الأربعاء - 03 أغسطس 2022 - الساعة 09:54 م بتوقيت اليمن ،،،
عدن/ مدى برس/ خاص:
نشر مركز الإمارات للسياسات في 2 اغسطس، ورقة تحليل سياسي تحت عنوان "مآلات تسوية الأزمة اليمنية بعد زيارة الرئيس بايدن للمنطقة"، تناقش نتائج زيارة الرئيس الأمريكي للسعودية، والقمة المنعقدة في جدة، حول الملف اليمني، ومسار التسوية السياسية، وكشفت الورقة عن غياب الرؤية الواضحة لديه حول هذا الامر.
ويعيد موقع "مدى برس" نشر نص الورقة، لإهميتها الاستشرافية، والتقييمات التي تضمنتها.
نص الورقة:
لم تعكس زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن قبل نحو أسبوعين للمنطقة، وللمملكة العربية السعودية تحديداً، ذلك القدر من التركيز والاهتمام بالملف اليمني كما كان متوقعاً، فقد اكتفى الرئيس بايدن أثناء حضوره القمة العربية الأمريكية بمدينة جدة السعودية بتصريح صحفي يوم 15 يوليو 2022 أعلن فيه الاتفاق مع القيادة السعودية على تمديد الهدنة في اليمن وتعميقها. وأشار البند رقم 12 في البيان الختامي للقمة إلى "ترحيب القادة بالهدنة في اليمن، وبتشكيل مجلس القيادة الرئاسي، معبرين عن أملهم في التوصل إلى حل سياسي وفقاً لمرجعيات المبادرة الخليجية وآليتها التنفيذية ومخرجات الحوار الوطني الشامل، وقرارات مجلس الأمن ومنها القرار 2216".
وبالنظر إلى هذه المخرجات من الزاوية السياسية يمكن القول بأنها تبدو أقل من سقف التوقعات المرتفعة إثر الإعلان عن زيارة بايدن للمنطقة، وصدور تصريحات من الخارجية الأمريكية فيها إشارات إلى أن الملف اليمني سيكون من أولويات مباحثات الرئيس بايدن أثناء زيارته للمملكة العربية السعودية.
وإذا كان الرئيس الأمريكي نفسه أظهر حماسة ملحوظة في مطلع يونيو الماضي عقب اعلان المبعوث الأممي إلى اليمن هانز غرودنبرغ موافقة أطراف الصراع في اليمن على تمديد الهدنة الإنسانية لمدة شهرين إضافيين، إذ رحَّب بايدن وقتها بالهدنة، وذكر أن "إنهاء الحرب في اليمن من أولويات إدارته"، وحث "جميع الأطراف على اتخاذ إجراءات سريعة تفضي إلى عملية سلام شاملة"، مؤكداَ أن الدبلوماسية الأمريكية لن تكل قبل أن يتم التوصل إلى تسوية دائمة"، إلا أن السياسة الحالية بالنسبة للإدارة الأمريكية لم تعد بذات الحماسة السابقة، فثمة توجُّه للتقليل من الاندفاع في التصريحات والمواقف الأمريكية المنصبة في اتجاه إنهاء الحرب في اليمن.
مصير الهدنة بعد زيارة بايدن للمنطقة
مع ذلك، وعلى الرغم من أن زيارة الرئيس الأمريكي جو بايدن للمنطقة لم تخرج بنتائج ملموسة وقوية إزاء العديد من الملفات الإقليمية الساخنة بما فيها الأزمة اليمنية، إلا أنها أعطت بعض الزخم للجهود والتحركات الدولية من أجل تمديد الهدنة في اليمن.
