مقالات


الإثنين - 22 نوفمبر 2021 - الساعة 09:15 ص

الكاتب: مصطفى نعمان - ارشيف الكاتب



الدولة اليمنية سقطت في 21 سبتمبر 2014 حين وقع قادة الأحزاب بحضور رئيس الدولة مبتسما لما قال انه (انجاز تاريخي) والمبعوث الاممي حينها السيد جمال بنعمر، بعد ان استكملت جماعة أنصار الله - الحوثيون (هذا هو الاسم الذي اقرته كل القوى المشاركة في لقاءات الحوار في الموفينبيك) سيطرتها على العاصمة.
ما حدث بعد ذلك كان استكمالا للمسار الطبيعي لتفكك المؤسسات الذي بدأ في 2012 باطلاق العنان للأحزاب لنهش جسد هيكل الدولة بتعيينات عشوائية مستندة الى محاصصة حزبية في الوزارات والمصالح بعيدا عن قواعد وقوانين ولوائح الخدمة المدنية، وكان الأسوأ ان الأحزاب اختارت عناصر غير كفؤة ولا مقتدرة في الحكومات التي سبقت وتلت احداث سبتمبر 2014.
كانت الخفة السياسية متسيدة المشهد العام وغاب دور رئيس الجمهورية تماما عن التحكم في المسارات خلال فترة انتقالية كتنت تستدعي اليقظة الكاملة والتشاور المستمر مع الجميع فأدى الى اختلال كامل في نشاطات الدولة وفقدت القدرة على انجاز ما هو مطلوب وصارت المؤسسات تعمل كجزر منفصلة لا يربط بينها الا اقتسام الغنائم والامعان في تفكيكها

ما حدث بعد 21 سبتمبر ،2014 ابتداء بهروب مستشار رئيس الجمهورية للشؤون العسكرية الفريق (اللواء حينها) علي محسن الأحمر وصولا الى اعتقال الرئيس ورئيس الحكومة وعدد من الوزراء في الأسبوع الأخير من شهر يناير 2015، كان إشارة الدخول في مرحلة الانتهاء من تدمير مشروع الدولة اليمنية التي تمناها الشباب الذين خرجوا الى الشارع مطلع 2011 ثم تحطمت احلامهم على صخرة الجشع الحزبي وسقوط عدد منهم في فخ البحث عن المنصب والانزلاق نحو عملية الاستقطاب الذي مارسته الأحزاب التي قدمت مصالحها على المصلحة الوطنية ومارست عبثا غير مسبوق في استخدام الوظيفة العامة وسيلة متخلفة عقيمة ورخيصة لإرضاء أعضائها على حساب النظام والقوانين.

في الفترة بين 21 يناير 2015 (وضع الرئيس الإقامة الجبرية) و26 مارس 2015 (بدء الحملة الجوية بقيادة المملكة العربية السعودية – عاصفة الحزم) دفعت جماعة انصار الله ميليشياتها جنوبا نحو تعز وعدن واندفعت في إقامة علاقات تجارية (لم تثمر عن شيئ ملموس) مع ايران وأعلنت عن عدد غير منطقي من الرحلات الجوية التجارية بين البلدين وكانت تلك الاقوال مثيرة ومستفزة للقلق الإقليمي لكن الواقع يقول انه لم يتم استنزاف كافة الوسائل الدبلوماسية لمعالجتها او التعامل معها قبل اللجوء الى القوة المفرطة لحسم المشكلة التي قدرتها الرياض مصدر خطر داهم عليها.
منذ اليوم الاول كانت قناعتي التي أعلنتها وتحدثت بها علنا وفي المجالس المغلقة ان الحرب لا يمكن ان تؤدي الي اغلاق الملف، بل انها حتما، لمعرفتي بالواقع والتاريخ، ستصل بالجميع الى كارثة إنسانية سيتحملها المواطن اليمني. وفي هذا الصدد أتذكر أني قلت في نهاية العام 2015 (خلال مشاركتي اليتيمة في المنتدى الذي يقيمه مركز الامارات للسياسات في أبو ظبي) ان التقارير كانت تتحدث على ان في يد المواطنين اكثر من 60 مليون قطعة سلاح ثم توقعت انه بنهاية الحرب سيتجاوز عددها 200 الى 300 مليون قطعة سلاح في يد شباب وأطفال لن يجدوا بعد انتهاء الحرب عملا ولا املا مما يجعلهم مصدرا وتربة خصبة للجماعات الإرهابية والعصابات والتنظيمات المسلحة المنفلتة.

