نافذة على السياسة

الإثنين - 13 ديسمبر 2021 - الساعة 06:12 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ نادر الصوفي:


لأول مرة منذ توقيع اتفاق السويد «ستوكهولم» مطلع 2019، وتجميد الأعمال العسكرية الواسعة على امتداد جغرافية الساحل الغربي اليمني، ودخولها مرحلة لن تخلو من الخروقات والمشاغبات المتقطعة، عادت حدة المعارك لترتفع مجددًا مصحوبة بأصوات الانفجارات وتسارع التحركات تحشيدًا وتسليحًا، بين القوات المشتركة، والميليشيات الحوثية.

خلال الأيام الفائتة شهدت مناطق ريف غرب محافظة تعز وجنوبي محافظة الحديدة المطلتين على البحر الأحمر تصاعدًا ملحوظًا في وتيرة الاشتباكات بمختلف الأسلحة تمكن خلالها الحلفاء في القوات المشتركة من إحراز مكاسب ميدانية مسنودين بتغطية جوية لطيران التحالف العربي بقيادة المملكة، وتنفيذه ضربات مركزة على تجمعات وتعزيزات الحوثيين.

وجاء التصعيد العسكري مباشرة عقب بيان التحالف العربي، الذي أشار إلى رعايته عمليات إعادة الانتشار في الساحل الغربي، لتدشن القوات المشتركة فجر 19 نوفمبر معاركها على لسان العميد صادق دويد الناطق الرسمي باسم المقاومة الوطنية التي يقودها العميد طارق صالح، قائلاً إن «القوات المشتركة تطلق عملية عسكرية في مناطق غرب تعز وجنوب محافظة الحديدة»، ممهدًا لهذه الخطوة عبر موقف رافض لـ«حالة اللاسلم واللاحرب التي خلفتها اتفاقية السويد وأدت الى تكبيل القوات المشتركة بعد تلقينها الميليشيات الحوثية هزائم قاسية، كانت حينها قاب قوسين من تحرير ميناء ومدينة الحديدة»، وبالتالي فإن «استمرار مثل هذا الوضع لم يكن مجديًا في وقت صعدت فيه الميليشيات من عدوانها على اليمنيين في شبوة ومأرب والبيضاء».

مرحلة جديدة من التعاطي

خلال العام الحالي استغل الحوثي التدخلات الدولية، وجملة من الإشكاليات والوقائع على الأرض لصالحه، ولصالح تعزيز مكاسبه ميدانيا، فتمسك بمواقف رافضة لجميع مبادرات السلام المقترحة من المبعوثين إلى اليمن الأمريكي تيم ليندركينج والأممي هانز غروندبيرغ، وكذلك المبادرة التي قدمتها السعودية وتم رفضها.

وإزاء هذا الوضع المعقد الذي يتداخل فيه الشهد المحلي اليمني بالإقليمي والدولي، أدركت الرياض أن المضي في هذا المسار الاستنزافي بات غير مجد في ظل تعنت الجماعة، حينها أعلن وزير الخارجية السعودي الأمير فيصل بن فرحان أن «الوضع في اليمن وصل الى طريق مسدود دبلوماسيًا وعسكريًا، معربًا عن أسف السعودية لعدم موافقة الحوثيين على المبادرة التي أطلقتها المملكة لوقف القتال في اليمن في الشهور الأولى من هذا العام»، مدشنًا بهذا التصريح مرحلة جديدة للتعاطي مع الميليشيات.

التمهيد للتحول العسكري

بفعل التعقيدات التي تحكم المشهد اليمني، كان لا بد للمملكة بالتعاون مع الإمارات من اقتراح حلول تعيد الأوضاع إلى نصابها، وذلك باتخاذ مجموعة إجراءات وخطوات تسهم في تعديل قواعد الصراع بما يخدم موقف الحلفاء الشرعيين عبر حزمة تفاهمات سياسية، وتعزيزها بتحركات على الصعيد العسكري والميداني.

بدأت أول مفاعيلها في رعاية جهود التهدئة وترتيب العلاقة بين المكتب السياسي للمقاومة الوطنية «حراس الجمهورية»، التي يقودها العميد طارق صالح، وسلطات الشرعية ممثلة بمحور تعز العسكري المقرب من حزب الإصلاح، ونائب الرئيس الجنرال علي محسن الأحمر، والتي أثمرت تفاهمات مؤقتة جمدت الصراعات الجانبية والتوترات الثنائية.

