ملفات وتقارير

الإثنين - 05 ديسمبر 2022 - الساعة 08:40 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ وكالات:


خلال سنوات الحرب، توالت شكاوى الطلاب من خريجي المرحلة الثانوية في اليمن من عدم حصولهم على فرصهم في إكمال تعليمهم الأكاديمي في محاولة لرسم ملامح مستقبل أفضل، ليكتشفوا أن حكومتهم الشرعية لا تضع المنح الدراسية وفقاً للأحقية والمفاضلة على قدم المساواة ولكن يداً نافذة تزيل وتضع من تشاء من أبناء الذوات والنافذين والتجار ومن تقرب إليهم.


في هذا السياق كشفت وثائق رسمية مسربة يوم السبت، عن تصدر أبناء مسؤولين رفيعين ونافذين في الحكومة الشرعية وقيادات حزبية، قوائم المنح الدراسية المعتمدة للطلاب اليمنيين في الخارج، ما أثار موجة غضب عارمة عبّرت عنها الجموع اليمنية في مواقع التواصل الاجتماعي التي باتت ساحة اليمنيين المتبقية لرفع أصوات احتجاجهم.

وبلغ عدد المنح المعتمدة لدى وزارة التعليم العالي والبحث العلمي خمسة آلاف مبتعث في الدراسات الجامعية والعليا.

وقال يمنيون تعليقا على ما جرى، إنهم - أي المسؤولين - "حولوا مؤسسات الدولة إلى إقطاعيات خاصة لأبنائهم وذويهم ومن يحسب عليهم".



إخوان اليمن "حزب الإصلاح" رأس الحربة


ووضعت حملة إعلامية قيادات إخوان اليمن تحت مقصلة المحاكمة الشعبية، بعد عبثها طيلة 8 أعوام بالمنح الدراسية مستغلة اختطافها لقرار الشرعية، حيث نشر ناشطون يمنيون مئات الوثائق المسربة التي تكشف استحواذ قيادات حزب الإصلاح الإخواني على نصيب الأسد في كشف المنح خارج اليمن على رأسهم رئيس التجمع اليمني للإصلاح محمد اليدومي وأمينه العام بالإضافة للقيادي الإخواني النافذ حمود سعيد المخلافي.
 
وسرعان ما تحولت القضية إلى قضية رأي عام، حيث اتهم اليمنيون تحت وسم "فساد المنح" وزير التعليم العالي الموالي للإخوان خالد الوصابي بالتورط بتسهيل منح لأبناء قيادات التنظيم الإرهابي على حساب أوائل الجمهورية الذين وجدوا أنفسهم عاجزين عن مواجهة منظومة الفساد الإخواني الذي تبتلع البلد المنهك بالحرب الحوثية منذ أواخر 2014.
 
وبحسب النشطاء فإن المنح الخارجية التي خصصها الإخوان لأبنائهم وأقاربهم تغطي الرسوم الدراسية وتكلفة المعيشة والتأمين الصحي وتمتد لتشمل تكاليف معيشة أسرهم، كملاذ لجأ له التنظيم لتأمين أسر قياداته خارج اليمن الذي يعيث فيها الفساد والفتن.
 
وتوفر الدراسة بالخارج لأبناء قيادات إخوان اليمن حواضن آمنة بعيدا عن حرب البلد المستعرة لتعيدهم لاحقا قيادات في الدولة التي يتم إنهاك قدراتها ويتم تسخير إيراداتها لدفع ملايين الريالات كنفقات لأبنائهم وأسرهم المبتعثين لدول أوروبية وآسيوية وأفريقية.
 
زعماء الفساد
 
رغم عمله من خارج الشرعية باعتباره أحد كبار تنظيم الإخوان باليمن ورغم إدارته لمشاريع اقتصادية ضخمة للتنظيم إلا أن الأمين العام لحزب التجمع اليمني للإصلاح رفض تحمل نفقة أقاربه من حسابه الخاص وفضل استغلال نفوذه في ضمان توفير منح دراسة على حساب اليمن.

ويتصدر عبدالوهاب الآنسي قائمة قيادات الإخوان بعد ابتعاثه شخصيا اثنين من أحفاده إلى تركيا، الأول الرشيد عامر، لدراسة الطب لمدة 7 أعوم برتب شهري 1800 دولار، والآخر العز عامر، وهو مبتعث منذ 2018 لدراسة الاقتصاد بمخصص شهري 1800 دولار أمريكي.
 
ويحتل المرتبة الثانية، الإخواني حمود سعيد المخلافي الذي ينصب نفسه قائدا أعلى لكيان ما يعرف بـ"مجلس المقاومة"، والذي ثبُت تورطه بنهب مخازن السلاح وتحويل الدعم من جبهات الحوثي إلى استثمارات خاصة خارج اليمن.
 
