مدى الثقافي/ بسام شمس الدين
بداية، على أي كاتب أن يحلم أن تصل رواياته إلى كل شخص في العالم، وأن يجني بعض الفوائد، ولكن كيف يتسنى له أن يجعل من نصه يعبر إلى جميع الأماكن المأهولة بالقرّاء؟ هناك عوائق كثيرة تقف في طريقك صديقي الكاتب، قد تقابل بالبغض من أقرب الناس إليك، أو تجد هناك من يكرهك دون سبب أو يمقتون أبطال قصصك الخياليين، فهناك أشخاص لا يسرهم جرأتك في الكتابة، أو حتى مبادئ أبطالك وأفكارهم الشاذة، والبعض قد يتصدى لك لمجرد أنك تحاول العبور والوصول إلى أكبر عدد من الناس، مع أنك شخص مرهف تحب الآخرين، وتنشد السلام والارتقاء للجميع، ماذا تفعل في هذه الحالة؟ أقول لك أن تركن كل هذه الأمور جانبا، ابتسم وكشر ، لا تحاول أن تكون مثاليا أو عدوانيا، كن أنت دون ادعاء أو تظاهر، هذا هو شخصك الذي يوافق ما تحمله من فكر وفن في أعماقك، أما بخصوص الرواية التي تود أن تعبر إلى المتلقين، فلا تعط هذا الأمر وزنا كبيرا، واجعل تركيزك كله منصبا على نصك الجديد، وماذا تريد أن تقوله بواسطة أبطالك، دون تدخل فج ومباشر منك، اركن انتماءك السياسي وآراءك الخاصة وقيمك جانبا، ودع أبطالك يتحدثون ويخوضون في التفاصيل التي نجدها غير ضرورية، فالفن يقع في هامش الحياة، وليس في أساسياتها وجوهرها، وهذه التفاصيل حين تتجمع تصبح جوهرا بحد ذاتها أو على الأقل نصا بديعا.
في الغالب، معظم الكتاب المميزين لم يكونوا يحلمون بالوصول إلى الشهرة أو الثروة، وأحيانا وبسبب اليأس، تداهمهم أفكار خبيثة بأن أعمالهم ليست جيدة، وفي حين آخر، ينظرون إليها بمحبة واعتزاز كما ينظر الفلاح إلى أبنائه الصغار الذين لم يلمس خيرهم بعد، فالرواية العابرة للحضارات، لا يجب أن تملك لغة أحلام مستغانمي المنمقة، ولا فلسفة نيتشة المعقدة، بل هي رواية فائقة الإحساس بتفاصيل حياتنا اليومية، شخصياتها تأتي في المكان والزمان الصحيحين، وتسير في الأماكن الملائمة، وتقول الكلمات الصحيحة التي تعبر عن محتوى أفكارها التي قد تكون بسيطة، وهذه الشخصيات البسيطة في بلدك ـ سواء كنت بالشرق أو الغرب ـ قد تحمل أفكارا جيدة يحملها الإنسان في كل زمان ومكان، فمشاعر الحب أو البغض أو الحقد من الأمور الشائعة، ولكن كيف بوسعك توظيفها في حدث خيالي يلائم سردك، ماذا تريد أن تحكي للقارئ العالمي، للإنسان في الشرق والغرب وحتى لسكان الاسكيمو في القطب المتجمد الشمالي؟ وأنا أكتب الآن يخبرني صديقي الذي يقرأ رواية زواج فرحان قائلا: أنت تخلق قصص من العدم، وقد لفت نظري إلى أن الخيال مادة هامة للكاتب، والروائي الذي يفتقد إلى غزارة الخيال سيظل غارقا في بطون الكتب التاريخية ليبحث عن قصص وحوادث وأحداث تلبي حاجته السردية، ويركز تركيزا شديدا على الظهور، وسيجند كل شيء في سبيل العبور بروايته أو قصته إلى القارات السبع، وقس على ذلك عددا كبيرا من الكتاب العرب الذين يظلون متحيزين لأنفسهم وأبناء جنسهم، ويغضون الطرف عن تجارب غيرهم رغم أنها تدهشهم، لكن حسهم القومي وروحهم المحلية تظل طاغية، بحيث تجعلهم أدباء ذوي لباس عصري، يدخنون السجائر، ويتحدثون عن موسيقى الهيب هوب، وفي أعماقهم يسكن زعيم قبلي متسلط غيور أو رجل دين مكشوف العورة، هؤلاء لا يعول عليهم، ولا تظن صديقي الكاتب أن بوسع شخص من هؤلاء أن يأخذ بيدك أو يدع قصتك تعبر للقرّاء، لن ينحاز إليك سوى شخص كوني لا يؤمن بالقوميات أو العصبيات، شخص شغوف بالفن، لا تهتم بهؤلاء أو أولئك، فروايتك أو قصتك ستعبر حين يحالفك الحظ أو قد لا تعبر، لا تهتم بهذا الجانب، واقرأ أكبر عدد من الكتب المفيدة حين يصيبك الإحباط، ثم اكتب بروحك وقلبك، بذلك الشغف والاستمتاع الذي يحتاجه الفن.