عربي ودولي

الإثنين - 30 مايو 2022 - الساعة 01:41 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ متابعات:


استقرت الإدارة الأميركية على أن أفضل طريقة للحفاظ على علاقات قوية مع القاهرة أن تقوم بتطوير التعاون العسكري معها وتجنب إثارة قضايا خلافية سياسية تتعلق بالموقف من الأزمة مع روسيا، أو عدم التجاوب مع تطلعاتها في ملف الحريات.

وأدى هذا التطور، والذي عززه الإعلان أخيرا عن صفقة أسلحة جديدة مع مصر بقيمة 2.6 مليار دولار، إلى تحول وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) إلى رأس حربة لتطوير العلاقات مع القاهرة بدلا من وزارة الخارجية التي بدت تحركاتها أقل مرونة.

وأسهمت دبلوماسية الصفقات العسكرية في خفض صوت من طالبوا بوقفها منذ سنوات، وتوارى كثير ممن حرضوا الإدارة الأميركية على اقتطاع جزء من المساعدات المقدمة لمصر ردا على عدم تأقلمها مع المعايير الخاصة بحقوق الإنسان.

وجرى الإعلان منذ بداية العام الجاري عن التوصل إلى صفقات تقضي بتوريد واشنطن للقاهرة أسلحة متعددة بلغت نحو خمسة مليارات دولار، وهو رقم ضخم، حيث كانت الصفقات محدودة وقاصرة على المساعدات العسكرية التي التزمت بها واشنطن منذ التوقيع على اتفاقية سلام بين مصر وإسرائيل، ولا تتجاوز 1.3 مليار دولار.

وأعلن مكتب الشؤون العسكرية والسياسية التابع لوزارة الخارجية الأميركية على حسابه على تويتر الخميس عن الموافقة على “مبيعات عسكرية أجنبية مقترحة لمصر تشمل ما يصل إلى 23 طائرة هليكوبتر من طراز شينوك 47 والمعدات ذات الصلة بتكلفة تقديرية تبلغ 2.6 مليار دولار”.

وكانت مصر قد طلبت من الولايات المتحدة شراء 23 من هذا النوع من الطائرات مؤخرا، وسوف يكون المتعاقد الأساسي شركة بوينغ الأميركية.

وقالت وكالة التعاون الأمني الدفاعي إن حزمة العتاد العسكري تضم 56 محركًا من طراز (T-55-GA-714A) و75 مدفعًا رشاشًا من طراز (M-240) وغيرها من الأنظمة العسكرية.

وتزود هذه الطائرات بتكنولوجيا متقدمة ومُخصصة للنقل التكتيكي، وقادرة على العمل في ظروف جغرافية صعبة ونقل بين 30 إلى 50 عنصرًا مقاتلًا بكامل تجهيزهم القتالي، وشحن حمولات تصل إلى 12 طنًا، وحمل مدفع “هاوتزر” بجانب عربة أو عربتي هامفي، كما أنها قادرة على الطيران مسافة 600 كيلومتر.

وقال الباحث المصري في الشؤون الدولية عمرو عبدالعاطي لـ”العرب” إن الجانب العسكري هو العمود الفقري الذي ربط بين واشنطن والقاهرة طوال العقود الماضية، وحافظ على العلاقات في وقت شهدت فيه أحيانا توترات غير مسبوقة، خاصة في أواخر فترة الرئيس الأسبق باراك أوباما.

وأضاف أن هناك يقينا لدى البنتاغون بأهمية دور مصر في عمليات مكافحة الإرهاب، والاستقرار الإقليمي، وهو ما تجلى في زيارات الكثير من المسؤولين العسكريين والأمنيين الأميركيين، فضلا عن التعاون الاستخباراتي المهم لواشنطن.

وأكد أن استمرار صفقات الأسلحة يأتي تحت ضغوط بعض اللوبيات، ومنها المجمع الصناعي العسكري الذي يوفر المزيد من الوظائف في وقت يحاول فيه الاقتصاد الأميركي التعافي، ما يعني أن البنتاغون يلعب دورا كبيرا في تعزيز العلاقات بين البلدين لأسباب عملياتية.

وتوصلت واشنطن إلى قناعة بأن الصفقات سلاح مهم بالنسبة إلى مصر التي تسعى منذ فترة لتنويع مصادرها وتخفيف الاعتماد على حصر عتادها العسكري على الولايات المتحدة، ما جعلها تتجه إلى أسواق روسيا والصين وألمانيا وإيطاليا وفرنسا.

