عربي ودولي

الأربعاء - 15 سبتمبر 2021 - الساعة 04:17 ص بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ دراسات/ د. أحمد سلطان:


قالوا ما في الدار من صافر، أي خاوية ليس فيها أحد، وهذه هي حال صافر، خزان نفطي عائم، ليس فيه أحد، ولكن على عكس ما قيل في اللغة عن كلمة صافر، صافر اليمني محط أنظار العالم ومركز اهتمام الأمم المتحدة وجميع دول العالم، بما في ذلك الولايات المتحدة وبريطانيا والصين. وعلى عكس ما قيل في اللغة من أن صافر هو طائر يعلّق رجليه بالغصن وجسمه مدلى إلى الأسفل كي لا ينام فيُمسَك، فإن صافر اليمني قد مَسَكَ العالم من رقبته.


ما هو صافر؟

صافر هو خزان نفطي عائم شبه ثابت في المياه اليمنية العميقة بالقرب من ميناء الحديدة، ومحطة تصدير للنفط، بدأ كناقلة نفط عملاقة بعد الانتهاء من تصنيعها في اليابان عام ١۹٧٦ من قبل شركة هيتاشي زوسين تحت اسم إسو اليابان، اشتُريت لصالح اليمن عام ١۹۸٦ وأرسلت إلى كوريا الجنوبية لتحويلها إلى خزان عائم بهدف تصدير النفط الآتي من مأرب، وكان الرئيس اليمني السابق علي عبد الله صالح قد أعلن في نهاية ١۹۸٤ اكتشاف حقلي نفط في منطقة مأرب، وأنه سيتم التصدير خلال عامين.

وكانت شركة هنت أويل الأمريكية التي تتّخذ من دالاس فى تكساس، مقراً لها، هي التي اكتشفت النفط في المنطقة، حيث أعلنت الاكتشاف الأول في صيف ١۹۸٤.


الأهمية الاقتصادية لصافر:

يعود سبب الحاجة إلى صافر إلى ضحالة الشواطئ اليمنية في البحر الأحمر التي لا يمكن لناقلات النفط المجيء إليها، فكان الحل ببناء منصة عائمة من باخرة ضخمة وتركيزها وسط البحر في المياه العميقة ووصلها بالميناء بأنبوب نفط. أما النفط، فيأتي عبر أنبوب مأرب رأس عيسى، الذي يجلب النفط إلى المنطقة.

أما سبب التسمية صافر، فيعود إلى اسم الشركة المالكة شركة صافر لعمليات الاستكشاف والإنتاج، وهي مملوكة من شركة النفط والغاز اليمنية الحكومية، وصافر هي أكبر شركة منتجة للغاز في اليمن تاريخياً، وثاني أكبر شركة منتجة للنفط، وقد يكون سبب التسمية هو اسم الحقل في المربع ١۸ من المنطقة.

كيف بدأت القصة؟

منذ بداية الحرب الأهلية اليمنية، سيطر الحوثيون على ناقلة صافر التي تحتوي على نحو 1.14 مليون برميل من النفط تقريباً، وفي السنوات الأخيرة تدهورت حالتها الهيكلية بشكل كبيروتسربت المياه في أواخر ٢٠٢٠ إلى غرفة محرك الناقلة، وبناءً على أحدث التقارير هناك مخاوف من أن الناقلة المتهالكة قد تنفجر وتتسبب بدمار هائل، وانسكاب نفطي في البحر الأحمر.


ما مشكلات صافر؟ ولماذا هذا الاهتمام العالمي؟

بعد اندلاع الحرب في اليمن، سيطرت ميليشيا الحوثي على خزان صافر عام ٢٠١٥، ومنذ ذلك الحين عرقل الحوثيون مرات عدة اتفاقات تتيح للفريق الفني لمنظمة الأمم المتحدة تقييم وصيانة الناقلة النفطية، وذلك لأنهم يريدون استغلال هذا الملف كورقة ضغط في عمليات التفاوض على إنهاء الحرب في اليمن، وللمساومة وابتزاز المجتمع الدولي كورقة ضغط وابتزاز، في حين وافقت الحكومة اليمنية على تفريغ الناقلة وتحويل عائدات شحنة النفط المقدرة بمبلغ تراوح بين ٥٠ و ۸٠ مليون دولار لمصلحة مرتبات الموظفين.

صافر عبارة عن منصة تخزين وتصدير للنفط، كناقلة نفط ضخمة، تحتوي على ٣٤ خزاناً وبقدرة استيعابية ضخمة قد تصل إلى ٣ ملايين برميل.

