كتابات

الثلاثاء - 05 أكتوبر 2021 - الساعة 10:21 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ زكي الصدير *:


مسكينٌ أيّها الموت،
لستَ سوى حارسٍ صغيرٍ للغيبِ الهائل،
لن يروّض خيولَك أحدٌ،
لن يشحذ مناجلَك ابنٌ ضالٌ،
لن يتذكّر صريرَ أسنانِكَ سوى الأحياءِ المقهورين.
أنتَ، حيثُ أنتَ، على عتبةِ النهايةِ،
لصٌ تسرقُ المعتلينَ،
تفتّش عن القيامةِ في أنفاسِ الليّل،
تتمنّى لو أنك تسألهم “ماذا فعلوا؟”.

مسكينٌ، أيها الموت..
لا ذنبَ لكَ سوى أنك – مثلَنا – جئتَ موتاً بالصدفة،
لم يختبرْك أو يخيّرْك أحدٌ قبلَ أن يدسّك في خاصرةِ الكون،
وجدناك، فحملناك في قلوبِنا،
مثلَ لقيطٍ في شارعٍ معتمٍ آخرَ اللّيل،
كنّا لكَ بيتاً،
كنتَ لنا المنفى،
ثمّ كانَ قَدَرُكَ أن تغدرَ بنا.

-2-
الذي كنتُ أرغبُ في قولِه:
السوقُ السوداءُ ما زالتْ تدّخرُ حناجِرَنا،
سراً، نوزّع السُّكَّرَ على رصيفِ القتلى،
نباغتُ الدَّركَ بعشبٍ جديدٍ كلّما أيقنوا أن واحاتِنا غطّاها الملح،
نعيشُ نكايةً بهم.

- 3 -
إيّاك أن تذعنَ..
استغاثةُ اللّيلِ مكرٌ مقيمٌ في الطريق،
فخٌ لا يجيدُ سواه.
نحن المغدورين بالشفقة نمعنُ في المغفرةِ،
ننسى الشّمس.

-4-
أنا مدينٌ جداً..
إلى غصنٍ صغيرٍ على الشجرة،
مدينٌ جداً..
إلى قطةٍ صغيرةٍ ضائعةٍ بينَ فروتِها الشيرازيةِ وطفولتِها هنا،
مدينٌ..
إلى جدّتي التي لقّمتني خرافاتِ المدينةِ، حكاياتِ الجن،
إلى خليجٍ حبسني عن مناورةِ الصحراء،
إلى غاباتِ النخيلِ التي ملأتْ جسدي بالملح.

-5-
أنا البدوي الذي لا يجيد نصبَ فخاخ الحَضَرات،
ابن البحر الذي لا يتقن ملاحقة النجعة في مواسم المطر،
كلانا منذور للسماء،
كلانا يسكن في الريح.

* كاتب سعودي