولي منصب المحافظ، وبالتالي تحمل مسؤولية الحكم في تعز، بعيدا عن السياسة المتبعة في المرحلة السابقة والمتمثلة بقيادة الظل، التي تعد أنموذجا لمبدأ التنظيم السري المتواجد داخل جماعة الإخوان المسلمين.

وفي كل الحالات فإن الإخوان بتعز يمارسون ثوابتهم الفكرية المتمثلة بالبحث عن مصلحة الجماعة رامين بالمصلحة الوطنية عرض الحائط، فعلى الرغم من فشلهم الذريع في حكم تعز والتي حولولها إلى إمارة إخوانية وعنوان للفوضى والانفلات الأمني والفساد، إلا أنهم يصرون على أن تبقى المحافظة تحت سلطتهم وإدارتهم، باعتبارها واحدا من المعاقل الأخيرة لهم في اليمن، والهامش الأخير لتحركاتهم بالإضافة إلى مأرب وشبوة.

غير أن الغباء السياسي يظل سمة إخوانية بامتياز، فالتنظيم الذي بات مرفوضاً في الداخل والخارج على حد سواء نتيجة اعتناقه للأفكار الإرهابية والتكفيرية -وإن ادعى الحداثة والانفتاح- لا ينسى وهو في أوج أزماته أن يطرح اسم أحد الإرهابيين والتكفيريين ليكون محافظا للمحافظة اليمنية الأبرز في التوجه المدني، باعتبارها عاصمة الثقافة، وصانعة المشاريع الوطنية في مختلف المراحل.

ولا شك أن توجه الإخوان هذا سيعجل من توقيت الإطاحة بهم شعبياً قبل الإطاحة بهم بقرار سياسي، خاصة أن تنظيم الإخوان في استصدار مثل هكذا قرارات كان ولا يزال يراهن على الجنرال علي محسن الأحمر، وهذا الأخير بات فرسا خاسرا يبحث عن وسيلة للبقاء في الواجهة، في ظل التوافق الدولي على طي صفحته وصفحة هادي، والتوافق على قيادة سياسية جديدة للمرحلة القادمة.

كما أن تلويح الإخوان باسم سالم وتقديمه كرجل المرحلة القادمة في تعز، سيزيد من حالة الغضب الجماهيري الشعبي في تعز ضد جماعة الإخوان، خاصة أن سالم هو الحاكم الفعلي لتعز طوال المرحلة السابقة، وهو المسؤول الأول عن الجرائم والانتهاكات التي ارتكبتها ميليشيا الإصلاح، وهي جرائم ترقى إلى مستوى جرائم الحرب، ولا تسقط بالتقادم، ولا يمكن لمرتكبيها تحت أي ظرف الإفلات من العقاب.