مقالات


الجمعة - 15 يناير 2021 - الساعة 11:55 م

الكاتب: محمد ناجي أحمد - ارشيف الكاتب



ليس عجيبا أن تُبنى الحركة الحوثية على مبدأ الولاء والتسليم لرأس الحركة. أولا لأن مبدأ الولاء والتسليم جوهري في فكر حركات الإسلام السياسي تاريخيا، ثانيا لأن قادة الحركة الحوثية جاءوا من معطف حركة الإخوان المسلمين. فقد تلقى مؤسسوها سواء في بذرتهم الأولى "الشباب المؤمن" بما يذكرنا بجمعية "الشبان المسلمين" التي سبقت تأسيس جمعية "الإخوان المسلمين" في مصر وكانت تمهيدا تنظيما يتكامل معها- أو بالحركة الحوثية التي ظلت طيلة حروبها الستة مع النظام في صنعاء دون تسمية لها، وصولا إلى اختيارهم تسمية "حركة أنصار الله " في السنوات الأخيرة.

فقد تلقى قادة الحركة الحوثية تعليمهم في المعاهد العلمية ذات الوظيفية الحركية في تربية الناشئة على مبادئ وأسس حركة الإخوان المسلمين في اليمن بما هي مزيج من تعاليم حسن البنا والوهابية.

حين نعود إلى كتاب "مذكرات الدعوة والداعية" لـ"حسن البنا" والصادر عن مركز الإعلام العربي-الطبعة الأولى- 1432هـ/ 2011م – فسوف نجد أن جماعة الإخوان المسلمين تأسست على قاعدة التسليم والولاء المطلق للمرشد، أو بتعبير المرشد العام الأسبق للجماعة عمر التلمساني حين تحدث عن موقفه من المؤسس "البنا" فقال "لقد كنت بين يديه كالميت بيدي مغسله" وفي هذا المعنى تحدث "صلاح شادي" في كتابه "صفحات من التاريخ".

تَكَوَّن حسن البنا في نشأته الدعوية على :الدعوة إلى الأخلاق الفاضلة ومقاومة المنكرات والمحرمات الفاشية كالخمر والقمار وبدع المآتم. ومقاومة التبشير والإرساليات التي تبشر بالمسيحية تحت لافتة التطبيب والتعليم والإيواء. وعلى هذا النهج كانت مرتكزات جماعة "الإخوان المسلمين" بمعنى أن طرد المستعمر البريطاني في مصر لم يكن من أولوياته.
ومن التصوف السياسي استلهم تسييس الدين. ففي إيراده لقصة القطب الصوفي "أحمد البدوي" في مصر ما يقدم ملمحا لهذا الاستلهام.

يروي حسن البنا في كتابه "الدعوة والداعية" حكاية السيد "احمد البدوي" وترتيبه العملي لتديين الناس وصولا إلى مواجهة السلطان واستعادة الأمر ووضعه في أهله، لعدم أهلية المماليك لتولي السلطة لأنهم غير أحرار، وكيف كان مدخله إلى ذلك إعداد الناس باسم التصوف وخلق التدين الذي منه سيكون استعادة الخلافة ووضعها في أهلها، وهو من أهلها كونه سيدا يعود نسبه إلى فاطمة بنت النبي. لكنه وجد سلطانا قويا هو "الظاهر بيبرس"، وبما حققه هذا السلطان من انتصارات في صد التتار والصليبيين في مصر والشام وقطع عليهم طريق السيطرة على البحر الأحمر والحجاز واليمن. كل ذلك جعل "السيد أحمد البدوي" يتراجع عن هدفه في استعادة الخلافة ووضعها في "أهلها" مكتفيا بالتصالح والشراكة بين الصوفي والسلطان، بما يعزز النفوذ الروحي للأول وصولجان الملك للثاني. وعلى هذا النهج تستلهم حركة الإخوان المسلمين في مسيرتها ومعالم طريقها في مراحل الضعف وصولا إلى التمكين.

في كتاب "الدعوة والداعية" يأتي التحذير من "الملحد" المخالف العقيدة ومن "الصالح" الذي لا يلتزم بنظام الجماعة على حد سواء.

وفي ترتيب أولوية المسئولية داخل الجماعة فإن الغني خير من الفقير، ويقدم عليه في الأمر وتحمل المسئولية، ثم يأتي "الصالح" فإن اجتمع الغنى مع الصلاح فذلك هو المراد.

الملفت للنظر أن مراسلات المرشد العام لجمعية الإخوان المسلمين مع سيف الإسلام محمد البدر بن الإمام يحيى حميد الدين كانت قديمة تعود إلى عام 1929م، أي بعد فترة وجيزة من تأسيس الجماعة عام 1928م. ففي كتاب "الدعوة والداعية" يشير حسن البنا إلى حضور "السيد محمد زبارة الحسن اليمني" هكذا ورد اسمه في الكتاب"-يقصد محمد بن محمد زبارة الحسني الصنعاني-واستماعه لمحاضرة ألقاها حسن البنا في ذكرى الهجرة سنة 1348هـ، أي عام 1929،في جمعية "الشبان المسلمين" وبأنه زار مقر الإخوان المسلمين في الاسماعيلية ومكوثه هناك ثلاثة أيام.
ومن خلال محمد زبارة كان تعارف وتواصل البنا ومراسلاته مع سيف الإسلام محمد البدر، الذي يصفه البنا بأنه يدعو إلى الإصلاح والتعليم.

يبدو أن وحدة المنطلقات لدى مكونات الإسلام السياسي بتنوعاته السُنِّية والشيعية قد دفعت الطرفين عام 1981م إلى التقارب، مما جعل التنظيم الدولي للإخوان المسلمين يشكل وفدا لزيارة إيران وتهنئة القيادة الإيرانية بالثورة والوصول معها إلى اتفاق تنسيقي للعمل والحركة في المنطقة. بحسب ما يورده الدكتور عبد الله النفيسي في كتابه " الحركة الإسلامية-ثغرات في الطريق"ص188.

حين نشرت صحيفة الأهرام بتاريخ 15ربيع الأول 1355هـ/5يونيو 1936م تصريحا لرئيس الحكومة "مصطفى النحاس" كان أدلى به لوكالة الأناضول التلغرافية بالقاهرة-يعبر فيه عن إعجابه بكمال أتاتورك، قال فيه :"إني من المعجبين بلا تحفظ بكمال أتاتورك، الذي صاغ بعبقريته تركيا الجديدة، والتي يَلذُّ للعالم أن يسميها تركيا أتاتورك، فلقد أوجد دولة شابة ذات حيوية فائقة غدت عاملا يحسب حسابه في الشؤون الأوربية. ولست أعجب فحسب بعبقريته العسكرية، بل أعجب أيضا بعبقريته الخالصة، وتفهمه لمعنى الدولة الحديثة التي تستطيع وحدها في الحالة العالمية الحاضرة أن تعيش وتنمو" فما كان من المرشد العام حسن البنا إلاَّ أن كتب رسالة نشرها بتاريخ 24ربيع أول 1355هـ/ 14يونيو 1936م يعيب فيها على النحاس أن يُعجب بأتاتورك بما يعني أنه أي النحاس يريد أن ينهج في مصر نهج أتاتورك . ويرجوه في آخر الرسالة أن يلحق تصريحه بما يطمئن النفوس "رجاء أن تتفضلوا بإلحاق هذا التصريح بما يطمئن نفوسا قلقة، ويقر أفئدة مضطربة، ويسد الطريق أمام الظنون والأوهام".

فكمال أتاتورك بحسب ما جاء برد حسن البنا على النحاس- قلب نظام الخلافة إلى الجمهورية، وحذف القانون الإسلامي، وحكم بالقانون السويسري.

▪من صفحة الكاتب على الفيس بوك