ما يحدث منذ 26 مارس 2015 هو ان البلد صار ينقسم بشكل مستمر الى قطاعات جغرافية تتقلص مساحاتها لأنها تتفتت من داخلها الى مساحات اصغر، ونشأت في غياب الدولة تشكيلات عسكرية بعيدا عن هياكل القوات المسلحة النظامية وقوات الامن وصارت ضعيفة حد الهزال.
اليوم يمكن القول ان البلاد صار بها 4 قوى رئيسية تتوزع النفوذ حسب تواجدها على الأرض ولها جميعا ارتباطات خارجية يتفاوت قدر تأثيرها على القوى الداخلية.
هناك الحكومة المعترف بها دوليا وجماعة أنصار الله والمجلس الانتقالي وأخيرا حراس الجمهورية.
يشير الواقع الى ان أضعف هذا المكونات على الأرض هي الحكومة لأسباب كثيرة أبرزها ضعف تكوينها وتعدد مراكز القرار داخلها وفساد كثير من عناصرها وانعدام كفاءة أغلب كبار موظفيها بسبب التوزيع الحزبي للمناصب الذي لا يمنح لاحد حق الاعتراض على أي اختيار.. ويضاف الى ذلك ان الثقة الشعبية بها منعدمة ولا يرى فيها المواطنون أي قدرة على الأداء والانجاز سوى تأمين أوضاع منتسبيها وفي الواقع هي لا تعيش ولا تستمر الا بالرغبة الإقليمية فقط.. كما أن أعضاء الحكومة يمثلون توجهات سياسية متناقضة، بل ومتصارعة على النفوذ داخل الرقع الجغرافية المختلفة مما يجعلها هجينا مشوها لا يمكنه انتاج أي عمل وطني إيجابي.
العنصر الثاني هو جماعة أنصار الله التي لا تخفي علاقاتها القوية مع ايران فهي الدولة الوحيدة التي تعلن صراحة تأييدها ودعمها لهم ومما من شك انها قدمت مساعدات فنية ولوجستية وتدريب متقدم للعناصر العسكرية والأمنية والإعلامية.. لكن البعد الجغرافي وصعوبة التواصل المباشر بصورة مستمرة يجعل التأثير الإيراني على قرار الجماعة في الشأن الداخلي ضعيفا مقارنة بما تتعرض له الحكومة.. كما ان طهران لا تستطيع مد الجماعة بالأموال الكافية واللازمة لنشاطاتها مما يجعل الأخيرة تمارس عمليات قسرية وغير مشروعة للحصول على احتياجاتها لتسيير نشاطاتها العسكرية وتستولي بالقوة على موارد كبيرة من الداخل دون رقابة او محاسبة.
وهذا لا يعني ان طهران بعيدة عن المشهد بل هي في عمقه وكسبت نفوذا وتأثيرا اكبر بكثير من أي عون قدمته للحوثيين طيلة السنوات الماضية ومرد ذلك هو ضعف او انعدام التنسيق والثقة بين الرئيس وحكوماته المتعاقبة مع التحالف وخاصة الرياض.
الكيانان الباقيان حراس الجمهورية (صارت تسمي نفسها المقاومة الوطنية واحيانا القوات المشتركة) والمجلس الانتقالي الجنوبي نشأ برعاية دولة الامارات العربية وبتمويل صريح منها وتولت تدريب عناصرهم وأهلتهم وساندتهم في معاركهم قبل ان ترفع يدها جزئيا عنهما لصالح الرياض وان كانت مازالت تمنح قياداتهم الكبيرة التسهيلات للإقامة ولأسرهم على أراضيها.
هذا المشهد الرباعي يجب أن أضيف اليه الكيان الذي يتربص بالجميع: التنظيمات الجهادية التي تجد في الحرب الدائرة مرتعا خصبا لعناصرها للتمدد والانغماس والتجنيد.. وهي القضية التي تهدد الجميع والاقليم وربما لاحقا العالم.

ما الحل؟
لا ادري فقد تشابكت الخطوط واصبح اليمن مجرد ملعب مجاني مفتوح لقوى لا يمثل اليمن وشعبه لها الا مساحة لتصفية خلافاتها او على افضل تقدير للصراع على النفوذ فيه ولكن المؤكد ان لا احد يهمه امر مواطنيه ولا جوعهم ولا فقرهم ولا قتلهم.