مقالات


الجمعة - 03 يناير 2020 - الساعة 11:45 م

الكاتب: أسامة الشرمي - ارشيف الكاتب



احتاج "ترمب" لعملية قتل قاسم سليماني بعد قرار عزله من قبل مجلس النواب الأمريكي وقبيل التصويت على قرار العزل من قبل الكونجرس. وهو نفس السيناريو الذي قام به الرئيس الأمريكي الأسبق "بيل كلينتون" في واقع مشابه وهو قرار عزله في قضية العلاقة مع "مونيكا لوينسكي" عام 98 إذ قام الرئيس الديمقراطي حينها بتوجيه ضربات جوية للعراق بغية تشتيت الرأي العام الأمريكي وإيجاد حالة اصطفاف سياسي خلف الإدارة الأمريكية في حربها المقدسة.

العامل المشترك بين قراري عزل "كلينتون" و"ترمب" أو لنقل أوجه الشبه، تصويت البرلمان ضد الرئيس، وجود أغلبية مؤيدة له في الكونجرس، مكان العملية العسكرية لترامب وكلينتون كلاهما نفذت في بغداد، ومن العوامل المشتركة أيضا أن كلا الرئيسين كانا ضد الخيار العسكري قبل قرار عزلهما.

إلى جوار ترمب من يريد هذه العملية في هذا الوقت بالذات؟

بغداد بدورها كانت مرحبة بهكذا عملية، أو أنها على الأقل لا تمانع حدوثها إن حصلت، وإن كان حدوث العملية داخل الأراضي العراقية محرجاً لها، لكن أيضا وجود سليماني داخل العراق في هذا الوقت العصيب محرج لبغداد أمام الحراك الشعبي الذي يتجهم تأثير طهران والموالين لها على المشهد والقرار الوطني والسياسي العراقي، لذا فالحراك الشعبي مرحب بهذه العملية بشكل أجرأ من حكومته، ناهيك عن ترحيب سائرون ومرجعيتها الصدر، والكتلة السنية، والسيستاني ربما سيزايد أمام الإعلام ولكنه مرتاح.

روسيا الاتحادية كانت بحاجة لهذه العملية للحد من دور المجموعات الموالية لقاسم سليمان على الأراضي السورية، تحديدا بعد الاتفاق بين موسكو وتل أبيب على عدد من قواعد الاشتباك تتعلق بالأراضي السورية ومن بينها سحب القوات الإيرانية والموالية لإيران من حدود التماس مع إسرائيل تحديدا، هذا الاتفاف الذي كانت دمشق مرتاحة للتوصل إليه حاليا على الأقل، في ظل الوضع الصعب الذي تعيشه بسبب الثورة على أراضيها. لهذا نجد أن إسرائيل وسوريا أيضا ترحبان أو لا ترفضان نتائج هذه العملية.

تركيا ربما تطمنئها نتائج عملية بغداد اليوم خصوصاً بعد عملية درع الفرات التي نفذتها في الأراضي السورية الخاضعة لقوات سوريا الديموقراطية، هذه القوات الكردية التي غيرت انحيازاتها مؤخراً من الغرب للشرق والتي كانت في سبيل مقارعة السلطان التركي مستعدة للاستفادة كثيراً من خبرات ودعم الجنرال القتيل قاسم سليماني.

اليمن ومنظومة مجلس التعاون الخليجي في غاية السعادة والفرح بهذه العملية من منطلق الثأر وإن جاء بغير يد لهم، فسليمان هو عراب الإرهاب وتشكيل المليشيات المثيرة للنزاعات في الجزيرة العربية وممولها الرئيس بلا منازع. هذا لا يمنع وجود هاجس قلق عميق لدى دول الجزيرة العربية مما قد تقدم عليه الجماعات الموالية لسليماني على أراضيهم وضد مصالحهم القومية، لكنهم لن يستطيعوا إخفاء مشاعر الفرح وإن كانت المرحلة لا تتطلب هذا؟

طهران الجريحة بمقتل سليماني ستحتاج لأي حائط تفرغ عليه نوبات غضبها وإظهار كبريائها الإمبراطوري أمام ذاتها أولا ومريديها ثانياً، وبالتأكيد هذا الحائط لن يكون أمريكيا، وهي لا تفضل أن يكون إسرائيليا، لهذا لن تجد إلا الدول العربية لتستعرض عليهم بعضا من عربدتها، وبهذا تثأر لسليماني والحسين بن علي وتستثمر الحادثة لتحقيق نفوذ أكبر على المنطقة.

من سينزعج من هذه العملية، بالطبع ليس الشعب الإيراني ولا حراكه الذي يطالب بإصلاحات اقتصادية واسعة، وليس النظام السياسي الإيراني الذي بات محرجاً بين المطالب الشعبية والتزامات مخططاته التوسعية أمام طابور طويل من الأدوات غير الناعمة لإيران كان يقف على رأسها قاسم سليماني، بداية بفيلق القدس، وليس انتهاءً بأصغر مشرف يصادر أحزمة البالطوها من الفتيات في جامعة صنعاء، إذ لم تعد طهران قادرة على تحمل أعباء الإنفاق عليه وفقاً لمعطيات العقوبات الأمريكية المتلاحقة منذ انسحاب واشنطن من الاتفاق النووي الإيراني، طابور توسعت مصالحه وتأثيره وموازنته بالفعل منذ توقيع الاتفاق النووي في عهد إدارة الرئيس باراك أوباما.