ملفات وتقارير

الأحد - 11 سبتمبر 2022 - الساعة 09:06 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ توفيق علي:


عادت أنشطة تنظيم "القاعدة" في اليمن على نحو أشد ضراوة منذرة بتفاقم مشاهد العنف عقب سنوات من انشغال البلد الغارق بالدماء بسجال الحرب الدائرة ومآلاتها التي أشعلتها ميليشيات الحوثي بانقلابها المسلح على الدولة والإجماع الوطني في عام 2014 بدعم إيراني غير محدود.

وخلال الأيام الماضية سجل التنظيم المصنف في أعلى قوائم القوائم الإرهابية عودة قوية عقب سنوات من الانكفاء بشنه سلسلة عمليات دامية استهدفت نقاطاً عسكرية تابعة لقوات الحزام الأمني الموالي للمجلس الانتقالي الجنوبي في مديرية أحور التابعة لمحافظة أبين المحاذية للعاصمة الموقتة عدن (جنوب اليمن) راح ضحيتها نحو 50 مجنداً بين قتيل وجريح.

عودة بابتزاز

هجوم أحور الذي نفذه تنظيم "القاعدة" عبر جناحها "أنصار الشريعة" الذي خلف نحو 21 قتيلاً من جنود وضباط قوات الحزام الأمني فيما قتل سبعة من عناصر التنظيم جاء بعد أيام من بثه مناشدة لأحد الموظفين الأمميين المختطفين منذ الـ11 فبراير (شباط) الماضي محاولاً استخدامه لمقايضة الحكومة اليمنية لإطلاق سراحه مقابل فدية مالية وتحرير عدد من معتقليه.

و"أنصار الشريعة" اسم استحدثه التنظيم للمرة الأولى في يناير (كانون الثاني) عام 2009 بعد تصنيفه على قوائم الإرهاب العالمية، وعاد إلى استخدامه أخيراً عقب ارتفاع وتيرة الضربات التي تلقاها مسلحوه جنوب شرقي اليمن على يد قوات الحزام الأمني بدعم من التحالف العربي.

وفي عام 2012 أدرجت واشنطن "أنصار الشريعة" على قوائم الإرهاب كاسم آخر لتنظيم "القاعدة" في جزيرة العرب باليمن، واعتبرته "أخطر فروع التنظيم على مستوى العالم".

"سهام الجنوب" والشرق

النشاط المتنامي للتنظيم المحظور دولياً دفع قوات موالية للحكومة اليمنية أمس السبت، لإطلاق عملية عسكرية واسعة "ضد معاقل الإرهاب" في محافظة شبوة النفطية (جنوب شرقي) بعد أيام من عملية مماثلة في أبين المحاذية لها.

وقالت إن عملية "سهام الجنوب" التي أعلنت عنها القوات الجنوبية المشتركة بدعم من التحالف العربي بمحافظة شبوة تأتي استكمالاً لعملية (سهام الشرق) التي انطلقت بمحافظة أبين قبل أيام".

ونقلت قناة "اليمن" الفضائية، اليوم الأحد، عن مصدر عسكري قوله "إن العملية انطلقت على اتجاهين؛ الخط الساحلي والمناطق الوسطى"، مضيفاً أن "طائرات مسيرة تابعة للقوات الجنوبية رصدت حشوداً وترتيبات تقوم بها عناصر القاعدة في جبال موجان للقتال"، مؤكدا أن القوات الجنوبية عازمة على دخول الجبال وتطهيرها من هذه العناصر.

وفجر التنظيم الإرهابي عبوات ناسفة على الخط الساحلي بين مدينة عتق، مركز المحافظة الإداري، ومنطقة "بئر علي"، لإعاقة تقدم القوات، إلا أن وحدات هندسية في الجيش "نجحت في التعامل معها"، في حين واصلت القوات تقدمها باتجاه المناطق الوسطى صباح اليوم، وتجاوزت، وفقاً لسكان محليين نقيل العرقوب" نحو "لودر" و"مودية" و"الوضيع" شمال شرقي محافظة أبين للانتشار فيها وتأمينها.

تأويلات السياسة

يأتي هذا التطور عقب أيام قليلة من إطلاق قوات الحزام الأمني عملية عسكرية سمتها "سهام الشرق" تهدف إلى "القضاء على التنظيمات الإرهابية في محافظة أبين"، وذلك في أولى مهامها المكلفة حماية المحافظة عسكرياً، وهو ما فتح باب التأويلات السياسية على مصراعيه بين من يرى أن عودة "القاعدة" التي شنت عمليات مباغتة جاء رداً على تسلم هذه القوات لمهمة حماية المحافظات المحررة على حساب قوات "الجيش الوطني" المتهم بإخفاقاته وتقديم الولاء الحزبي على ما عداه، ومن يراه استغلالاً طبيعياً من "القاعدة" لغياب التنسيق بين الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية بفعل التصدعات الحادة التي يعانيها جدار الشرعية اليمنية.