وجاءت أزمة أوكرانيا لتكتشف الإدارة الأميركية أنها عاجزة عن الحصول على مواقف حاسمة من حلفائها وإدانة الغزو العسكري الروسي لأوكرانيا، وأقصى ما حصلت عليه من مصر ودول عربية عديدة عدم الانحياز سياسيا بشكل صريح إلى موسكو، وهو ما ينطوي أيضا على عدم الانحياز لتوجهات الولايات المتحدة.

وبدأت واشنطن تعيد صياغة منظومة سياستها الخارجية على ضوء تبعات الأزمة الأوكرانية منذ حوالي ثلاثة أشهر، كي تستعيد علاقتها القوية مع الدول الحليفة التي يمكن أن تتسرب من بين يديها نتيجة حسابات خاطئة تتبناها إدارة الرئيس جو بايدن، وتحافظ على مصالحها في مناطق قررت الانسحاب تدريجيا منها.

وتنوعت وسائل إعادة النظر بين تنشيط الروابط السياسية والعسكرية وبين تعظيم المصالح المشتركة، لأن الفراغ الذي يمكن أن تتركه واشنطن يصب في صالح خصميها اللدودين، روسيا والصين، حيث تظهران مرونة كبيرة مع دول كثيرة.

ووجدت الإدارة الأميركية في الصفقات العسكرية وتوظيف العلاقة القوية التي تربط البنتاغون بالقاهرة مدخلا مهما، ومنحت هذا الاتجاه ما يمكن وصفه بـ”الضوء الأخضر” لترتيب العلاقات مع مصر بما يخدم البلدين، ما يفسر زيادة وتيرة زيارات المسؤولين العسكريين إلى القاهرة في الأسابيع الماضية وتطوير القواسم المشتركة.

وقام قائد القيادة المركزية الأميركية الجديد مايكل كوريلا بزيارة إلى القاهرة قبل أيام، وتبعه مستشار الأمن القومي جيك سوليفان، وحرص كلاهما على تأكيد أهمية تطوير العلاقات العسكرية مع مصر ومساعدتها بمعدات مختلفة في حربها ضد الإرهاب.

وقال قائد القيادة المركزية الأميركية السابق الجنرال فرانك ماكنزي خلال جلسة استماع أمام لجنة القوات المسلحة بمجلس الشيوخ في مارس الماضي “أعتقد أن لدينا أنباء جيدة بالنسبة إلى مصر، سنزوّدها بمقاتلات إف – 15″، مشيرا إلى مسار طويل وشاق تم اجتيازه في هذا الإطار.

وأخطرت وزارة الدفاع الأميركية (البنتاغون) الأسبوع الماضي الكونغرس بأنها وافقت على بيع محتمل لصواريخ مضادة للدبابات بقيمة 691 مليون دولار لمصر.

وأكدت وكالة التعاون الأمني الدفاعي أن البيع المقترح للصفقة الجديدة “يدعم السياسة الخارجية والأمن القومي من خلال المساعدة في تحسين أمن حليف رئيسي من خارج الناتو لا يزال شريكًا استراتيجيًا مهمًا.. وسيحسن قدرات مصر لتعزيز دفاعها عن الوطن وردع التهديدات الإقليمية”.

وأشارت الوكالة في يناير الماضي إلى اتفاق بشأن صفقة بيع طائرات للقاهرة من نوع “سوبر هركليز” مع عدة أنظمة رادارية “إس.بي.إس – 48″، بقيمة 2.2 مليار دولار.

وتحرص واشنطن في جميع الصفقات التي تعقدها أو تنوي عقدها مع دول المنطقة ألا تخل بالتوازن العسكري الذي تقيمه لصالح إسرائيل، غير أن انفتاحها على مصر أو غيرها يقلل من التمادي في الاعتماد على دول أخرى بارعة في مبيعات السلاح.

ويقول مراقبون في القاهرة لـ”العرب” إن المرونة الأميركية مع مصر في الصفقات العسكرية لا تشير إلى التخلي عن عقد صفقات مع روسيا والصين أو غيرهما أو حدوث تغيير في المواقف السياسية، فلا تزال لدى القاهرة هواجس من الاعتماد على واشنطن، ففي ظل التقلبات التي تعصف بتوجهاتها لا يوجد شيء مضمون معها.

ويضيف المراقبون أن تنويع مصادر السلاح خيار استراتيجي وليس تكتيكيا، والسخاء الظاهر من قبل الولايات المتحدة لا يزال محدودا بسقف معين ويرتبط بمدى تجاوب مصر مع السياسة الأميركية، وهي سياسة معقدة ومتغيرة ويصعب التعويل عليها.

المصدر: العرب اللندنية