مقالات


الأحد - 27 فبراير 2022 - الساعة 07:16 ص

الكاتب: محمد العلائي - ارشيف الكاتب



بوتين يستهدي في تحركاته ضد أوكرانيا بما يعتبرها مصالح روسيا وضروراتها الأمنية وطموحاتها القومية، أو ما يظنها أنها كذلك. والغرب أيضاً في دعمه لأوكرانيا، وتضامنه معها، ليس جمعية بر وإحسان ولا رسولاً للديمقراطية والتحضر ضد البربرية والطغيان، فهو أيضاً يستهدي بمصالحه وضرورات أمنه.

لقد أخطأ بوتين من وجهة نظر "القانون الدولي"، لأنه قام باجتياح دولة أصبحت مستقلة لها شخصيتها وكيانها القانوني وسلطتها الشرعية المنتخبة. سلوك بوتين مدان ومستهجن من هذا المنطلق فقط.

قوة عظمى شُوهدتْ وهي تفترس دولة صغيرة ضعيفة، هكذا بدا المشهد في الأيام الماضية، ولهذا السبب كان المشهد باعثاً على النفور والاشمئزاز في أرجاء مختلفة من العالم، وأثار الأوكرانيون مشاعر التعاطف ضد الصلف الروسي.

لكن الغرب ينجح دائماً في صنع رواية موازية عن الصراع يخفي من خلالها مصالحه وضروراته تحت ستار وردي من القيم الإنسانية الكونية:

فـ بوتين في هذه الرواية الغربية يهدف إلى تقويض الديمقراطية ومبادىء حقوق الانسان، ومساندة الحكام المستبدين. وفي المقابل؛ يتم إظهار تحركات الغرب ضد بوتين على أنها إنما تهدف إلى حماية هذه القيم والأخلاقيات العالمية المتفوقة، وليس لحماية مصالح الغرب المباشرة الجيوسياسية والاقتصادية والأمنية.

في حين أن الروس الجدد بقيادة بوتين يفشلون في امتلاك رواية أخلاقية وآيديولوجية مشابهة بشأن تحركاتهم السياسية والعسكرية الراهنة، مثلما كان يفعل الاتحاد السوفييتي باسم الشيوعية والأخلاقيات الثورية الاجتماعية الماركسية اللينينية العالمية.

الروس اليوم دولتيين وقوميين على نحو مباشر ومكشوف، دون أية غطاء من رسالة خلاصية عالمية. فهم لا يجدون حرجاً في تبرير أفعالهم كلها بلغة المصالح والمخاوف الأمنية القومية الروسية الخاصة لا أكثر.

ولهذا فإن حُجّة الروس الكبرى، في ردهم على الاعتراضات الثائرة ضدهم في العالم بسبب غزو أوكرانيا، هي أن أمريكا فعلت الشيء نفسه في العراق وأفغانستان! فهم إذاً يسندون خطأهم الراهن إلى خطأ سابق لآخرين لم يعقبه حساب، وانتهاكهم لمبدأ سيادة الدول يعيدونه إلى انتهاك الأمريكيين أنفسهم لهذا المبدأ.

لكن هذا لا يكفي.

فليست أمريكا وحدها من يعترض لكي يكون هذا الرد كافياً!
من الواضح أن الاعلام الروسي عاجز تماماً عن تشكيل سردية متماسكة تجعل مما يقوم به بوتين في أوكرانيا عملاً مُبرّراً ومستساغاً وعادلاً من وجهة نظر آخرين خارج روسيا، سواءً تبرير ذلك باسم مثال أخلاقي أو باسم قانون ساري المفعول أو باسم ضرورة قهرية ملحّة لا تقبل التأجيل، وليس باسم هواجس وتخيّلات مهزوزة.

كل ما لديهم هو الادعاء السخيف بأن الحكومة الأوكرانية "نازية"، وهذا الادعاء لا يقنع حتى طفل!