كما كان ولا يزال يعمل بالوكالة لدول وأطراف إقليمية للعبث باليمن وخدمة أجندات مشبوهة، لكن ورغم نفوذه وسطوته العسكرية والأمنية إلا أنه اعتمد على المنح الدراسية لتوفير ملاذ آمن لأبنائه وأسرته خارج اليمن.
 
وبحسب الوثائق المسربة والتي اطلعت عليها "العين الإخبارية"، فإن الإخواني حمود المخلافي أرسل أيضا اثنين من أبنائه إلى تركيا منذ عام 2018 وهما حذيفة، ويدرس علاقات دولية ورقية وتدرس هندسة صناعية.
 
وتظهر الوثائق الإخواني اللواء عادل القميري المفتش العام في وزارة الدفاع اليمنية والذي أرسل كذلك اثنين من أبنائه وهما عاصم، الذي يدرس إدارة أعمال وأيمن المتخصص في دراسة طب أسنان بمبلغ شهري للاثنين يصل لنحو 3600 دولار أمريكي.
 
قيادات الصف الثاني
 
وانتقلت عدوى فساد الصف الأول في تنظيم الإخوان إلى قيادات الصف الثاني التي سعت بدورها لنيل حصتها من الغنيمة.
 
وطبقا للوثائق فإن القيادي الإخواني عبدالكريم شيبان، وهو برلماني ويأتي كرابع قيادي، لديه اثنان من الأبناء المبتعثين هما عبدالله لإعداد الدكتوراه في ماليزا براتب شهري 2100 دولار، والآخر علي للدراسة في المغرب بتخصص حقوق براتب شهري 1500 دولار.
 
أما رئيس حزب الإصلاح الإخواني في تعز عبدالحافظ الفقيه والذي يدير هو الآخر استثمارات بالجملة على مستوى البلاد فيأتي كخامس قيادي بعد ابتعاثه نجله "عبدالحكيم" للدراسة الجامعية في تخصص الطب البشري في تركيا لمدة 6 سنوات ابتداء من ربع العام الماضي بمبلغ 1800 دولار أمريكي إلى جانب 3 من أقاربه.

سادس القيادات ورغم أقامته خارج البلاد وعمله في منصب وكيل وزارة إلا أن الإخواني محمد قيزان ابتعث ابنته سارة لدراسة تخصص هندسة كمبيوتر براتب شهري يصل لـ1800 دولار أمريكي.
 
أما الإخواني عبدالرزاق الأشول الذي كان يشغل سابقا منصب وزير التربية والتعليم والتحق بالشرعية في السنوات الأخيرة فابتعث ابنته فداء إلى تركيا لدراسة هندسة الذكاء الاصطناعي بمبلغ 1800 دولار أمريكي.
 
وتظهر الوثائق المسربة أكثر من 303 مبتعثين فقط إلى تركيا خلال الربع الأول من 2021، وقرابة ذات العدد إلى "ماليزيا"، فضلا عن مبتعثين بالمئات إلى كل من أستراليا والتشيك والصين، وألمانيا، والمجر، والنمسا، والهند، وأمريكا، وإيطاليا، وبريطانيا، وبلجيكا، وبلغاريا، وبولندا، وروسيا ورومانيا، وفرنسا وكندا ونيوزلندا.



تسرب مجهول المصدر 

بعد تداول واسع للكشوفات التي تسربت بطريقة لا أحد يعلمها حتى اللحظة، وانتشرت انتشار سريعا، تداول النشطاء والإعلاميون ما توصلوا إليه من أسماء أبناء وذوي وأقرباء الشخصيات المعروفة والمقربين والعاملين معهم، وظهر أن من بينهم أبناء مسؤولين رفيعين في الدولة ووزراء وسفراء ومحافظين ودبلوماسيين ومسؤولين في وزارة التعليم العالي وقادة في الجيش والأحزاب السياسية.

وكانت التعليقات تشير إلى أنه على رغم مقدرتهم المالية وامتلاك معظمهم استثمارات ضخمة في الخارج، إلا أن ما يبعث الاستغراب والاستنكار أن يستحوذ مسؤولو الدولة والقادة الكبار على مقاعد طلاب أغلبهم فقراء ومستحقون ومتفوقون علمياً، لتكشف عن خلل في معايير توزيع الفرص وسيادة الوساطة.

مخصصات مالية

كما تقاسمت مناصب الدولة، شملت الكشوفات أبناء وأقرباء شخصيات من مختلف الأحزاب السياسية يقع حزب "الإصلاح الإسلامي" على رأسها، وفقاً لناشطين.

وتضمنت مخصصات مالية تزيد على ألفي دولار لبعض المنح، وهو ما دفع النشطاء والمثقفون للتساؤل؛ كيف للدولة أن توفر مبالغ مالية لكل هؤلاء، وعندما تصل لملفات ملحة أخرى كملف الجرحى والإغاثة تتحجج بالعوز وضيق ذات اليد كما هي الحال باللجنة الحكومية المكلفة بعلاج جرحى الجيش والمقاومة التي أعلنت قبل يومين وقف علاج الجرحى في الخارج بسبب تخلي الحكومة عن هذا الملف الإنساني.

