مقالات


الأربعاء - 29 يناير 2020 - الساعة 05:17 م

الكاتب: د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب


الأسماء الوهمية في الوظيفة العسكرية والأمنية ليست حالة طارئة، ولا خطأً مطبعياً تسبب به فايروس كومبيوتر، ولا حيلة تستر أقدم عليها مدير مدني أو قائد عسكري (محتال)، إنها سياسة رسمية معتمدة على أعلى المستويات وقد جرى تكريسها منذ نهاية سبعينات القرن الماضي، وتوسعت وازدهرت بعد تحسن الأوضاع المالية في الشمال وتدفق دعم الأشقاء وتحسن عائدات النفط مطلع الثمانينات من القرن الماضي.

وقد عرفنا قادة ألوية بدون ألوية ومشايخ ووجهاء يتسلحون بكتائب وألوية بدون كشوفٍ رسمية حتى وإن كانت (وهمية).

لم أعد أتذكر ذلك العام الذي جرى فيه الضغط على نسبة الأمن والدفاع في الموازنة الحكومية العامة، وحينها تسربت أخبار عن توجيهات عليا، ينصُّ بعضها مثلا على: "احذفوا خمسمائة اسم من المحور الفلاني" أو: "خفضوا ألف اسم من اعتمادات المنطقة العسكرية الفلانية". وفي العام 2013م ما يزال ذوو الذاكرة السليمة يستعيدون الخبر عندما تم الكشف عن آلاف الأسماء الوهمية في جهاز الأمن المركزي كانت تبتلع ما قيمته خمسمائة مليون ريال شهرياً، ولنا أن نقيس على هذا القليل، الكثير من الحالات في الألوية والوحدات والأجهزة والفرق والمحاور والمناطق العسكرية والأمنية لنرى الحجم المهول لهذه السياسة التي سيكون من الإجحاف في حق مفردة "الفساد" لو أسميناها "فساداً".

بعد عاصفة الحزم وانكشاف عورة "جيش الثورة والجمهورية والوحدة" الذي سلم لواءه لأعداء "الثورة والجمهورية والوحدة" تضاعفت الكَتبة، ودخلت المجاميع الحزبية والقبلية والأيديولوجية، التي صار لدى كلٍ منها جيشه الخاص وقوائمه الوهمية الخاصة، ولم يعد الهدر بالريال اليمني، بل صار الريال السعودي والدولار الأمريكي هما عملتا الهدر، وبلغت سياسة "القوائم الوهمية" مدىً أبعد وأوسع من ذي قبل مراتٍ ومرات، وكلما اتسعت مساحة كرم الأشقاء ونخوتهم كبرت مساحة القوائم الوهمية وزاد عدد الأسماء المشمولة فيها.

الأثر المالي والاقتصادي والاجتماعي لهذه السياسة كارثي بمعنى الكلمة، فهي تبتلع المليارات وربما عشرات ومئات المليارات من الموارد الضئيلة للبلد، على حساب إفقار مجالات أخرى كان ينبغي أن تصرف عليها تلك المليارات، لكن الكارثة الكبيرة ليست هنا فقط، بل إنها تتجلى عند الحاجة إلى أصحاب تلك الأسماء في زمن الحرب، حينما يكتشف المجتمع الذي راهن على "جيش الثورة والجمهورية والوحدة" أنه لم يكن يراهن سوى على مجموعة من القوائم الوهمية وبعض الجنود المنهوبة مرتباتهم ومجموعة من القادة ذوي الكروش المنتفخة والأوداج المتورمة، ممن يعجزون عن مواجهة عصابة من اللصوص أو مجموعة قليلة العدد من المتمردين القبليين أو قطاع الطرق أو خاطفي السياح والديبلوماسيين الأجانب، فكيف بمواجهة جيش مليشياوي عقائدي يحمل أفراده مفاتيح أبواب الجنة ويتلقى قادته الدعم من دولة اقتربت من أن تغدو دولةً نووية.

سياسة القوائم الوهمية أكلت موارد اليمن، وربما ستأكل قريباً موارد الدول الشقيقة التي لم تستوعب بعد تجربة خمس سنوات من الخداع والزيف والتضليل المعتمد على سياسة (القوائم والمعارك والانتصارت وتحرير المناطق) الوهمية.