أداة للصراع

في حين يذهب كثير إلى الحديث عن تنسيق بين "القاعدة" والحوثي، بخاصة أن هجمات أبين ترافقت مع تكثيف ميليشيات عملياتها القتالية وخروقها للهدنة الأممية القائمة ضد قوات الجيش اليمني والمقاومة في جبهات مأرب (شرق اليمن) وتعز (جنوب غربي اليمن).

ويقول المحلل السياسي علي العبسي، "ندرك أن (القاعدة في اليمن) كانت جزءاً من أدوات إدارة الصراع بين مختلف القوى، بمعنى أن (القاعدة) ليست نتاجاً طبيعياً للظروف الاجتماعية والسياسية في اليمن، بل إن جزءاً كبيراً من عوامل ظهورها يعود إلى مساهمة أجهزة الدولة، وخصوصاً النظام السابق لعلي عبدالله صالح".

ويضيف، "سعى صالح إلى تكوين هذا التنظيم وتسهيل عمله ليسهل له استخدامه في إدارة الصراع السياسي وحتى العسكري، بالتالي لا يمكن القول إن تنظيم (القاعدة) يتحرك بمنأى عن إملاءات الطرف الذي يسيطر عليه".

"القاعدة" في استخبارات صنعاء

يمكن فهم طبيعة أبعاد هذه التأويلات بحالة التنابز السياسي المعلنة بين مختلف القوى السياسية اليمنية واتهام بعضها بموالاة "القاعدة" أو التنسيق معها على الأقل، وهي الاتهامات المتداولة منذ فترة عهد الرئيس الأسبق علي صالح الذي كان يتهمه خصومه بـ"استخدام القاعدة" لمواجهة خصومه السياسيين، وإدارة اليمن بـ"بالصراعات" في بلد أغرق بنحو 70 مليون قطعة سلاح وفقاً لإحصائية صدرت قبل الحرب.

ويضيف العبسي، "الواقع يقول إن (القاعدة) كانت تدار من أجهزة الاستخبارات بصنعاء والحوثيين ورثوا هذه الأجهزة وورثوا جزءاً كبيراً من الكادر البشري الذي كان يدير هذه الملفات وجزء كبير منهم أيضاً يعمل تحت سلطة الحوثي ووظف جزء منهم للدور نفسه، ولكن لصالحه"، لكن الحوثيين ينفون تلك العلاقة كما نفتها حليفتهم إيران من قبل إلا أنها ظلت تحافظ على خيوط مع (القاعدة) حتى اليوم، وفق التقارير الدولية".

رأس الحربة جنوباً

برز تنظيم "القاعدة" في اليمن عقب تحقيق الوحدة اليمنية في عام 1990، وأعلن عن نفسه في جبال المراقشة في أبين عقب موافقة الرئيس اليمني علي صالح على طلب أميركي باستقبال العائدين من أفغانستان الذين رفضت دولهم استقبالهم وسط ما يمكن تسميته الترحيب الرسمي بهم.

ويعلق العبسي على تلك الخطوة بالقول إنه جرى "توظيف كثير من قادة (القاعدة) في القوات المسلحة من قبل علي صالح والجنرال في الجيش علي محسن الأحمر الذي منحهم لواءً متكاملاً يتبع الفرقة الأولى مدرع (تعد ثاني أكبر قوة عسكرية بعد الحرس الجمهوري)، وتم استخدامهم بقوة في الصراع مع الحزب الاشتراكي الذي كان صاحب السلطة الجنوبية، وتم دعم تحركاتهم جنوباً، أي إنهم كانوا بمثابة رأس الحربة المتقدم لقمع شريك الوحدة الجنوبي"، وهي تهمة ينفيها الأحمر ومن قبله صالح على رغم ترددها في سياقات مختلفة سنوات ما قبل الانقلاب.

لماذا أبين؟

وهذه ليست المرة الأولى التي ينشط فيها تنظيم "القاعدة" في أبين التي ينتمي إليها ثلاثة من رؤساء اليمن التاريخيين، وهم سالم ربيع علي (سالمين) وعلي ناصر محمد، وعبدربه منصور هادي، إذ سبق ذلك محاولات عدة انطلاقاً من الأهمية الاستراتيجية الجيوسياسية بغرض السيطرة على المحافظة التي تعد بوابة عدن الشرقية للعاصمة والوصول إلى أهم الممرات البحرية العالمية عقب تلقيه ضربات قاصمة منذ 2015 على يد قوات الحزام الأمني مسنوداً بالتحالف العربي أسهم في تشتيت قواه، كأهمية قصوى أوضحها مسعاه الحثيث بهجومه الأخير الذي استخدم فيه أسلحة متطورة وقذائف صاروخية بحسب بيان قوات الحزام الأمني، وهو ما يعكس مدى التطور الخطر الذي أضحى يمثله التنظيم على جهود مجلس القيادة الرئاسي لضبط الأوضاع الأمنية في المناطق المستعادة وتوحيد ودمج جهازها الإداري والعملياتي.

