مقالات


الثلاثاء - 11 أغسطس 2020 - الساعة 07:25 م

الكاتب: د. عيدروس نصر - ارشيف الكاتب



ما الذي يجري في تعز؟
يمكن رصد الحالات التالية في منطقة عُرفت بانتمائها للمدنية والثقافة والسلام والتعايش، لكنها في ظل اللادولة تنحدر باتجاه الملشنة والفوضى والهمجية. وهذا ما سأتعرض له لاحقاً في هذا المنشور، لكنني سأتوقف عند ظاهرة التباكي على عدن حينما ظل البعض من كتبة المليشيات في تعز يتندرون على مظاهر الجرائم التي ارتكبت في عدن منذ سنوات ويعتبرونها فشلا للجنوب والجنوبيين متغاضين عمن يقف وراء هذه الجرائم ومن يمولها ويخطط لها بل وينفذها، المهم أن الجنوب متهم، لأنه منطقة محررة، وكأني بهم يقولون: لن يصلح الجنوب إلا في ظل احتلال قادتنا له.

• كان اغتيال الشهيد العميد عدنان الحمادي قائد اللواء 35 مدرع علامة انحدار باتجاه اختلال ميزان القوى في تعز لصالح المليشيات "المتشرعنة" ولخدمة مشاريع يكرسها أصحابها وممولوها وأتباعها اليمنيون لمواجهة مشروع التحالف العربي. وأغرب ما في الأمر أن هؤلاء انتزعوا قراراً بتعيين المحرض الأول على اغتيال الشهيد عدنان قائدا للواء الذي كان يقوده الشهيد في مفارقة تراجيدية تذكرنا بمسرحيات تراجيديا القرون الوسطى عندما يقتل القائد العسكري الملك ليصعد بدلا عنه ملكا ويتزوج الملكة من بعده.

• يتحدث المرشد الروحي لجماعة الإخوان المسلمين في تعز (المعين مستشارا لمحور تعز برتبة عقيد) بأنه حتى إيران التي قالت أنها "شتغور علينا قاهي معانا" ويشير الى أن تركيا "شتجيب عربات وأسلحة، وذولاك (يقصد قوات التحالف العربي) شيرجعوا فيران". ويتفاخر أن السعودية لم تستطع على مجموعة من الحوثيين الذين دخلوا إلى داخل أراضيها فما بالك لو تدخلت دول "كبار"، وتضمن حديثه الكثير من الإشارات إلى إن قواته "شنفتح المخا". ويعلم الجميع أن المخا محررة من قبل قوات المقاومة الجنوبية والتهامية وبدعم التحالف العربي منذ العام 2017م، لكن تحريرهم يختلف عما يستهدفه التحالف العربي.

• مجموعة من الصبية في تعز يقودون مجاميع مسلحة يغيرون بها حيث يشاؤون ويهجمون بها على من يشاؤون بل ويقتلون بها من يشاؤون دون حساب أو عقاب من أحد، لأنهم يفعلون ذلك باسم "الشرعية" وتحت مظلتها، وهل يستطيع أحد أن يعترض على "الشرعية"؟؟!!

كانت آخر حادثة ارتكبها هؤلاء الصبية هي التصفية الجسدية لطفل في العاشرة من العمر، حيث اقتحموا منزل الأسرة وأطلقوا الرصاص عليه وعندما توسلت الأم المسكينة بطلب سيارة لإسعافه، قال أحدهم ساخرا "عاده تشتي تسعفه" فأطلق عليه ما في بندقيته من رصاص وانصرف وعصابته لمواصلة مسيرة القتل "الشرعي".

السؤال الذي ينط إلى واجهة هذه اللوحة الدامية: هل هذه الأحداث منفصلة عن بعضها أم إنها تترابط بصلة معينة أو بعلاقة ما، تجعلها تتزامن على هذا النحو "التراجوـ كوميدي"؟

أولاً لا بد من الإقرار أن "الشرعية في تعز" هي شرعية الإخوان في التجمع اليمني للإصلاح، وحتى عندما يحاول أحد الإخوة المؤتمريين التعزيين وهم كثر الاحتجاج أو الاعتراض أو حتى المطالبة بكشف الحقائق، تبدأ حرب التلويحات والتصريحات بالاتهام للمحسوبين على عفاش، حتى لو كان هذا المؤتمري قد تنصل من عفاش منذ 2011م أما عندما يكون المحتج ممن انضموا إلى الشرعية بعد 4 ديسمبر 2018 فإن الهراوة جاهزة وعنوانها: احمدوا الله إننا قبلناكم بعد أن بدأ حليفكم الحوثي بتصفيتكم. وهكذا فلو حصلت حادثة اغتيال إرهابية في عدن فإن المتهم هو المجلس الانتقالي حتى لو كان الضحية أحد قيادات أو قواعد المجلس، والسبب ببساطة لأن المجلس ليس مع "الشرعية" ولم يساهم في اختطافها، أما عندما يكون القاتل عسكريا ويعمل في "الجيش الشرعي" ويكون الضحية طفلا أو امرأة أو أي مواطن عادي فالأمر هين لأن القاتل "شرعي" ولا يجوز لأحد اعتراضه أو الاحتجاج على فعله.

