مقالات


الثلاثاء - 28 يناير 2020 - الساعة 09:14 م

الكاتب: أ. فيصل الصوفي - ارشيف الكاتب



إصلاحيون خيرون!

أفسدت جماعة الإخوان المسلمين كلَّ شيء وقع تحت يديها.. كل شيء: العمل الخيري، الدين، الأخلاق، القيم الخيرة، والعقول التي تمكّنت من السَّيطرة عليها عن طريق إصلاح الفرد لإصلاح المجتمع التي مرت بنا في المقال السابق.

الجماعات الإرهابية التي خرجت من تحت هذه الجماعة الأم ارتقت أعلى درجات سُلم الفساد والإفساد في الأرض.

ذات مرة، لاحظ أحد العسكريين العراقيين أنَّ جنوده الجرحى الذين كان يأتي بهم إلى مستشفى للعلاج، كانوا يموتون.. في كل مرّة كانوا يخرجون بلا أرواح، بما في ذلك الذين جروحهم بسيطة.. لفت الأمر انتباهه، فأمر من يتجسَّس على العاملين في المستشفى، وفي النهاية تبيَّن أنّ أحد الأطباء المنتمين لتنظيم القاعدة في بلاد الرافدين كان يجاهد دولة الكفر الأمريكية بطريقته داخل مستشفى عراقي.. كان يحقن بالسّم القاتل جنود الحكومة الذين يدخلون المستشفى للعلاج.. تلك كانت مهمته المكلف بها من قِبَل التنظيم، وقد قبل القيام بهذا الدور الإجرامي سمعاً وطاعة للأمير.. والأمير يتبع الشيخ أو المفتي دائماً وفي المكره والمَنْشَط، ودعك من قسم أبو قراط.

تقاتل في سوريا جماعات إرهابية -على تعدد أسمائها- وتتقاتل أحياناً في ما بينها بسبب خلاف سهل، لكنها كلها لا تختلف حول رجال الدين الذين تسترشد بأفكارهم وآرائهم، وتدرس لأتباعها محاضراتهم وكراساتهم، وهم عادة قياديون في جماعات الإخوان في مصر والسعودية وسوريا واليمن، وغيرها، فمثلاً هي تعد القرضاوي، والحوالي، والزنداني من ضمن الشيوخ المراجع في كثير من أمورها الدينية والدنيوية، بما في ذلك القتل بالمجان الذي ضيقت هذه الجماعات المسافة بينه وبين الجهاد.. في الماضي القريب كان أولئك الشيوخ يتصلون مباشرة بالجهاديين العرب وغير العرب في أفغانستان ثم في البوسنة وطاجكستان، وذلك بعد إعدادهم في المعسكرات التي أقامتها المخابرات الأمريكية على الأراضي الأردنية، وبتمويل عربي بالدرجة الأولى.. بعد أن ضيقت عليهم الولايات المتحدة ومجلس الأمن، وتبعتهما دول عربية من خلال وضعهم في قوائم الإرهاب أو داعمي الإرهاب، التي قيَّدت حركتهم بعد أن كان أحدهم يصلي الصبح في صنعاء، والظهر في مكة، والعشاء في بيشاور وغيرها من الساحات المسخنة للجهاد..

بعد هذا التضييق قام بالدور شيوخ إخوانيون أقل شهرة، فمثلاً صار محمد الحزمي سفير حزب الإصلاح إلى الجماعات الإرهابية في سوريا مثل جبهة النصرة.. في البداية كان يذهب إلى سوريا ويرجع تحت غطاء أنه يتوسط لدى تلك الجماعات لكي تفرج عن مختطفين يمنيين، وبالطبع كانت قطر وتركيا ضمن خط رحلته في الذهاب والإياب.. وقد طبَّل الإصلاحيون لهذا الدور الإنساني الذي يقوم به شيخ من حزبهم، وعضو في الكتلة النيابية للحزب.. وفي النهاية اتضح أن الرجل كان يدَّعي تلك الدعوى الإنسانية، فعلى سبيل المثال لم يؤدِ أي دور لدى الإرهابيين في جبهة النصرة لإطلاق سراح خمسة ضباط يمنيين مرتهنين عام 2012.. أرسلتهم وزارة الدفاع قبل سنتين من هذا التاريخ إلى سوريا للدراسة العليا في كلية الأسد العسكرية، فاختطفهم إرهابيو جبهة النصرة في آخر سبتمبر 2012 أثناء مرورهم بأحد الحواجز الأمنية التي كانوا يقيمونها داخل مدينة حلب.. لاحقاً أعدمتهم جبهة النصرة في شهر أغسطس 2013، بدعوى أنّ الجيش اليمني أرسلهم لمساندة الجيش السوري! ولكن الشيخ الإصلاحي الحزمي الذي يعنى دائماً بالدفاع عن سمعة الجماعات الإرهابية، قال -بعد واقعة الإعدام- إنَّ جبهة النصرة لأهل الشام كانت تحتجز الضباط اليمنيين الخمسة في مكان مريح، إلا أنَّ نظام بشار الأسد قتلهم بإغارة جوية على المكان الذي كانوا محتجزين فيه!!