صافر هو خزان نفطي عائم قديم الصنع ذات جوف واحد وكل حاملات النفط الحديثة تم تصميمها بجوفين، بمعنى أن هناك فراغاً بين جدار السفينة وجدار الخزانات داخل السفينة مما يعمل على منع تسرب النفط عند ارتطام السفينة بشيء ما، وسيعمل وجود صافر في المياه المالحة لسنوات تعدت الخمس سنوات من دون أي صيانة على تآكل حديده بسرعة، مما قد يسبب انسياباً نفطياً كبيراً نتائجه كارثية على المنطقة، وهناك العديد من المشاكل المزمع حدوثها أحلاهما مر، إما انسياب النفط، أو انفجار هائل وشيك، أو كلاهما، وهذا يعني حدوث كارثة بيئية في المنطقة ستلحق بالبحر الأحمر وكائناته وشعابه المرجانية لعقود طويلة، وكارثة عالمية لأنه قد يؤدي إلى تباطؤ حركة السفن لقرب مكان الخزان من باب المندب، وكارثة اقتصادية للدول المجاورة، حيث يؤدى إلى وقف أو إبطاء حركة موانئها، وكارثة إنسانية إذا أثر في محطات التحلية للمياه في المنطقة.  

الانفجار من السهل حدوثه نتيجة أكسدة المواد المتطايرة من النفط، ومن المعلوم أن النفط ذاته غير نشط كيماوياً، ولكن إمكانية تطاير بعض المواد من السطح وتأكسدها من الممكن أن يؤدى إلى تولد حرارة ومواد سريعة الاشتعال، فأي احتكاك معدني بسبب حركة الأمواج أو الرياح، أو حدوث ارتطام أي جسم به، أو حتى البرق، يمكن أن تسبب الانفجار والاشتعال.

الانفجار والحريق سيؤديان إلى تسرب في كل الحالات، وستكون الأضرار كارثية إلّا أن الحريق سيسبب مشكلات أخرى، لأن كمية النفط ضخمة نسبياً، وسُحب الدخان الكثيف مضرة بيئياً وصحياً.

وقد يقول البعض إن حدوث عمليات الأكسدة أمر طبيعي، فهو يحصل في كل ناقلات النفط في العالم، فلماذا التركيز على صافر؟

نعم هي عملية متعارف عليها وتحدث في كل مكان، لذلك يتم ضخ غازات غير نشطة لطرد الأوكسجين وتخفيض كميته، مما يمنع حدوث المشكلة، ولكن الخطورة تكمن في أن هذه العمليات لم يقم بها أحد منذ عام ٢٠١٥، فمن المتوقع أن تكون الحرارة عالية، مع وجود كميات ضخمة من المواد سريعة الاشتعال. فمن هنا، أصبح التدخل الأممي أمرا في غاية الأهمية، مما يتطلب تدخل الخبراء والفنيين لضخ كميات مناسبة من الغازات غير النشطة كيماوياً والعمل على طرد الأوكسجين، من دون أن تسبب هذه العمليات ذاتها كارثة أثناء عملية محاولة الإنقاذ، مما يعنى أن عمليات الإنقاذ ذاتها خطرة جداً، وأي احتكاك معدني أو حتى تشغيل هاتف على متن صافر قد يؤديان إلى إمكانية حدوث الانفجار حتى فكرة نقل "صافر" إلى مكان بعيد غير واردة، لأن نقله بحد ذاته قد يسبب تسرباً أو انفجاراً.

صافر شاهد على الحوثي وعبثه بحياة اليمنيين والمنطقة:

وُصِفَ الوضع في الأراضي اليمنية على أنه أسوأ أزمة إنسانية في العالم، إذ يحتاج أكثر من ٢٠ مليون شخص، أي ما يعادل ۸٠ في المئة من عدد السكان تقريبًا، إلى المساعدة الإنسانية العاجلة، ومن بينهم أكثر من ١١ مليون طفل، وقد يؤدي أي ثقب في هيكل صافر في تسرب نفطي أضخم بأربعة أضعاف من ذلك الذي تسببت به سفينة إيكسون فالديز في ألاسكا في عام ١۹۸۹. ومن شأن ذلك أن يحدث كارثة إيكولوجية وأن يفاقم الأزمة الإنسانية التي يعاني منها الشعب اليمنى، إذ سيمنع الوصول إلى ميناء الحديدة وميناء الصليف الأساسيين والضروريين لوصول المساعدات الصحية والأغذية وغيرها من الإمدادات. على الجانب الآخر، يواصل الحوثيون تهديد البيئة وسبل معيشة الناس كوسيلة لتحقيق ما يريدون، فمن مصلحة الجميع، خاصة الشعب اليمني الذي يتحمل المعاناة، العمل على جعل هذه الناقلة آمنة على الفور، لكن ميليشيا الحوثي لا تزال ترفض النداءات الدولية، حيث قبلت الأمر وتدخل الخبراء لصيانة صافر، لكنها تراوغ في هذه المسألة، لتحقيق أهداف خفية، وقذفت بملف خزان النفط العائم خلف ظهرها وتركته طي النسيان عن عمد، متجاهلة كافة النداءات في هذا الاتجاه، من بينها ما طرحته هولندا مؤخراً لإيجاد حل للأزمة التي تهدد اليمن والمنطقة.