ثانياً، وهذا هو المهم: إن النماذج الثلاثة التي استعرضناها ليست سوى عيِّنات لحالة سائدة عامة تستفحل حيثما تنتشر المليشيات الإخوانية التي تتلفع بعباءة "الشرعية" وتعمل تحت مشروع خفي يسعى لمواجهة التحالف العربي وإلحاق اليمن بشمال العراق وشمال سوريا وغرب ليبيا والصومال.. إنه مشروع تركيا التي "شتجيب عربات وأسلحة" وتحول "قوات التحالف العربي إلى فئران" كما قال المرشد الإخواني في تعز.

ثالثاً، لقد حذرنا مرارا أن الشرعية مختطفة والمختطف معروف ويعبر عن نفسه بكل وضوح، وما ورد على لسان عبده فرحان كان قد ورد بصورة مختلفة على لسان عسكر زعيل، (والإثنان "زعيل وفرحان" من الأيادي المؤثرة والفاعلة لنائب رئيس الجمهورية اليمنية المقيم في الرياض). وقد أكد قادة إصلاحيون من إسطنبول بأن هذا الكلام يعبر عن كل إصلاحي وكل التجمع اليمني للإصلاح، فماذا نريد من برهان أكثر من هذا، أي ماذا يريد الإخوة السعوديون من وسيلة للاقتناع بأن ضيوفهم الدائمين يسعون إلى تحويل قواتهم "إلى فئران" كما يقول عبده فرحان الذراع الأيمن لعلي محسن الأحمر.

وأخيراً: هذه المشاهد ليست بمعزل عن السعي لاحتلال مدينة التربة وكل الحجرية ومحاولة تسليم سقطرة والمهرة وشبوة للتيار التركي، الذي أفشل في سقطرة وجزئيا في المهرة بفضل يقظة أبنائهما ومساندة قوات التحالف العربي وسيفشل في شبوة، بإذن الله وتعزيز التحالف العربي بمشاركة أبناء الجنوب، وسيفشل في تعز، لكن بشروط تستدعي إعادة صياغة التحالفات السياسية في المدينة والمحافظة، بعد أن أعاد الحوثيون والإصلاحيون صياغة تحالفهم وأوقفوا مواجهاتهم ليتفرغوا للقوى المدنية ودعاة الدولة والقانون. بقيت أسئلة تنتظر إجابات من وجهاء تعز وقادتها المعتقين: ماذا تنتظرون لتعز أكثر مما يجري لها؟ وحتى متى تراهنون على القتلة بأنهم هم من سيعيد لكم تعز وصنعاء؟ وما قيمة وجودكم بجوار رئيس الجمهورية ونائبه إذا كنتم لا تستطيعون حماية امرأة وأطفالها وهم يواجهون رصاص الموت والإعدام من حلفائكم؟ وحتى متى تواصلون الرهان على تحالفات مع محترفي القتل وأساطين الاختطاف والبطش؟ ألم تكفكم تجارب ثلاثة عقود من التعامل بنظرية "ثورينبيك" القائمة على المحاولة والخطأ؟

مأساة تعز ليست مأساتها وحدها، بل إنها تلخيص لمأساة كل الشمال الذي يراد له أن يتحرر من الأشرار بأشرار أسوأ منهم، وكي لا يقول بعض الجنوبيين "هذا لا يعنينا" أسارع بالرد: بلى إنه يعنينا، ويعنينا جداً فبقاء تعز رهينة قوى البطش والإرهاب: حوثية كانت أو إخوانية يعني بقاء أبواب جهنم مفتوحة على الجنوب مثلما على الشمال، وتحرير تعز سيكون نقطة انطلاق لتحرير كل الشمال وتأمين الجنوب، شريطة أن يكون التحرير على أيدي قوى غير متورطة بجرائم ما بعد 1994م على الجنوب أو على الأقل معتذرة عنها، ولا يقولن أحدٌ إن هؤلاء غير موجودين، بلى! إنهم موجودون وبالملايين لكنهم مفككون ومتناثرون بكل أسف.

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك