فنون

الثلاثاء - 26 أكتوبر 2021 - الساعة 11:00 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى الثقافي/ متابعات:


يبدو أن فيلم ”Dune“ أحدث أعمال المخرج الكندي ”دينيس فيلنوف“، الصادر مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2021، ويحاكي مستقبل البشرية البعيد، لم يرقَ إلى توقعات الجمهور المترقب لتحفة فنية تُجاري نجاح أعماله السابقة.

ولمع نجم فيلنوف في العقد الأخير من خلال نتاجه الإبداعي اللافت، بسلسلة من الأفلام الناجحة؛ ومنها فيلم ”سجناء/ Prisoners“، وفيلم ”حرائق/ Incendies“ الفائز بنحو 30 جائزة في مهرجانات عالمية، فضلا عن التحفة الفنية ”الوافد/ Arrival“ التي اتسمت بالتجديد والابتكار.

وتركزت الانتقادات التي طالت فيلم ”Dune“ على تكرار الحبكة وضعف الأحداث وترابطها، في ظل اعتماد المخرج المشهور على الإبهار البصري بالدرجة الأولى.

وتدور أحداث العمل حول قصة خيالية تجري أحداثها بعد 8 آلاف عام، لتجسد صراعا بين ثقافات مختلفة، مقدما إسقاطات سياسية وترميزا لنزاع الحضارات، الذي تغذيه أفكار وإيديولوجيات متناحرة، في حشو هائل لخرافات ومعجزات وأساطير متنوعة.

والفيلم مقتبس عن رواية تحمل العنوان ذاته للكاتب الأمريكي فرانك هربرت، الصادرة في ستينيات القرن الماضي. وكتب السيناريو إريك روث. وشارك في البطولة تيموثي شالاميه، وأوسكار زيندابا، وخافييى باردم، وجيسون موموا.

حبكة مكررة

ويدور الصراع في إمبراطورية ضخمة، تضم قبائل متناحرة، دافعها الوصول إلى السلطة واستبداد الآخر المختلف، في حبكة مكررة تغص بها كتب التاريخ منذ نشأة الحضارة البشرية.

وتلتقي خيوط الحدث جميعها في كوكب آراكس المعادي للحياة، والغني بالمواد النادرة، ليتركز الصراع على السيطرة على الموارد وتعدين الكوكب.

خلطة مشوهة

وأثار حفيظة المُشاهدين استخفاف صناع الفيلم بعقولهم، إذ يجمع العمل مجموعة من الأفكار المتناقضة (تاريخية، سياسية، علمية، حضارية)، ويقدم الخلطة المشوهة كوجبة مطبوخة على عجل، وتفتقر إلى تماسك المكونات.

فنشهد في الفيلم نزالات فردية تتسم بالتقليدية والفتور، وكل ذلك بالسلاح الأبيض، في مستقبل ينبغي أن يكون التقدم التقني والعلمي سمته الأساسية، في ظل تحولنا إلى حضارة نجمية عابرة للمجرات.

اللجوء للتاريخ

ومع الفشل في تقديم نموذج مستقبلي غير مألوف، يلجأ الفيلم إلى التاريخ، وتقديم شخصية البطل المُخلّص (المختار) المغرقة في القدم والمرتبطة بالتراث الثقافي لمعظم شعوب الأرض؛ فأين الجديد؟

في المقابل، نجح العمل في خلق رابط وثيق بين المشاهد والبطل ”بول“ الملم بالأحداث كافة، وما يشوب شخصيته من تخبطات وصراعات وطموحات، فضلا عن معرفة العقد والأزمات النفسية التي تركت أثرا في لا وعيه.

وبرزت في العمل جرأة واضحة في التعامل مع الشخصيات، والتخلي عنها، في ظل منح كل شخصية مساحة وافية، ليصعب على المُشاهد معرفة أو توقع من سيبقى ومن سيرحل.

غِنى سمعي

ركز المخرج بشدة على عنصر الإبهار الصوتي، ما ساهم في تماهي المُشاهد مع الحدث، على غرار صوت المشي على الرمال، وصخب إقلاع السفن الفضائية، وغيرها من الأصوات التي أغنت العمل سمعيا.

واستعان المخرج أيضا بمقطوعات متميزة تناسب القصة، للموسيقار العظيم هانز ميزر، المؤلف الموسيقي لمجموعة من أهم أفلام الخيال العلمي، ومنها The Dark Night وInception وInterestellar.

