مقالات


الثلاثاء - 23 يونيو 2020 - الساعة 02:18 م

الكاتب: د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



‏قال أحد البرلمانيين اليمنيين الإصلاحيين، ومن على شاشة القناة الفضائية اليمنية الرسمية، إن زملاءه النواب الذين رفضوا إدانة أبناء سقطرة في إسقاطهم للمحافظ الإصلاحي، أنهم يمثلون كتلة الإمارات، وهم أكبر كتلة في البرلمان اليمني، في اتهام واضح بعمالة النواب اليمنيين، وقبلهم الشعب الجنوبي لدولة الإمارات الشقيقة التي قدمت خيرة رجالها لنصرة الشعب اليمني ضد الانقلاب الحوثي.

إنها نفس العقلية الإلغائية الاتهامية ضد من يختلف مع أيديولوجية الإخوان.

أعرف أن أي بيان من مجلس النواب (طويل العمر) لا يقدم ولا يؤخر، لأن رفض الشعب في الجنوب والشمال لجماعة الإخوان قد أصبح حقيقة ماثلة لكل ذي عينين، ما عدا الإخوة الإصلاحيين الذين لا يرغبون في رؤية هذه الحقيقة والبحث في أسبابها ويلجأون بدلاً عن ذلك إلى البحث عن عدو وهمي يبغضهم على سمعتهم (الحسنة) وإنجازاتهم (التاريخية) ويحسدهم على (حب) الشعب لهم وللحوثيين.

بيد أن الاتهام بالعمالة يعبر عما يسميه علماء النفس بمرض الإسقاط, Projection، عندما يعتبر المريض أن جميع الناس يعانون من نفس مرضه، فالإخوان المسلمون عامةً الذين ينطلقون من ولائهم للدولة الإخوانية الداعمة لهم ولا يعترفون بالأوطان ولا بالدولة الوطنية ولا بإرادة الشعوب يعتقدون أن كل من يخالفهم معتقدهم، وكل من ينشد الحرية، وكل من يبحث عن العدل، كل هؤلاء لا بد أن يكونوا مثلهم عملاء لدولة ما.

لكن الجزء الأهم ليس هنا، بل إنه يكمن في أن الجماعة اليمنية ما تزال واقفةً عند صبيحة 7/7/94م ولم تَتقن قراءة المتغيرات التي شهدتها الساحة الجنوبية منذ 1994م وبالذات بعد 2007م وعلى وجه الخصوص بعد 2015م، ولم يرهقوا أنفسهم في البحث عن أسباب تمرد الشعب الجنوبي على مسلماتهم الخرقاء التي حاولوا غرسها في الوعي الجنوبي والتي رفضتها العقلية والثقافة والنفسية الاجتماعية الجنوبية.

هناك قضية واضحة وضوح الشمس في عز النهار، لا يرغب أصحاب شريحة 1994 أن يفهموها أو أنهم يفهمونها لكنهم يتهربون من الاعتراف بها، وما جرى في سقطرة ليس سوى تلخيص مكثف لها وهي "إن هؤلاء يناقشون بعيدا عن صاحب القضية، وهو الشعب الجنوبي، الإصلاحيون من أصحاب مأرب والجوف وسنحان وخولان وتعز وميتم وعمران وشمال البيضاء وغربها، وذمار وريمة وحجة والمحويت وصعدة لم يكفوا عن النواح على سقطرى، ويفعلون ذلك والحوثي يستولي كل يوم على أضعاف مساحة سقطرة في الجوف ونهم ومأرب والبيضاء وقانية التي على وشك السقوط بيده، إذن هناك اصطفاف أيديولوجي إخواني مستعد أن يضحي بأربعة وعشرين مليون يمني من أجل أن يبقى هو المسيطر على الجنوب أما الشمال فهم يتفهمون أسباب سقوطه بيد الحوثي ومن ورائه إيران.

وعندما تسألهم، طيب أين الجنوب والشعب الجنوبي الذي يرفضكم ويرفض مشروعكم؟؟

يجيب عليك أحدهم بكل خفة: هؤلاء كلهم عُملاء للإمارات!!!!

وبالمناسبة قبل سنة فقط كان هؤلاء أنفسهم يقولون إن الجنوبيين عملاء لإيران، لكنها "لم تزبط معهم" كما يقول العامة، إذ كيف لعميل إيران أن يكون الوحيد من هزم إيران في أرضه؟!

يا هؤلاء، إن المشكلة ليست في الجنوب ولا في سقطرة ولا في الإمارات، ولا حتى في الحوثي الذي انهزم في الجنوب في أقل من مائة يوم.

المشكلة في رؤوسكم، في فهمكم.

المشكلة تكمن في أنكم أوهمتم أنفسكم وجمهوركم بأن الإمارات تتآمر عليكم لتنهبكم وتقضي عليكم، وعممتم هذه الكذبة الكبيرة حتى صدقتم أنفسكم فصرتم لا تتصورون انتكاسة تحققونها إلا وتنسبونها إلى الإمارات، وتتجنبون أن تسألوا أنفسكم، لماذا أنتم غير مرغوبين لا في الشمال ولا في الجنوب؟

ولماذ استطاع الحوثي بكل قبحه وعنصريته وطيشه وجلافته أن يقنع الشعب في الشمال بأنهم أحن عليهم منكم؟
تلك هي المشكلة، لكنكم تتهربون من الاعتراف بها.

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك