مقالات


الأحد - 17 يناير 2021 - الساعة 07:23 م

الكاتب: صلاح السقلدي - ارشيف الكاتب



حين يُـقال رئيس حكومة من منصبه بقرار جمهوري بسبب فشله وفساده، ويُــحال بناءً على ذات القرار: (قرار جمهوري برقم 180 لعام 2018م) إلى المحاكمة، ثم بعد شهور فقط يتم تعيينه مستشارا للرئاسة، وينتهي به مطاف القرارات السياسية رئيسا لمجلس الشورى، فهذا لا يُؤكد فقط فساد هذه السلطة، ولا فقط بأنها لا تكافح الفشلة والفاسدين، بل إنها تتبناهم بفجاجة وتشجعهم على رؤوس الأشهاد بقرارات جمهورية ليدوسوا فوق الضحايا بحقارة وتمكنهم من أن يبسطوا جناحي فشلهم وفسادهم إلى أبعد مدى.

كما ويشير صراحة إلى إننا إزاء سُــلطة فساد بامتياز، سلطة فساد قديمة تتجدد يوما إثر يوم كامتداد طبيعي لسلطات فساد ولعهد فوضوي ولد من رحم عهد الانقلاب الأكبر (سلطة 7 يوليو 1994م) الذي استهدف مشروعَ الوحدة بحرب 94م وأصابه في مقتل، وأعادَ على أنقاضه ترسيخ حكم القوى التقليدية المناوئة لأية مشاريع سياسية وطنية تستهدف إقامة دولة مدنية تحتكم للقانون.

ليس المجلس الانتقالي الجنوبي وحده من غضب أو هو وحده من يجب أن يغضب من هكذا قرار، فثمة سخط كبير اجتاح أعماق كثير من عامة الناس وبسطائهم ومن نُــخب اعتبرته مؤشرا على علو كعب الفساد وتغوله، في ظروف عصيبة كهذه، والتي وبرغم مرارتها إلا أن كثيرا من الناس بالأسابيع الماضية قد استبشروا خيرا بعد أن صمتت البندقية بأن الأمور ستتجه صوب التهدئة ونحو رفع المعاناة التي تعصف بهم بقسوة على كل الصُـعد.

ولو أن الغضب الانتقالي كان له عدة أسباب أخرى ليغضب- بحسب ما صدر عنه-، منها أن هذه القرارات التي اُعلنت الليلة الماضية وشملت (تعيين بن دغر، وقرار تعيين النائب العام، الذي اتى من خارج السلك القضائي وما للانتقالي من مآخذ على هذا النائب بسبب مشاركته العسكرية الفاعلة بمحاولة اقتحام عدن طيلة الأشهر الماضية بصفته القيادية الأمنية، وقرار افتتاح ميناء قنا من طرف سياسي واحد وقبل موعده وتوظيفه توظيفا سياسيا حزبيا محضا)، كانت قرارات كافية للانتقالي ليعبّـر عن سخطه منها ومما تحمله من مؤشرات مخيبة للآمال، وتحمل بذور إفشال الشراكة بين عباراتها، وتؤكد له شكه من جدّية الطرف الآخر بالقبول بالطرف الجنوبي كشريك وصاحب قضية عادلة، ومن نوايا هذا الطرف (الذي يهيمن على مؤسسات الرئاسية والتنفيذية وحتى القضائية طيف حزبي سياسي واحد) من شراكة حقيقية تؤسس لأرضية صلبة تمضي بالجميع باتجاه طاولة حوار مستديرة لتسوية سياسية شاملة ودائمة للأزمة اليمنية والقضية الجنوبية.

لعمري أن الانتقالي اليوم وبسبب فرط النوايا الحسنة لديه والانحناءات المستمرة لرغبات التحالف قد بدأ يعض أصابع الندم ويشعر بالخيبة من قراره بشراكة قوى محتالة وماكرة لا ترعى عهدا ولا تحفظ وعدا، وبدأت تفترسه الظنون، كما وتتناهبه الشكوك بضراوة من أن يتخذ منه التحالف مجرد كُــبري عبور وقفاز سياسي إلى حين. يعزز لديه، أي الانتقالي، هذه المخاوف الجهود الأممية التي يبذلها المبعوث (مارتن غريفيث) والتي تشير -حتى الآن على الأقل- إلى استثناء الطرف الجنوبي من نقاشات خطة التسوية التي يزمع أن يعلنها قريبا والمعروفة بالبيان المشترك.

فاستبعاد الطرف الجنوبي والانتقالي تحديدا من نقاشات هذه المسودة قبل الاتفاق عليها سيعني بالضرورة أن الجنوب خارج الخارطة السياسية المُـقبِلة حتى وإن شارك في حوارات وتسويات قادمة، فهي لن تعدو سوى تحصيل حاصل، وحفلة إعلامية لإشهار ما تم الاتفاق عليه مسبقاً ونسخة مكررة من حوارات الموفنبيك.