إبهار بصري

وعلى الرغم من مواطن الضعف التي شابت العمل، يرى نقاد أن بعض المَشاهد جسدت لوحات فنية متميزة، بالاستناد إلى الإبهار البصري.

وامتازت مقدمة الفيلم بالمتانة والتشويق وترابط الأفكار، ونجح المخرج في اختزال مئات الصفحات وتحويلها لعمل مرئي يخلو من مَشاهد الإطالة والحشو.

ضجة غير مبررة

وانتقد مُشاهدون الضجة الكبيرة التي أثيرت قبيل صدور العمل، وأشار بعضهم إلى هشاشة السيناريو، واصفين الإخراج بأنه مجرد استعراض بصري لا يغفر ضعف التعريف بالشخصيات وأدوارهم والفكرة المطروحة وبناء هيكل الشخصيات.

واتسم الخط العام للفيلم بالغموض والارتباك، فلم يكن واضحا بالمستوى المطلوب لتحقيق تفاعل المُشاهد مع الحبكة.

ولم تنجُ موسيقى العبقري هانز زيمر من النقد، على الرغم من جمالها وملاءمتها للأحداث، إلا أن مُشاهدين أشاروا إلى وجود مواطن خلل صوتي في لقطات عدة، لتظهر بشكل فج وتفشل في ترك ذكرى سمعية متناغمة مع المشهد البصري.

ظاهرة

ويبدو أن إهمال القصة في الأفلام الحديثة بات سمة بارزة، مع استسلام صناع الأفلام لمغريات التقنيات الإخراجية الحديثة.

واتسمت أفلام الخيال العلمي الحديثة بتكرار القصة والجنوح إلى جمع الأضداد ورميها جزافا في سلة واحدة، وكأن مصطلح ”الخيال“ يبيح التمادي في امتهان عقل المُشاهد.

وخلال تاريخ السينما شهدنا كثيرا من الأفلام التجارية، إلا أن ضحالة الحكاية باتت ظاهرة في الأفلام المعاصرة، إذ إن أفلام الخيال العلمي في الماضي كانت تستند بالدرجة الأولى على القصة والأحداث، في ظل ضعف التقنيات وأدوات الإبهار البصري.

ولكن التطور التقني وفر للمخرجين في الأعوام الأخيرة أدوات عالية الجودة، فتحول التركيز إلى الشكل المُبهر، على الرغم من ركاكة المضمون، ما تسبب في تراجع أفلام الخيال العلمي، وتحولها إلى أفلام فنتازيا غير متكاملة الأركان.

وهنا يبرز تساؤل مشروع عن مسببات الجمود الفكري في الفن السابع عموما، فهل نعيش حقبة من اضمحلال الأفكار المبتكرة؟ وأين عشرات الآلاف من كتاب السيناريو الذين تغص بهم مؤسسات السينما العالمية من ذلك؟ وبشكل خاص هوليوود التي تضم أكثر من 20 ألف كاتب محترف.

ومن الصعب تسليط الضوء على جميع الأمثلة التي تنضوي تحت ظاهرة تكرار القصة وضعف الحبكة، إذ إنها لا تخفى على المتابع، بل باتت مصدرا لإثارة سخط المشاهدين والنقاد.

ويتهم مشاهدون مؤسسات الإنتاج بأنها لا تهتم إلا بالربح المادي، في ظل الجشع وإهمال الجانب الإبداعي الجامع للفائدة والتسلية.

ولدى نجاح فيلم ما في استقطاب الجمهور، يسعى صناع السينما إلى صنع نسخ جديدة عنه، قد لا ترقى إلى مستواه؛ بهدف جني مزيد من الأرباح.

في حين يرى آخرون أن ظاهرة التكرار لا تعيب الفن السابع، بل تزيد في إثراء الفكرة، وبشكل خاص حين تُقدَّم القصة القديمة بأدوات وتقنيات بصرية وسمعية حديثة، ما يمنح المُشاهد نسخة معدلة أكثر غنًى من النسخ الأولى.

ويتوقع نقاد أن تتفاقم أزمة إعادة تدوير الأفلام في الأعوام المقبلة، ما لم يُقدِم القائمون على صناعة الأفلام على خطوات عملية توفر مناخا ملائما لقفزة إبداعية تنتشل السينما من دائرة الربح المادي بشكل مؤقت، إلى أن ترتفع سوية أفلامها شكلا ومضمونا

المصدر:إرم نيوز