كما أفضت إلى إعادة انتشار قوات العميد طارق صالح وتوزيعها على مسرح عملياتها العسكري في الريف الغربي لمحافظة تعز ومناطق محاذية لمواقع الميليشيات الحوثية في مديرية موزع والوازعية والبرح والاقتراب أكثر من مقبنة، دون اعتراضات رسمية من قوات الشرعية، وبتنسيق التحالف العربي، وهذه الخطوة كانت المفتاح الذي سيمهد للتحركات التي تلتها من قبل القوات المشتركة.

أجواء إيجابية

فيما بات واضحًا أن التهدئة خلقت أجواء إيجابية وزخمًا صاحب اللقاءات والتصريحات التي امتدت إلى التفاهم مع الانتقالي الجنوبي، وزيارة وفد طارق صالح لمقر المجلس في عدن، وتسارعت دعوات توحيد الصف في مواجهة الميليشيات.

بدا أن هذا الحراك السياسي بين الساحل الغربي وتعز وعدن، قد أثار شكوك ومخاوف المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غروندبرج، الذي سارع في تحركاته الاستباقية بزيارة إلى تعز والساحل الغربي 8 – 9 نوفمبر، وعقد عدة لقاءات مع القيادات السياسية والعسكرية، واجتمع مع العميد صالح، محاولاً استكشاف مجريات الأوضاع، واستباق أي تحولات قد تتسبب في إرباك جهوده، لهذا كانت أهم مطالبه من جميع الأطراف السابقة تغليب العمل السياسي على التحركات العسكرية، والتركيز على مسار السلام، وقد منح الجميع وعودًا باحتوائهم في مشاورات والتسوية الشاملة في اليمن.

واستمر هذا الزخم السياسي مع قرار المجلس الانتقالي الجنوبي الاستجابة لدعوة السعودية لزيارة الرياض، واستئناف مشاورات تنفيذ اتفاق الرياض، الذي شهد جمودا منذ مطلع العام بعد تشكيل الحكومة وعودتها إلى العاصمة المؤقتة عدن، وبات يشير إلى مرحلة بناء توافقات ترتفع على أثرها فرص التحولات الإيجابية لكبح ميليشيات الحوثي بعد توحيد جهود جميع هذه القوى.

وهكذا أثمرت التحركات بين الحلفاء تغيرات إيجابية ميدانية وعسكرية تكللت بقيام القوات المشتركة في الساحل الغربي 11 نوفمبر، بتنفيذ عملية انسحابات وإعادة انتشار لمختلف الألوية العسكرية إلى مواقع على ضفاف الساحل الغربي.

معطيات الميدان

بالنظر إلى المعطيات على الأرض يبدو واضحًا ارتفاع منسوب العمليات العسكرية يومي 22 - 23 نوفمبر في محافظة الضالع، حيث شهدت زحوفا واسعة من 3 مسارات نفذتها القوات المشتركة بالتعاون مع المقاومة الجنوبية في اتجاه شمال المحافظة بقطاعات الفاخر، وباب الغلق وصبيرة والجب، وكبدت الميليشيات الحوثية خسائر كبيرة، وذلك بالتزامن مع تطورات الساحل الغربي إذ نجحت القوات المشتركة «المقاومة الوطنية حراس الجمهورية، والتهامية، وألوية العمالقة» في تسجيل اختراقه منذ انطلاق عملياتها فجر 19 نوفمبر، واتخاذها من مديرية حيس الإستراتيجية جنوب الحديدة منطلقًا وقاعدة لإدارة المعارك في مسارات متعددة، وذلك عقب تأمينها كليا من الداخل إلى ضواحيها، وفتح الطرقات الواصلة بين المناطق وتطهيرها من الألغام والعبوات الناسفة التي زرعتها الميليشيات بصورة كثيفة.

وفي الوقت الراهن تتوزع محاور العمليات العسكرية في جبهات الساحل الغربي إلى مسارين رئيسيين:

المسار الأول: الشمالي والشمالي الشرقي، الذان يربطان مدينة حيس في الحديدة بحدود إدارية محافظات تعز وإب وذمار، التي يتمركز فيها الحوثيون.

وهنا واصلت المشتركة تقدمها إلى مناطق جنوب مدينة الجراحي، كما فرضت سيطرة نارية على مثلث «العدين - زبيد» من مواقعها أعلى قمة سلاسل دباس الجبلية، وبموازاة ذلك تمكنت من المتوغلة شمالاً من وادي نخلة «شرقي حيس»، والوصول إلى منطقة «المرير» بمديرية جبل رأس، وأصبحت على مسافة كيلو مترات معدودة من المركز الجمركي المستحدث للميليشيات الحوثية بأطراف سوق «المبرز».

