مقالات


الجمعة - 20 مارس 2020 - الساعة 05:26 م

الكاتب: إبراهيم نوار - ارشيف الكاتب



وباء فيروس كورونا المستجد يفتك بالعالم، ويحصد مئات الأرواح كل يوم، لا يفرق بين جنسيات، ولا بين دولة متقدمة وأخرى متخلفة، كما لا يميز بين أصحاب الديانات على اختلافهم ولا بين غير المؤمنين. يتنقل الفيروس بحرية وبدون قيود ليصيب قوة العمل البشرية في مقتل، من اليابان وفيتنام في أقصى الشرق إلى الولايات المتحدة والبرازيل في أقصى الغرب، لا يفرق بين أحد هنا وأحد هناك.

ولا تعرف منظمة الصحة العالمية ولا أي دولة في العالم حتى الآن كم من البشر أصابهم فيروس كورونا المستجد أو كوفيد-19 (COVID-19)؛ فبعض الناس يصيبهم الفيروس ولا تظهر عليهم أعراض الإصابة به، فيكونون حاملين له، أو تظهر عليهم أعراض خفيفة شبيهة بأعراض الانفلونزا العادية، بينما البعض منهم يتحول إلى فريسة، تظهر عليها الأعراض، ثم يفتك بها الفيروس خلال أسابيع قليلة، وليس خلال أيام.

في حقيقة الأمر إن الذين يموتون بعد دخول المستشفيات بأيام، هم قد أصابهم الفيروس قبلها بأسبوع على الأقل، وهي أقل فترة لحضانة الفيروس في جسم الإنسان، ثم تطورت أعراض الإصابة به، ثم مضاعفات هذه الإصابة في الجهاز التنفسي والغدد والأعضاء الحيوية من جسم المصاب. الذي يموت بفيروس الكورونا المستجد بعد نقله للمستشفى بأيام نقل الفيروس قبل ذلك لعشرات الأشخاص، خارج المستشفى، وأصاب غيرهم وهو في المستشفى قبل أن يموت.

ما تشهده البشرية الآن هو حرب من أجل الحياة. هذه الحرب تخوضها كل دولة مسلحة بما لديها من إمكانيات بشرية وعلمية وتكنولوجية ومالية واقتصادية. وبقدر ما تملك الدولة من هذه الإمكانيات، بقدر ما تكون قدرتها على الانتصار في الحرب. من لا يملك الإمكانيات الضرورية، سيكون لزاماً عليه أن يستعين بصديق. لكن الاستعانة بصديق لن تكون مجاناً، وإنما ستكون في مقابل ثمن.

الحرب من أجل الحياة ضد وباء كورونا المستجد لا تحتاج إلى حاملات طائرات وغواصات وبوارج ومقاتلات وصواريخ وقنابل ذكية، وإنما تحتاج إلى أقنعة واقية طبية للوجه، وقفازات طبية، ومطهرات، وملابس طبية واقية للاطقم العاملة في المطارات والمستشفيات وكل العاملين في خطوط المواجهة، هؤلاء الذين يقفون في الخطوط الامامية يجب أن تتوفر لهم كل سبل الحماية من الإصابة، لا أن يتركوا هكذا بدون احتياطات وجها لوجه أمام عدو شرس.

وتحتاج الحرب إلى معدات وأجهزة كافية لأخذ العينات من المشتبه في إصابتهم بالفيروس، ومعامل لتحليل هذه العينات وقراءة النتائج، واتخاذ القرار بشأن كيفية التعامل مع كل حالة. كذلك تحتاج إلى مستشفيات كافية للعزل، والي أعداد كافية من غرف العناية المركزة، مجهزة بكل ما يلزم من أجهزة التنفس الصناعي وانابيب الأوكسجين والتغذية الصناعية. كما تحتاج إلى امكانيات للعناية خلال فترة التفاهة بعد الشفاء، أو لا قدر الله الدفن بالطريقة الصحيحة في حال الوفاة. إذا توفرت كل هذه الاحتياجات فإنها لن تعمل وحدها، وإنما هي تعمل بطواقم مدربة من الأطباء والممرضين المتخصصين والإداريين، على درجة كافية من المهارة لتحقيق التشغيل وضمان النجاح.

لم نصل بعد في مصر الي ذروة الإصابة بالفيروس. وسيتعرض نظام الرعاية الطبية يوما بعد يوم لضغوط متزايدة بسبب متوالية زيادة أعداد المصابين. إزاء هذه الضغوط لا يمكن السماح لنظام الرعاية الصحية بالانهيار، والا وقعنا فيما تعاني منه إيران حاليا من كارثة بسبب إنهيار نظام الرعاية الصحية أمام الفيروس. لا يجب ابدا السماح بذلك، لأن التكلفة ستكون باهظة. أكرر، عدد الإصابات بالفيروس في مصر لم يصل إلى ذروته بعد، وأي إهمال او استهتار في هذه المعركة سواء من جانب الأفراد او من جانب الحكومة، سيكلف الجميع خسارة باهظة، يحتاج تعويضها إلى سنوات، علما بأن الأرواح لا تقبل التعويض.