فعقب إعلان الرئيس جو بايدن من جدة عن اتفاقه مع المملكة العربية السعودية على تمديد الهدنة في اليمن وتعميقها، ذكرت مصادر مطلعة لوكالة رويترز في 18 يوليو أن الأمم المتحدة تضغط على الأطراف المتحاربة في اليمن لتمديد الهدنة لستة أشهر. كما أعلنت الإدارة الأمريكية، في 25 يوليو، بدء مبعوثها الخاص لليمن تيم ليندركينغ من العاصمة السعودية الرياض جولة جديدة في المنطقة لبحث فرص تمديد الهدنة الإنسانية التي تنتهي في 2 أغسطس الجاري. وحالياً يُجري المبعوثان الأممي والأمريكي مباحثات في اليمن والمنطقة للضغط على جميع الأطراف للقبول بتمديد الهدنة لفترة أطول. فما هي فرص نجاح هذه الجهود في تمديد الهدنة في اليمن؟
من الواضح أن الهدنة في اليمن لا تزال هشة، وقد تنهار في أي لحظة؛ فالخطاب التصعيدي من قبل جميع الأطراف هو السائد، كما أن الهدنة بنظر الكثير من المراقبين، لم تعد بفوائد كثيرة على اليمنيين ولم تخفف من معاناتهم بالقدر المأمول، فضلاً عن عدم قدرتها على تجاوز مرحلة تنفيذ معظم ما تضمنته بنودها كخطوة مهمة للانتقال إلى المسار السياسي، على اعتبار أن الهدف الرئيس المتوخى من الهدنة هو تمهيد الطريق للدخول في جولة مفاوضات جديدة للوصول إلى حل سياسي دائم وشامل للأزمة اليمنية.
ولعل أبرز التحديات الماثلة أمام تمديد الهدنة في اليمن تتمثل في تحفُّظ طرفي الصراع على تمديدها، والاتهامات المتبادلة فيما بينهم بخصوص خرق بنودها، فجماعة الحوثي أعلنت في أكثر من مناسبة أن عدم التزام "الطرف الآخر" بتنفيذ جميع بنود الهدنة يعد "مؤشراً سلبياً" لا يُشجع على استمرار النقاش لبحث أي تجديد للهدنة. وفي تصريحات لاحقة للمجلس السياسي التابع للحوثيين بصنعاء أكد على مواقف المجلس المعلنة بخصوص الهدنة، وشدد على ضرورة "الفتح الكامل" لمطار صنعاء وميناء الحديدة، والالتزام بصرف مرتبات جميع الموظفين.
وفي المقابل يتحفظ مجلس القيادة الرئاسي المعترف به دولياً على تمديد الهدنة في ظل تعنت الحوثيين في تطبيق بنودها، لاسيما بند فتح الطرقات في مدينة تعز، حيث قُدِّمت مبادرات أممية في هذا الجانب إلا أن الحوثيين رفضوها بحسب إحاطة السيد هانز غرودنبرغ الأخيرة إلى مجلس الأمن، كما أن التحشيد العسكري المتبادل في بعض الجبهات من قبل الأطراف المتحاربة يُثبت أن الهدنة ما تزال هشة للغاية، وأنها بحاجة إلى مزيدٍ من التقدم في إجراءات بناء الثقة بين الأطراف، والذهاب إلى ما هو أبعد من ذلك عبر مسار سياسي موازي.
مع كل ذلك، لا يمكن القول إن حصيلة الهدنة في اليمن صفرية؛ فإعلان الهدنة بحد ذاته فتح نافذة أمل جديدة لليمنيين يمكن من خلالها التفكير في مستقبلهم بعيداً عن الحروب والصراعات الدموية، كما أن الهدنة بحسب آخر إحاطة للمبعوث الأممي "نتج عنها انخفاض كبير في أعداد الضحايا بين المدنيين تُقدر بنسبة الثلثين مقارنة بما كان عليه الحال في الأشهر الثلاثة التي سبقت بدء الهدنة". وبالإضافة إلى ذلك، فإن دخول سفن المشتقات النفطية، وإن كانت غير منتظمة، والفتح الجزئي لمطار صنعاء ساهما في تخفيف بعضٍ من معاناة المواطنين في مناطق سيطرة جماعة الحوثي، ويمكن لهذه الإجراءات في حال توسَّع نطاقها كما يأمل المبعوث الأممي أن تحدث فارقا مهماً في حياة اليمنيين.
وحرصاً من الأمم المتحدة على إنجاح الهدنة، وضمان تمديدها، حاول المبعوث الأممي تلبية شروط طرفي الصراع لتمديد الهدنة. ففي بيان صحفي للمبعوث الأممي حول تنفيذ الهدنة وآفاق تمديدها بتاريخ 21 يوليو الماضي، قال غرودنبرغ إن مكتبه يعمل على دراسة خيارات ربط مطار صنعاء بمزيد من الوجهات ضمن تمديد الهدنة إلى ما بعد 2 أغسطس، وسيشهد تجديد الهدنة -بحسب غرودنبرغ- دخولاً منتظماً لسفن المشتقات النفطية في الوقت المناسب".