المسار الثاني: الشرقي والغربي من وإلى محافظة تعز، فالقوات المشتركة تواصل التوغل من شرق حيس على امتداد «وادي نخلة» بعد أن تمكنت من تأمين تحركاتها بالسيطرة على جبال السويهرة والبراشة المطلة والحاكمة على المسرح العسكري، والتقدم نحو جبال ومناطق «سُقم» و«شمير» و«غرة شمير»؛ لتتمكن من إحكام الحصار على ما تبقى من الميليشيات في سوق مقبنة والبرح من الجهة الغربية لتعز، بينما تتمركز القوات المتقدمة من جبال «العراف وغباري» على المشارف الجنوبية لمدينة «الحوبان»، بانتظار وصول قوات محور تعز العسكري التي يجب أن تبدأ في تصعيد معاركها في مديرية جبل حبشي ومدينة تعز، في محاولة للتقدم نحو مقبنة وشارع الستين في ريف تعز الشمالي الغربي، والوصول إلى مناطق الشمال الشرقي كي تلتحم مع القوات المشتركة واستكمال تحرير المحافظة، وذلك وفقًا للخطة العسكرية.

تضاعف الضربات

تضاعفت الضربات الموجعة التي تعرضت لها الميليشيات أثناء المعارك بعملية نوعية استهدفت قيادات بارزة في هيكلها الميليشياوي، حيث نفذت المشتركة ضربتها مستندة إلى معلومات ورصد استخباراتي وجاهزية عملياتية، عن طريق قصف صاروخي موجه على ثكنات يجتمع فيها قيادة الميليشيات أصاب الأهداف بشكل مباشر، وأسفر عن مقتل المشرف الأول عابد هجوان على مديرية مقبنة غرب تعز، وكذلك القيادي الميداني مشتاق أحمد بن أحمد وعدد من العناصر، فيما تعرض لإصابات خطيرة كل من عبدالرحمن الجرزي مسؤول نقاط الجبايات في منافذ حيس ومقبنة، ومعه عدة أفراد.

وفي المجمل تشير التطورات الميدانية ومستوى التحضيرات العسكرية إلى أن المعارك ستذهب نحو مزيد من التصعيد، في ظل الإصرار على توسيع خارطة المواجهات وتمددها إلى داخل الريف الغربي لمحافظة تعز بمديرية مقبنة واقترابها من مديرية العدين في محافظة إب.

يذكر أن المناطق التي تشهد قتالا لا تدخل ضمن توافقات السويد فقد كانت خارج العمليات العسكرية أثناء معارك 2018 التي وضعت تركيزها على الوصول إلى ميناء ومدينة الحديدة، فيما بقيت هي مسرحًا للميليشيات تنفذ من خلالها خروقاتها اليومية لاستنزاف المشتركة عبر الهجمات المحدودة، وتسلل العناصر لزراعة الألغام وتنفيذ عمليات قنص.

ارتباك الحوثي

أسهمت التحركات العسكرية بشكل واضح في الدفع نحو تسريع التطورات المفاجئة، التي لم يكن الانقلابيون على استعداد لمواجهتها، وبالاستناد إلى تشخيص الكاتب اليمني معن دماج فإن «التوغل السريع في مساحات واسعة وصعبة جغرافيا يعكس -إضافة إلى تفوق وتكتيك القوات المشتركة- كون جبهات الحوثي فارغة، وأنه رمى بثقله باتجاه مأرب في مغامرة ربح كل شيء، الآن إذا استمرت العمليات فإنه خلال أسبوع أو اثنين سيتوقف عن تعزيز مأرب، وخلال ثلاثة أسابيع وشهر سيبدأ بالسحب منها والتحول إلى وضع الدفاع».

ممكنات قائمة

أثبتت التحركات والجهود التي قادتها السعودية أن ممكنات العمل المشترك قائمة، بما تحمله من تداعيات إيجابية على موقفها السياسي والعسكري، وبما خلقته من ديناميكيات تؤسس لمرحلة جديدة في مسار الصراع، حيث من المتوقع أن تسهم في تعديل ميزان القوة مع استمرار الحلفاء في استعادة زمام المبادرة، وتعرض الميليشيات لخسائروانتكاسات ميدانية كبيرة والانهيارات في مناطقها جراء عدم مقدرتها على ترتيب صفوف عناصرها، أمام الزحف المستمر للمشتركة المدعومة بمقاتلات التحالف العربي، عوضا عن الخسائر في العتاد العسكري والعتيد البشري في وقت قياسي.

