نافذة على السياسة

السبت - 10 أبريل 2021 - الساعة 08:40 م بتوقيت اليمن ،،،

عدن/ مدى برس/ حسام ردمان:


هل يعقل أن تنجز مباحثات فينا في ظرف أيام معدودة، ما استغرق سنوات طويلة في جنيف؟ إن كانت الإجابة لا، فإن الهدف من الديبلوماسية الأمريكية الراهنة لن يكون العودة الفورية إلى اتفاق شامل مع طهران، بل تهيئة الشروط المثلى لهذه العودة.

ولا يمكن فهم التحركات الأمريكية الأخيرة إلا بالنظر إلى توازنات الداخل الإيراني وما تتحضر له البلاد من انتقال سياسي وشيك قد يعيد صياغة شكل النظام ونهجه الاستراتجي: سواءً على مستوى الانتخابات الرئاسية في يونيو القادم، أو على مستوى منصب المرشد الأعلى الذي يستعد لمغادرة الدنيا.

وفي هذه اللحظة الدقيقة لا يمكن لواشنطن أن تستكمل سياسة "الضغط الأقصى" لتغذي حظوظ الحرس الثوري وتساعده أكثر في الاستحواذ على السلطة، وبالتالي تسريع خطى النظام نحو حيازة السلاح النووي وتفجير الوضع الإقليمي بشكل أكثر تهورا، وهي بالمحصلة توجهات سوف تعقد أكثر من إمكانية العودة إلى الطاولة بعد يونيو المرتقب، وفي حال أسفرت عن مواجهة مسلحة فإنها ستعطل الاستراتجية الأمريكية النازعة نحو تخفيف تواجدها العسكري والانسحاب التدريجي من الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق يبدو منطقياً أن تتمخض مشاورات فينا عن نتائج ملموسة تغري الطرفين للمواصلة على ذات المنوال، وثمة عاملان ظرفيان يرجحان هذا التوجه؛ أولا أنها الطريق الوحيد لتعديل ميزان القوى الإيراني وتقريب مصالح خامنئي والمعتدلين على حساب الحرس الثوري والمتشددين.

وثانياً، فقد سبقت هذه الجولة التفاوضية رسائل إيجابية في اليمن أفادت بجدية الطرفين: دفعت طهران بالحوثي لقبول التفاوض وتخفيف الهجوم العسكري على مارب، مقابل إعلان الرياض والشرعية لمبادرة جديدة برعاية أمريكية تعيد تدوير بنود "الإعلان المشترك" المقدم من غريفيث قبل عامين، مع بعض التغيرات الطفيفة.

لقد جاءت محادثات مسقط كجزء ملحق من "مقاربة بانورامية" تتوخى بالأساس تجسير الهوة التفاوضية مع طهران.. وعليه فإن مستقبل الحل السياسي في اليمن يظل مرهوناً إما بنجاح فينا الديبلوماسي، وإما بقدرة الحرس الثوري على فرض مقاربته المتطرفة ونسف السكة الديبلوماسية الأمريكية متى ما سنحت له الفرصة.

وبالنسبة للحوثيين فإنهم يتخذون موقفا ضبابيا يتيح لهم التكيف مستقبلا مع كلا المسارين -مع تفضيل صقور الجماعة لمسار الحرس الثوري؛ من جهة تُبقي مليشيا الحوثي الباب مواربا أمام الحراك الأمريكي، لكن دون الانخراط بأي مسار جاد للسلام مع اليمنيين.. ومن جهة أخرى تواصل تصعيدها الميداني، لكن بمنسوب أقل حدة لا يثير انتباه المجتمع الدولي ولا ينغص ليالي الأنس الديبلوماسي في فينا.

وأمام هذه الديناميكية الإقليمية الجديدة يثور السؤال التقليدي عن خيارات العرب بخصوص الملف النووي، وعن خيارات التحالف العربي بخصوص اليمن؟

للأسف فإن بوادر التهدئة العسكرية والسياسية مع الحوثي، دائماً ما تستجلب نتائج عكسية في معسكر الشرعية. وتجلت أولى مفاعيل ذلك بالمواجهات المسلحة في أبين وشبوة.

وبخلاف الحوثي وراعيه الإقليمي، فان طرفي التسوية في الجنوب (الانتقالي والشرعية) لا يمتلكان القدرة على التاثير في واشنطن، والرغبة في تحسين موقعهما التفاوضي بأي تسوية مستقبلية -حتى وإن كانت مجرد سراب- تجعلهما أميل إلى قضم حصة بعضهما بدلاً عن تعزيز فرصهما السياسية بمواجهة الحوثي.

إن مسار "مسقط - فينا" قد يكون بداية دوامة أخرى من الصراع الذي تستفيد منه إيران من خلال تهدئة نشاطها العدائي في اليمن، مثلما استفادت من رفع منسوبه خلال المرحلة الماضية..

ولا مجال لتغيير هذه الديناميكية إلا من خلال استكمال "اتفاق الرياض" وجعله حجر الزاوية في عملية بناء السلام في اليمن؛ وذلك يقتضي عقلانية أكبر من قبل المجلس الانتقالي، ومسؤولية أكبر من قبل هادي والإصلاح، ويقظة استثنائية من السعودية.