مقالات


الثلاثاء - 08 سبتمبر 2020 - الساعة 08:13 م

الكاتب: أ. فيصل الصوفي - ارشيف الكاتب



اختار عبد القادر با جمال الرحيل من الدنيا، في وقت كئيب لا يساعدني على كتابة كلمة عن الأحياء والمستقبل.. التقيته آخر مرة في يوم من الأيام الأخيرة لشهر مارس 2008.. اتصل بي قبيل ظهر ذلك اليوم يسألني أين أنت الآن هل أنت قريب من الحصبة؟ قلت: لا، أنا في أول شارع الزبيري من جهة عصر.. قال: أوه، بعيد بعيد، ما توصل عندي في اللجنة الدائمة إلا العصر لشدة الزحام في الشوارع، لكن غداً صباحاً تعال إلى مكتبي.. كان أول ما قاله لي وهو يضحك: ترجع إلى قواعدك سالماً، هل عندك استعداد؟ قلت: أي قواعد، ما فهمتكم سيدي؟ قال: تنزل عدن تتولى رئاسة هيئة تحرير صحيفة 22 مايو مرة أخرى.. فشوف أيه هي طلباتك.. قلت: أنزل عدن أولاً، وهناك أشوف الوضع وثم أرجع أخبرك.. قال: لا، الآن، ما تعجبني الصدمات، قرر الآن ما هي طلباتك، وابلغ عبيد بن ضبيع بها.. وكنت قبل نقل الصحيفة من بوابة مبنى إدارة التوجيه المعنوي في صنعاء إلى مقر المؤتمر في مديرية التواهي، قد قدمت له استقالتي من رئاسة تحرير الصحيفة بسبب (جعث) الشيخ البركاني الذي كان مسؤولاً عن إعلام المؤتمر، على الرغم من أن اللجنة العامة اختارت البركاني بداية ذلك العام أميناً عاماً مساعداً للشئون السياسية بدلاً من عبد الرحمن الأكوع الذي اعتكف في منزله، وأسندت إلى با جمال مهمة الإعلام التي كان يقوم بها الأمين العام المساعد البركاني.. ما كدت أستقر في عدن حتى صعقت بخبر إصابته بنوبة قلبية أثناء خروجه من قاعة الاحتفال الذي نظمته الأمم المتحدة في مملكة سنغفورة لتكريم أبطال الأرض، وكان با جمال واحداً من المكرمين بجائزتها الدولية، أدخل إلى المستشفى، وهناك تلت النوبة القلبية جلطتان في الدماغ.. وحينها قلت: خسرناك يا أبا عمر.. وقد خسرته اليمن حقاً.. وخسره المؤتمر الشعبي العام.. إذ أزعم أنه لولا تلك المصيبة الخيسرية، لكان حال اليمن غير ما هي عليه اليوم، ولكان وجه المؤتمر غير الذي نراه.. ليس هذا من قبيل ذكر محاسن الموتى في المأتم، بل لأن عبد القادر باجمال كان رجلاً وحده، ومكابر من يسقط يقلل من شأن تأثير الفرد الفاعل، أو قل أهمية الدور التاريخي الذي يؤديه الرجال والنساء العظام في مجتمعاتهم.

بعد إصابته تلك عُزل من منصب الأمين العام بقرار من الدورة الاستثنائية للجنة الدائمة للمؤتمر الشعبي العام (أواخر نوفمبر 2008)، وتم اختيار عبدربه منصور هادي أميناً عاماً، إضافة إلى موقعه الحزبي السابق (نائب أول لرئيس المؤتمر)، ووضع عبدالقادر في موقع شرفي (نائب لرئيس المؤتمر، دون تحديد، فقد كان هناك نائب ثانٍ هو عبد الكريم الإرياني)، ثم نُسي با جمال، وهو الذي لا ينسى، ولا ينسي أيضاً.

نحو ثلاثين سنة أمضيتها مع المؤتمر الشعبي العام، لم أجد فيه مثل با جمال، وما عرفت أصدق أو أخلص منه، وما خبرت مثقفاً بعشر ثقافته، ولا متطلعاً لإصلاح شئون الحزب وتطويره عن احتياج وعن بصيرة وعن هدف مخطط.. كان يقول لنا حاجة المؤتمر للتحديث مُلحة.. وسمعته يقول مثل هذا الكلام لأمين عام حزب تقدمي معارض حضر إلى مكتبه لاستخراج أمر صرف المساعدة المالية التي كان يقدمها الحزب الحاكم لبعض أحزاب المعارضة لحكومته!

كان با جمال يفكر تفكيراً جدياً في إصلاح حزب المؤتمر الشعبي العام، ويقول لجلسائه، إن هذه القضية ينبغي أن تكون حاضرة بقوة في أذهانكم، وأنتم تتحدثون عن الأداء التنظيمي والسياسي لحزبكم.. ولو عاد أي وأحد منا إلى خطب ومقالات با جمال سوف يجد أن هذه القضية كانت تستولي على قسمة كبيرة من خطبه ومقالاته، وخاصة بعد أن انتخب في المؤتمر العام السابع (2005)، أميناً عاماً لحزب المؤتمر، ولكن -ويا للأسف- كان مسعاه يلقى مقاومة جديدة من الكتلة الأساسية- التقليدية التي جمدت على مقولة ليس بالإمكان أحسن مما كان!!