حتى الآن ساعدت التحولات الميدانية في إرباك الموقف العسكري للحوثيين، الأمر الذي يؤكده دماج، في أن ‏«مكاسب الميليشيات يمكن أن تتبدد فضلا عن أن خسائرها في مأرب -سلاحا وبشرا خصوصا الأسلحة الثقيلة والضباط- غير قابلة للتعويض».

تطورات مربكة

أربكت التطورات الأخيرة جماعة الحوثي، وبحسب التقديرات قد تدفعها في قادم الأيام إلى تقليل مستوى الضغط العسكري في محافظة مأرب والاستجابة لتقدم القوات المشتركة غربًا.

كما أن تلك التحولات ستثمر في تحسين مؤقت لموقف الحلفاء والشرعية على طاولة النقاش السياسي والمبادرات، بعد أن تغير موقف المجتمع الدولي من الميليشيات بشكل واضح، مما دفعها لى اقتحام مقرات البعثات الدبلوماسية في صنعاء، ودخول السفارة الأمريكية واعتقال الموظفين، في صورة تعبر عن مستوى التخبط الذي تعانيه، وما تلا هذه الخطوة غير المحسوبة من اتخاذ مجلس الأمن الدولي موقفًا صارمًا عبر إدانة الميليشيات وفرض عقوبات على قيادات عسكرية.

لقد أجبرت هذه المتغيرات القيادي في الميليشيات، نائب وزير خارجيتها حسين العزي، على إطلاق تصريحات وكتابات في مواقع التواصل الاجتماعي يستجدي فيها الأمريكيين التدخل لوقف التحولات، وذلك بطرق غير مباشرة حين اتهم واشنطن بالوقوف ورعاية التصعيد العسكري، الذي تشنه قوات المشتركة على الأرض أو العمليات الجوية التي يقودها التحالف ضد مخازن الأسلحة الحوثية في صنعاء وذمار وعمران وغيرها من المحافظات، وإحباطه محاولات قصف الداخل السعودي بالطيران المسير والصواريخ البالستية.

العبرة في الثبات

الأكيد أن هذه النتائج المباشرة غاية في الأهمية، لكنها تظل آنية ومؤقتة ما لم يترتب عليها تحولات جذرية في معادلة الصراع بشكل عام، واستمرار تغيير خارطة التفاعلات ومضاعفة المكاسب.

وتؤكد المعلومات أن الميليشيا تسابق الوقت بالتحشيد البشري والعسكري لتعزيز مواقعها في مديرية سامع ومقبنة في تعز لتأخير الانهيارات التي لحقت قواتها هناك، والمحافظة على مسار المعارك في محافظة مأرب حتى تبقي على مكاسبها.

وبالتالي تصبح أهمية المعارك الجارية في تعز وريف الحديدة والضالع في الوقت الراهن مضاعفة كونها المحافظات المفتاحية المرشحة لتغيير المعادلة العسكرية القائمة في المحافظات الشمالية، وباعتبارها المعادل السياسي والعسكري الذي يتوسط محافظة مأرب في المعادلة، إذ يمكن لتلك المناطق أن تغير الواقع في حال استمرت الجهود العسكرية بين مختلف الفرقاء والحلفاء الشرعيين لخوض معركة حاسمة والتقدم من خلالها شمالاً نحو محافظة إب، وعدم الاستجابة للضغوط الدولية للتوقف وتجميد المعارك.

هذا المشهد يضع عدة تحديات، ويوضح أن المرحلة المقبلة لن تكون اعتيادية بل ستكون الأصعب نظرًا لطبيعة تضاريس المعارك وتنوع مسارح العمليات، وكذلك قدرة الحلفاء اليمنيين بإسناد من الرياض على استثمار الميدان لخلق واقع جديد على الطاولة السياسية، كما فرضته الميليشيات خلال المرحلة المنصرمة.

تحولات ميدانية تؤكد مكاسب التحالف والشرعية

- الميليشيات الحوثية تمنى بهزائم ثقيلة.

- الخسائر الحوثية تتجلى في فقدان عدد من القيادات الميدانية.

- الحوثي يشعر بالضغط ويناشد المجتمع الدولي للتدخل.

- الميليشيات تسعى بكامل طاقتها لتأخير الانهيارات الميدانية.

- السعودية تقود تحركات تعديل المعادلة العسكرية.

- تحسن وضع الشرعية الميداني يعزز موقفها التفاوضي.

- الرياض تقود جهود اليمنيين لخلق واقع جديد على الطاولة السياسية.


المصدر: الوطن السعودية