أما فيما يتعلق بفتح الطرقات، فقد أكد المبعوث الأممي بأن ذلك سيكون ضمن أولوية الفترة الحالية للهدنة وأي تمديد لها في المستقبل". وفي المجمل يجادل المبعوث الأممي إلى اليمن بأن تمديد الهدنة وتوسيع نطاقها سيزيدان من الفوائد التي تعود على الشعب اليمني، كما سيوفران منصة لبناء مزيد من الثقة بين الأطراف، والبدء في نقاشات جادة حول الأولويات الاقتصادية مثل الإيرادات والرواتب، والأولويات الأمنية بما فيها وقف إطلاق النار. والهدف في نهاية المطاف هو المضي قدماً نحو تسوية سياسية تُنهي النزاع بشكل شامل".
وبطبيعة الحال، فإن الفوائد المتوخاة من تمديد الهدنة من الصعب أن تتحقق بمجرد الإعلان عن تمديدها، أما عن الهدنة نفسها فمن المتوقع تمديدها رغم كل التحديات التي تواجهها، فالمناخ الاقليمي والدولي في هذه الفترة يُساعد على ذلك، كما أن تصريحات طرفي الصراع لا تحمل رفضاً قاطعاً للتمديد. وبهذا، يمكن توقُّع تمديد الهدنة حتى وإن تأخر الوقت قليلاً وتطلب الأمر الإعلان عن هدنة جديدة، أما بالنسبة للنتائج المتوخاة من تمديد الهدنة فلا يمكن التفاؤل بشأنها، فمازالت الظروف والمتغيرات على المستويات المحلية والاقليمية والدولية كافة لا تسمح حالياً بما هو أكثر من الهدنة والتهدئة حتى إشعار آخر.
أيُّ مستقبلٍ للتسوية السياسية في اليمن؟
الهدف الأساسي المفترض من عقد الهدنة في اليمن هو إعطاء فرصة لليمنيين لالتقاط الأنفاس والخروج من واقع الصراع المؤلم، والانتقال بالوضع من حالة الحرب إلى السلم عبر حوار سياسي يضم كل الأفرقاء وأصحاب المصلحة للوصول إلى تسوية سياسية تاريخية شاملة ومُستدامة، غير أن فترة الأشهر الأربعة الماضية من عمر الهدنة لم تُبرهِن على أن هناك رؤية واضحة لكيفية تحويل الهدنة المؤقتة إلى عملية سلام دائم.
بعبارة أخرى، ستظل الهدنة مهما مُدِّد لها من وقت دون أفق ما لم يكن هناك تغيُّر جوهري وملموس في سياسات الأطراف المباشرة وغير المباشرة إزاء الأزمة اليمنية. ويمكن القول إن مستقبل التسوية والسلام في اليمن يتوقف بدرجة كبيرة على ثلاثة عوامل رئيسة:
- العامل الأول، هو المتعلق بوصول أطراف الصراع المحلية إلى قناعة بعدم جدوى هذه الحرب وأن استمرار الرهان على الخيار العسكري لن يُحقق لها المزيد من المكاسب على الأرض، فإذا اقتنع جميع الأطراف بصعوبة بقاء الوضع على ما هو عليه، وبصعوبة الحفاظ على ما بين أيديهم من مصالح وامتيازات لمراحل طويلة، فإن الرغبة في السلام ستُعبِّر عن نفسها من خلال التهدئة وتخفيف حدة العنف المسلح، وقبول الجميع بصيغة الشراكة والتوافق لتقرير مصير هذا البلد.
- العامل الثاني، دور القوى الإقليمية والدولية في الأزمة اليمنية؛ فمن المعروف أن هناك قوى إقليمية ودولية منخرطة في الحرب في اليمن، سواء بشكل مباشر أو غير مباشر، ما زاد من ارتباط الملف اليمني ببعض القضايا ذات الطابع الدولي، وبالتالي فإن حدوث متغيرات وتحولات إيجابية ومهمة في علاقات هذه الدول ومعالجة بعض القضايا والملفات الساخنة فيما بينهم سينعكس إيجابياً على الملف اليمني.