وطبقا لما نسمع ونرى ونعرف في الدول المتقدمة علميا، فإن إنتاج دواء لعلاج اعراض الفيروس، ومصل او لقاح للوقاية منه ليس مهمة مستحيلة، لكنه يحتاج إلى وقت. العالم يتحدث عن فترة تتراوح بين 8 أشهر إلى 24 شهراً، لتطوير الاختبارات، والإنتاج التجريبي، ثم الإنتقال إلى المرحلة النهائية وهي مرحلة الإنتاج على نطاق واسع تجاريا. وهذه جبهة على ما يبدو لا حيلة لنا فيها، إلا إذا كانت لدينا أسرار نخفيها عن أنفسنا وعن العالم. العالم كله يسابق الزمن من أجل إنتاج لقاحات وأدوية قبل دخول فصل الشتاء المقبل، حيث من المتوقع ظهور الجيل الثاني من الفيروس.

الدولة الوحيدة في منطقة الشرق الأوسط التي تملك بنية علمية وتكنولوجية وبحثية كافية للمشاركة على مستوى العالم في هذا المجال هي إسرائيل. هذه الدولة تجري الآن تجارب على أجهزة للفحص من إنتاجها، وقامت طواقم من جهاز مخابراتها (الموساد) خلال الأسابيع القليلة الماضية بجمع ما يقرب من 100 الف عينة مأخوذة من مصابين في أنحاء مختلفة من العالم، منها عينات من مخاط الأنف، واخرى من لعاب الفم، وثالثة من اغشية الزور والقصبة الهوائية، ورابعة من عينات الدم. إسرائبل تريد من تجميع هذه العينات ان تدرسها، وأن تصبح هي بنك المعلومات العالمي في كل ما يتعلق بفيروس كورونا المستجد.

وسوف يتم استخدام العينات، التي وصلت فعلا إلى إسرائيل خلال الأيام القليلة الماضية، في إجراء اختبارات متقدمة لمعرفة سلالات الفيروس المختلفة (قالت الصين باكتشاف سلالتين حتى الآن، وقالت اليابان انها اكتشفت اكثر من ثلاثين سلالة)، وتحليل التكوين الجيني لكل سلالة، والتعرف على أسس التحورات البيولوجية للفيروس، وتحديد أفضل السبل لاكتشافه، والعمل على ابتكار أدوية للعلاج َ، وامصال للوقاية. إسرائيل تريد أن تنجز ذلك كله مبكرا، حتى تسبق، أو على الأقل أن تكون عند نفس النقطة مع بلدان مثل الصين والولايات المتحدة وبريطانيا واليابان، وأن تصبح أكثر تقدما في تقنيات الحرب على فيروس كورونا.

نحن في مصر ما نزال نفتقد إلى وجود اللبنات الأولى للبنية الأساسية العلمية والتكنولوجية، التي هي أساس تطوير المعرفة. نحن نردد كلمات ومصطلحات في رؤية 2030 عن إقامة اقتصاد مبنى على المعرفة، لكننا نجهل كيف نقيم البنية الأساسية لاقتصاد المعرفة. البنية الأساسية لاقتصاد المعرفة ليست الرمل والزلط والحجارة، وإنما هي التكنولوجيا، التي وصلت الان الى أجهزة الذكاء الاصطناعي، وتكنولوجيا الكوانتوم، والجيل الخامس من تكنولوجيا الاتصالات، وبلغت مرحلة إقامة التواصل بين أجهزة الكمبيوتر والشبكات مباشرة، أو ما يعرف ب (انترنت الأشياء) Internet of Things، التي تتعرف على بعضها، ويتعامل كل منها مع الآخر بدون حاجة إلي تدخل بشري.

المهارات البشرية اللازمة لاقتصاد المعرفة او مجتمع المعرفة ليست الحمالين او سائقي الاوناش والمعدات الثقيلة (العيال الكسيبة) أو مقاولي الحفر والردم، وإنما يحتاج مجتمع المعرفة إلى مهارات بشرية رفيعة المستوى في مجالات الهندسة والعلوم والطب والرياضيات.

وبينما نحن الآن نجد أنفسنا وقد فُرِضَت علينا حرب لا نملك في أيدينا الكثير لخوضها إلا بالإعتماد على غيرنا، فعلينا أن نعلم أن هذه الحرب ستطول، وأن التحديات المقبلة، بسبب الحرب على الوباء، وتداعياتها، وما بعدها، والكساد الاقتصادي المقبل (الذي ربما يكون العالم قد هوى إليه بالفعل) تتطلب منا ان نصحو من غفوتنا، وأن نتخلى عن الكسل العقلي والاستهتار السلوكي على كل مستويات حياتنا.

كفانا ادعاءات بأننا في أحسن حال، وأن ما يجب على كل مواطن هو أن يذهب لينام، لأن كل شيء تمام التمام.. كفانا يرحمكم الله.
#coronavirus_egypt_ibrahimnawar
#Ibrahim_Nawar