الكل يستغيث:

على دول أوبك أن تتدخل بقوة لإنهاء كارثة صافر، وهذا يتطلب أيضاً مشاركة الجميع، كما أن على شركات النفط العالمية أن تتدخل وترسل خبراءها لإنهاء هذا الأمر، بأسرع وقت ممكن، وعلى الجميع أن يدركوا جيداً أن الوقت لإلقاء اللوم وتصفية الحسابات السياسية قد فات، يجب أن يخرج صافر خارج المعادلات والحسابات السياسية، لأن الثمن سيدفعه الجميع وانفجار صافر وتسرب النفط في مياه البحر الأحمر سيكون حجة وعصا لكل أعداء وسماسرة النفط في العالم لتأكيد مواقفهم المعادية للنفط. وعلى الحوثيين خاصة أن يدركوا جيداً أن الموضوع لم يعد موضوع ورقة ضغط وابتزاز مالي، وليس ٤٠ مليون دولار قيمة مبيعات النفط الموجود في بطن صافر، وإنما أكبر من ذلك، لأن الانفجار سيرتبط باسم اليمن وشعبها للأبد، كما أن شركات النفط العالمية ستتحاشى الاستثمار في اليمن، فبغض النظر عمن يحكم اليمن وشعبه في العقود المقبلة، سيخسر البلد مليارات الدولارات بسبب ضياع استثمارات أجنبية وعوائد نفطية وفرص لبناء وإعادة تعمير أراضيها. 

وأخيراً، سوف يأتي يوم من الأيام على العالم يدرك فيه أنه أخطا في حق نفسه، لا في حق البشرية والمنطقة بمفردها، عندما لم يضغط على من يملك الأمر بما يكفي للقبول بالمبادرة، وللأخذ بها حلاً للمأساة اليمنية التي يدفع ثمنها الشعب اليمنى ليلاً ونهاراً، سوف يدرك العالم كله هذا ذات يوم، ولو شاء لأدركه منذ ست سنوات، وهو يرى ناقلة نفط عملاقة محتجزة أمام ميناء الحديدة في مياه البحر الأحمر بلا أمل قريب في إطلاق سراحها، ومن دون أمل قريب في السماح لخبراء الأمم المتحدة في القيام بمهامهم ومباشرة أعمال الصيانة الضرورية لها، سوف يدرك العالم هذا ذات يوم، لأن وقوع أي تسرب متوقع في صافر يعنى حدوث تلوث مياه البحر الواصل جنوباً إلى المحيط الهندي، وشمالاً إلى البحر الأبيض المتوسط بما يؤدى إلى توزيع التلوث في البيئة العالمية بالكامل، وسوف يدرك العالم هذا ذات يوم لأن السفينة التي جنحت في مياه قناة السويس إيفرجيفن كانت قادمة من الصين جنوباً إلى هولندا شمالاً، وحين جنحت في مكانها فإن العالم قد احتبست أنفاسه وكاد أن يموت من الاختناق لتوقف مصالحه في ممر قناة السويس، سوف يدرك العالم هذا كله ذات يوم، لأن صافر مر في طريقه بباب المندب جنوباً، حيث يمارس الحوثي عبثه وجنونه وتخريبه وتعطيل المرور في هذا الباب الواصل بين البحر والمحيط إنما يقود إلى النتيجة نفسها التي أدى إليها جنوح السفينة في مكانها في قناة السويس.

خلاصة الأمر، إذا تحول صافر إلى رماد حريق، فالكارثة ستقع على الجميع، حتى شركات النفط العالمية المتصارعة على الثروة البترولية الضخمة مع ميليشيا الحوثي. أما اليمن، فقد خسر فى البداية، وسيخسر في النهاية.


المصدر: مجلة السياسة الدولية المصرية