- العامل الثالث، دور الأمم المتحدة ومبعوثها الخاص إلى اليمن في مساعدة أطراف الصراع للذهاب بعيداً في مسار السلام، وتوجيه المجتمع الدولي للعب دور قوي ومباشر في دفع جميع الأطراف للجلوس على طاولة واحدة ومناقشة شكل وطبيعة التسوية السياسية المناسبة والمقبولة من قبل معظم القوى والمكونات السياسية الموجودة على الساحة اليمنية.
وإذا أرادت الأمم المتحدة النجاح في مهمتها، فعلى المبعوث الأممي التوقف قليلاً لتقييم ومراجعة النهج الذي اعتمده، وما الذي حققه منذ تولِّيه منصبه؛ فالملاحظ هنا أن المبعوث بات غارقاً في التفاصيل ويأخذ وقتاً طويلاً في قضايا بعينها رغم أهميتها إلا أن تركيز كل الجهود عليها وحدها لا يُعَد النهج الأنسب لمعالجة الأزمة اليمنية، وقد أثبتت حصيلة أربعة أشهر من الهدنة وتجارب المبعوثين السابقين عدم نجاعة هذا التوجه الذي يعتمد سياسة تجزئة الحلول. والمؤكد أن القضايا الإنسانية مثل فتح الطرقات، وتسهيل حركة مرور وتنقل الأفراد والبضائع، وفتح الموانئ والمطارات بشكل كامل، ودفع رواتب الموظفين جميعها قضايا ملحة ومهمة، ولكن من الصعب معالجتها بصورة كاملة بمعزل عن وجود حد أدنى من التفاهمات السياسية التي تؤمِّن الحلول لمثل هذه القضايا وتغطيها.
لقد حان الوقت لأن يُفكِّر المبعوث الأممي بطريقة أخرى، وينظر إلى ما هو أبعد من الهدنة والجوانب الفنية والتقنية المرتبطة بتطبيق بنودها؛ فعلى المبعوث أن يترك هذه القضايا لمساعديه وأن يخوض في مسارات سياسية أخرى تدخل في صميم الأزمة اليمنية، وتناقش الأسس والمرتكزات التي يمكن أن تبنى عليها أي عملية سياسية مقبلة، مثل شكل الدولة، وطبيعة نظام الحكم السياسي، وآليات توزيع السلطة والثروة، ومعايير ومواصفات الشخصيات التي ستتولى قيادة المرحلة الانتقالية، وقبل كل ذلك لا بد من العمل على تقليص فجوة عدم الثقة بين الأطراف والبحث في الضمانات التي يمكن أن تدعم تنفيذ مضامين أي تسوية سياسية مستقبلية.
تعقيدات وظروف
وبالنظر إلى كل المعطيات والظروف المحيطة بالملف اليمني، يمكن القول إن مسألة التوصل إلى تسوية سياسية شاملة في هذا البلد ما زالت بحاجة إلى مزيدٍ من الوقت والجهد، وربما الحظ، وإلى حين اتضاح الصورة بشكل أكبر فيما يتعلق بمآلات الحرب الروسية الأوكرانية، وملف إيران النووي، ومستقبل العلاقات بين الفاعلين الإقليميين، فإن التوجه الدولي، والأمريكي على وجه التحديد، يُفضِّل على ما يبدو تجميد الحالة في اليمن تحت وضع "الهدنة" لأطول فترة ممكنة، وتسويق أمر الهدنة ومسألة تمديدها بوصفه إنجازاً يُحسَب للإدارة الأمريكية الحالية وإحدى ثمار سياساتها فيما يخص الملف اليمني.
وفي حال سارت الأمور نحو التهدئة والاستقرار عبر الحوار والدبلوماسية على حد تعبير الرئيس الأمريكي جو بايدن، يمكن حينها البناء التدريجي على وضع الهدنة في اليمن، وإحداث تقدُّم أكبر في المسار السياسي، بوصف ذلك خطوة إضافية أخرى في طريق تحقيق وعود الرئيس بايدن بإنهاء الحرب في اليمن.