كتابات

الجمعة - 10 سبتمبر 2021 - الساعة 10:19 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ نوري الجراح


عندما وصلَ البرابرةُ إلى أَسوارِ المدينةِ
كانتِ الأبوابُ مُشرعةً
والسكونُ يَغمر المطالعَ والشّرفاتِ، ويهيمُ في الأَزقةِ
كان النهارُ في أَولِ شبابهِ والشمسُ بلسانها الدافيءِ تَلحس الجدرانَ.. 
الخواءُ رَجَّعَ أَصداءَ سنابكِ الخَيل..
لم يكنْ في السَّاحةِ المسكونةِ بالهجرانِ حصانٌ ولا عَربةٌ
لم يكنْ وراءَ الأَسوارِ قائدٌ، ولا فتاةٌ شجاعةٌ تُلهِمُ المدافعينَ،
لم يكنْ حارسٌ هناكَ ولا حتى نافخِ بوقْ.
النسائمُ تلهو بأَطرافِ الستائرِ
وفي آخر الزقاقِ صبيٌّ صغيرٌ يلهو بعجلةٍ.
الخيلُ راحتْ تَمشي بخيلاءَ، مباهيةً بأَعرافها، وبوقعِ سنابكها على الصمتِ.
***
عندما وصلَ البرابرةُ في ذلكَ اليوم
كان بابُ المدينةِ مفتوحاً والصائفةُ تلهو بأوراقِ الشَّجر.
شعرَ قائدهُمُ بالخِزي لأَن الأبوابَ كل الأبوابِ، كانت مفتوحةً،
لم تَنفلق جمجمةٌ بسهمٍ، ولم يسقط فارسٌ عن فرسٍ!
وبخِزي أكبرَ شعرَ قائدهم لأن رجالَه لم يرسلوا إلى الحصونِ والأَسوارِ كراتِ النارِ
ولم تكنْ لديهمُ فرصة ليهدموا قلعةً ويقيموا في محيطِها برجاً من الجّماجمِ..
والمؤسفُ أكثرَ أنهم بلغوا بطلائعهمُ قلبَ المدينةِ، ولم ترتفع ملاءةٌ بيضاءُ على حانوتٍ أو بيتٍ،
لم يركعْ جريحٌ،
ولم تهتف امرأةٌ: احرقوا المدينةَ، ولا تدنسوا العذراواتِ،
لا شَكوى
لا بُكاءَ
لا تَوسلات!
فقط، صمتٌ مريبٌ لا يشبهه شيءٌ سوى زيارة مقبرةٍ في جبلٍ.
والسؤالُ الآنَ:
ماذا يفعل البرابرةُ بمدينةٍ تُرِكَتْ مشرعةَ الأَبوابِ ولا يُوجدُ فيها سوى صَبيٍّ يلهو بعجلةٍ؟
***
لم يجد البرابرةُ خائناً، ولا حتى مهرجاً أو أحمق، ليكون دليلاً في المدينة.
إحباطٌ كاملٌ..
إذْ ذاكَ نظرَ البرابرةُ في وجوه بعضهم البعضَ، ولم يجدوا كلمةً تُقال.
ماذا يفعلُ البرابرةُ في مدينة اختفى سُكانها، فجأة، بصورةٍ غير مفهومةٍ!
الخيولُ التي مَلأت الساحاتِ بالعجاجِ، ضجرة راحت تنبش بسنابكها الأرضَ..
وعلى صهواتها القلقةِ، فجأةً، دَبَّ صَمتٌ يُشبهُ رعدةً باردةً سَرَتْ في أجسادِ البرابرة.
لم تنبسْ لهُمُ شفاهٌ بحرفٍ، عيونهُمُ صارتْ خَرزاً ملوناً،
ونظراتهُمُ أُحجياتٍ حَجَريَّة.
***
في آخر الزقاق، ومن الأعلى أَفْلَتَ الصَّبيُّ العجلةَ
وتَرَكَها تتدحرجُ..
جهةَ
الخيلِ
إذ ذاكَ نَفَخَ حاملُ البوقِ: نحنُ البرابرةُ لمْ نَعد برابرةً!
كانت الأبوابُ المقفلةُ ومن ورائها المدافعونَ عن الأسوارِ، والفتاةُ الشجاعةُ التي تُلهم المدافعينَ،
السهامُ، والحرابُ، وصليل السيوفِ،
الجماجمُ في الأزقةِ، والنيرانُ في العَمَائرِ..
هي الحكايةُ والمغزى.
صَهَلَتِ الخيلُ في قصيدةِ الشاعرِ، ومَشَتْ بخيلاءٍ.
حقاً، لقد كانَ البرابرةَ المحبطون لكونهم لم يصبحوا برابرةً في ذلكَ اليوم،
حَدَثاً رائعاً، خلفيَّةً مناسبةً للهو صبيٍّ بعجلةٍ في قَصيدةْ.