تظلم لا صدى له

فور بروز القضية على السطح راح عدد من خريجي الثانوية يسردون قصصاً تعرضوا خلالها للإقصاء من فرصهم المستحقة وفقاً للنسب العلمية التي حازوا عليها ومن بينهم أسامة عمر صالح يحيى، بمعدل عام 99 في المئة، وعلى رغم تفوقه إلا أنه ظل ينتظر ثلاث سنوات على الوزارة من دون فائدة، واضطر للجوء إلى المحكمة وحصل على حكم قضائي بقرار ابتعاثه للمغرب بحسب وثائق اطلعت عليها "اندبندنت عربية"، لكن الوزارة رفضت أيضاً تنفيذ الحكم القضائي "نكاية" بالطالب المشتكي ما سبب للأخير حالة نفسية سيئة.

ولم تدل الوزارة بأي تعليق على الحادثة، إلا أن بياناً للحكومة الشرعية حمل ما يشبه اعتذاراً وتراجعاً.

الحادثة التي أطلق عليها يمنيون فضيحة الشرعية للمنح الدراسية تذكر بقصة استقالة وكيل الوزارة لقطاع الابتعاث، الدكتور صالح محمد العبد، قبل نحو عامين، وهي الاستقالة التي ترجع حيثياتها إلى ما بينته خفايا وثائق الابتعاث المسربة.

حفلت الكشوفات المسربة بوثائق مرفقة تظهر إيفاد طلاب يمنيين لدراسة اللغة العربية في الهند وهو ما أثار موجة سخرية واسعة.

الوزير: لا ذنب لي

حاولت "اندبندنت عربية" أخذ رد من وزير التعليم العالي الذي وعد به اليوم ولكنه لم يصل، ونلتزم بنشره فور وصوله.

لكنه قال في مداخلة تلفزيونية مساء أمس إن ما يتعلق بالكشوفات التي وردت فيها أسماء لأولاد مسؤولين، أضيفت قبل وصوله إلى الوزارة.

وأضاف "تم تعييني وزيراً في يناير (كانون الثاني) 2021، وجميع الأسماء التي أضيفت كانت قبل هذا التاريخ، كونها ترجع إلى الأعوام 2016 - 2017".

وتابع "أنه خلال 2016 - 2017 لم يكن هناك وزارة للتعليم العالي في عدن، وتم توزيع المنح حينها عبر السفراء في الخارج؛ لأن هؤلاء كانوا واجهة الدولة، وعددهم 60 إلى 70 طالباً وطالبة، وكانت هناك ظروف معينة، وتم تقدير هذا الأمر من قبل مسؤولي الدولة حينها، وتمت إضافة أسمائهم، وكل هؤلاء كان يتم دعمهم بتمويل خارجي لأنه لم تكن هناك وزارة، والكشوفات كانت ملغمة (في إشارة للحوثيين)، وتم ضم الأسماء كلها باعتبار الجميع كانوا في ظروف استثنائية".

أين النائب العام؟

ويتساءل الباحث السياسي، عبد الوهاب سيف بحيبح، عن "دور النائب العام حول ما يجري بعد أن ظهرت الوثائق وفاحت روائح الفساد؟"، مطالبا بتكليف لجنة تحقيق "في هذا الفساد".

من جهته، يصف المحامي عبد العزيز المجيدي المسؤولين اليمنيين بأنهم "يصرون على الاستحواذ على فرص البسطاء في زمن حرب لم يعد الناس يمتلكون قوت يومهم".

وقال الصحافي أحمد شبح "أبناء المسؤولين يدرسون في الخارج ومخصصاتهم تصرف، بينما مخصصات علاج الجرحى لا تصرف".

قرار العليمي 

وفيما كانت الردود تمور وتموج، وجه رئيس مجلس القيادة الرئاسي، رشاد العليمي، في رد فعل على الحملة الإعلامية التي أشعلها اليمنيون منذ يومين، بإزالة أسماء كافة المبتعثين غير المستحقين من أبناء مسؤولي الدولة بمن فيهم أي شخص من عائلته المقربين من الدرجة الأولى، وتحويلها إلى طلاب مستحقين مستوفين للشروط، وتنفيذ قرار مجلس الوزراء بحصر الابتعاث الخارجي على برامج التبادل الثقافي وفقاً لمعايير دقيقة وشفافة ومنصفة، وفقاً لبيان نقل مضامينه وزير الإعلام في الحكومة معمر الأرياني.

كما وجه الحكومة ممثلة بوزارة الخارجية بحصر أبناء وأقرباء المسؤولين من الدرجة الأولى المعينين في وظائف عليا في السلك الدبلوماسي، والملحقيات والبعثات من خارج قوام وزارة الخارجية، وإحالتهم إلى الخدمة المدنية أو المؤسسات المتوافقة وقدراتهم وتخصصاتهم وفقاً لشروط شغل الوظيفة العامة.