ولا يزال لتنظيم "القاعدة" وجود قوي في شبه الجزيرة العربية على رغم الحملة المكثفة التي يشنها منذ عشر سنوات كل من الجيش الأميركي والتحالف العربي، مستغلاً في ذلك حالة الفوضى التي تعيشها البلاد ووجود مساحات شاسعة خالية في جنوب اليمن.

"الإصلاح" متهم

لطالما كانت العلاقة متوترة بين حزب الإصلاح الذي يتهم بسيطرته على قرار الشرعية خلال السنوات الماضية وباقي القوى السياسية بلغ حدته مع أحداث شبوة الأخيرة (شرق اليمن) بعد أن أصدر رئيس مجلس القيادة الرئاسي قراراً قضى بتغيير قادة أمنيين موالين للحزب ذي المرجعية الإسلامية "إخوان مسلمين"، وهو ما دفعه إلى إطلاق حملة تحذر من استهدافه بلغت حد التشكيك في شرعية مجلس القيادة الرئاسي ورئيسه رشاد العليمي، مما دفع عدداً من القوى لاتهامه بالتنسيق مع "القاعدة" مستندين إلى ترحيبه بعودة المقاتلين العرب خلال التسعينيات واستخدامهم في حرب صيف عام 1994 التي انتهت باجتياح الجنوب.

يقول المحلل العسكري عبدالعزيز الهداشي إن الجماعات "الجهادية" تنظر إلى الجميع، حوثي وإصلاحي وحكومة، وغيرها، على أنهم كفار يجب قتالهم كون جميعهم عملاء لأميركا، ولهذا ففكرة تنسيقهم مع "الإصلاح" أو أي حزب سياسي حديث غير منطقي.

ويضيف، "الجماعات الإرهابية السنية التي انتشرت بعد حرب أفغانستان ينظرون إلى أغلب الحكومات العربية والأحزاب السياسية على أنها عميلة لأميركا وإسرائيل، ويعتبرون الجنود الذين يعملون في القطاع الحكومي، حتى لو كانوا جنود المرور، على أنهم تابعون يحمون الحكومات العميلة، بالتالي تستحل دماؤهم".

فكرة الابتعاد عن الحوثي

بالحديث عن دلالات انتشار أنشطة التنظيمات الإرهابية في مناطق سيطرة الشرعية والنأي عن مناطق سيطرة الحوثيين مع اتهامات الحكومة الشرعية على لسان وزير خارجيتها أحمد عوض بن مبارك عن تنسيق بين الحوثي و"القاعدة"، يفيد بأن "القاعدة" نفذت عدة عمليات عقب دخول الحوثيين إلى صنعاء من ضمنها عملية جامع بدر الشهيرة في عام في 20 مارس (آذار) 2015.

ويعيد نأي "القاعدة" عن قتال الحوثي إلى "قبضتهم الأمنية القوية وتمكن ميليشيات الحوثي من الإمساك ببعض مقاتلي (القاعدة) وبعضهم فروا إلى مناطق الشرعية، إذ إن المساحات الجغرافية أكبر والقبضة الأمنية مشتتة وغير فاعلة وليست مدربة على مواجهة التنظيمات الإرهابية".

أولوية العمل الاستخباراتي

التغييرات السياسية التي جرت على هرم السلطة في أبريل (نيسان) الماضي، نتاج مفاوضات يمنية – يمنية جرت برعاية مجلس التعاون الخليجي بعثت إلى التنظيم رسالة بعدم أمان، وهو ما ترجمته في ردود الفعله على تشكيل المجلس الرئاسي. ولهذا فمقاتلو "القاعدة" يعتمدون، وفقاً للهداشي، على حرب العصابات الخاطفة مستغلين شتات وضعف الأجهزة الأمنية والعسكرية والاستخباراتية وغياب التنسيق بينها لعوامل عدة خلقتها حرب الحوثي وتباين الشرعية اليمنية وعدم واحدية جهازها الأمني والاستخباراتي.

وتؤكد البيانات الدولية الصادرة أن تنظيم "القاعدة" لا يزال وجوده قوياً في اليمن على رغم الحملة المكثفة التي يشنها منذ عشر سنوات كل من الجيش الأميركي والتحالف العربي مستغلاً في ذلك حالة الفوضى التي تعيشها البلاد.



المصدر: اندبندنت عربي