في الواقع كان الشيخ الحزمي ينقل مجندين، جنَّدهم ودرَّبهم حزب الإصلاح في محافظات يمنية عدة من بينها حجة لإرسالهم للجهاد ضد نظام الأسد النصيري المشرك، كما كان ينقل أموالاً إلى تلك الجماعات من جهات متبرِّعة يمنية وقطرية وسعودية.. هذا واحد من خطباء حزب الإصلاح الذين يعطون إصلاح الفرد أولوية على إصلاح المجتمع، مثله مثل الشيخ محمد علي المؤيد عضو مجلس شورى حزب الإصلاح.. كان الإصلاحيون يدللون هذا المؤيد بألقاب وصفات وكُنى من قبيل رجل الإحسان، أبو اليتامى، وأبو المساكين، لأنه كان يدير مخبزاً (فرن) في إحدى حارات العاصمة صنعاء، يموّل من أموال المتبرعين الصادقين، فكان المؤيد يعطي هذا اليتميم خبزاً وهذه الأرملة روتياً.. وتبيَّن في النهاية أنَّ المخبز الخيري كان مجرد لافتة للتغطية على نشاطات تتعلق بتمويل الإرهاب، وكم أحاط الإصلاحيون ذاك العمل الخيري بالدعاية المنَّانة الحنَّانة عن الإحسان والبر ورجل البر والإحسان وصديق الأرامل.. لقد كانت المخابرات الأمريكية تتتبع نشاطه من خلال عملاء محليين كما اتضح في ما بعد، ففي نهاية المطاف مدوه بلقمة كبيرة مُغرية عام 2003، وذلك عن طريق مخبر عميل محمد العنسي، حيث قال له إنَّ رجل أعمال يود أن يدعم أسامة بن لادن بمبلغ عشرين مليون دولار أميركي، ولكي تستلمها عليك السفر إلى ألمانيا لمقابلة المحسن واستلام المبلغ.. فذهب إلى هناك مع مساعدخ محمد زايد، تحت ذريعة العلاج، وفي الفندق الذي استضيف فيه كانت آلات التصوير والتنصُّت قد جُهزت.. تسلم المبلغ وتعهَّد بإيصاله إلى ابن لادن، فضُبط وصاحبه على الفور متلبسين بدعم الأنشطة الإرهابية (تم تصوير الواقعة في الفندق والتي اعترف فيها المؤيد بخبرته في نقل الأموال لتنظيم القاعدة، كانت الشائعة التي روجها الإصلاحيون وتبعهم الحمقى أنه اعتُقل بتهمة دعم حركة حماس، وصدَّقهم كثيرون ممن لا يعرفون أن لا ألمانيا ولا أمريكا ولا مجلس الأمن يعدون دعم حماس جريمة).. نُقل الاثنان إلى الولايات المتحدة، حيث أدانتهما محكمة بروكلن في نيويورك، وحكمت على الأول بالسجن مدة 75 سنة، والثاني 45 سنة، وتغريمهما مليوني دولار.. كان ذلك في العام 2005، وبعد سنوات ازدادت معاناته من داء السرطان، فتم الإفراج عنه في شهر يوليو 2009 لدواعٍ إنسانية..

والعجيب أنَّ القيادي في حزب الإصلاح الشيخ حمود هاشم الذارحي، الذي كلفه الحزب تولي رئاسة لجنة الدفاع عن المتهمين، قال إنّ الشيخ محمد علي المؤيد بعد الإفراج عنه نُقل إلى مستشفى في الأردن، لأنه يعاني من أمراض السُّكر والكبد وذات الرئة بسبب فترة الاعتقال الطويلة في السجون الأميركية!