تفاصيل

السبت - 23 أبريل 2022 - الساعة 11:11 م بتوقيت اليمن ،،،

مدى برس/ طاهر علوان:


لكي تصنع زيا لشخصية ما يجب أن تعرف من هي؟ من الذي سوف يرتدي ذلك الزي؟ وما طباعه؟ وما طبيعة شخصيته؟ وما شكل جسمه ومدى استقامة ظهره؟ هذه المقدمة يعرضها أمامنا صانع الزي وقد حوّل مهمته إلى مستوى من الترف الذاتي والمعنوي، وصولا إلى قراءة شخصيات زبائنه.

للوهلة الأولى تبدو هذه المقدمة وما يتحدث به صانع الزي، المصمم وليس الخياط أو الترزي، ثقيلة بشكل ما، لكن ذلك ما يتحدث به المصمم وصانع الزي ليونارد (الممثل مارك ريلانس) منذ المشاهد الأولى من فيلم “الزي” للمخرج غراهام مور، وهو ما يمثل إعدادا بارعا لمسرح الأحداث كلها وصولا إلى مسرح الجريمة.

فها نحن مع المشاهد الأولى مع ليونارد الإنجليزي، هكذا يسمونه لأنه قادم من بلاد الإنجليز بعد الحرب العالمية الثانية، وقد استقر في مدينة شيكاغو وفتح هناك دكانا منذ ذلك التاريخ.

ها هو يمارس عمله الروتيني ويظهر في لقطات تقترب من اللقطات الوثائقية للمراحل التي تمر بها عملية خياط البدلة، التي هي قطعتان لكنهما ليستا قماشا فقط، بل هما جزء من الشخصية، وهكذا تتدفق على دكان صانع الزي أجناس مختلفة من البشر، لكن ثمة أشخاصا يدخلون دون استئذان وإذا دخلوا لا يلتفت ليونارد لهم، وكل مهمتهم أنهم يأتون برسائل أو طرود بريدية صغيرة يضعونها في صندوق البريد الذي هو في داخل دكان مصمم الزي.

التحول الجذري في هذه الدراما يرتبط بمافيا الجريمة التي يتنافس فيها قطبان، وهما عصابة لافونتين من سمر البشرة ومن القادمين من فرنسا أو مستعمراتها، وتتزعمهم مدام لا فونتين (الممثلة نيكي بيرد)، في مقابل عصابة بويل، وما بينهما هنالك المباحث الفيدرالية التي لا أحد يعلم كيف تتجسس على الطرفين.

في حوار ما بين ليونارد وريتشي (الممثل ديلاناوبراين) وهو ابن زعيم المافيا الوحيد، تتجلى صورة البحث عن الواشي أو الجاسوس الذي سوف يتحيرون في أمره من يكون، إلى درجة أن يحوّل ليونارد الأمر إلى مزحة بزعمه أنه هو الواشي.

تتوالى الأحداث في هذه الدراما الفيلمية ويكون ليونارد هو الحلقة الأضعف مع الفتاة مابل (الممثلة زوي دوتش) وهي مساعدته في صناعة الزي، فالمافيا تطمئن لهما بينما هو يدرك بفراسته أن الساعد الأيمن فرنسيس (الممثل جوني فلين) ما هو إلا مرتزق رخيص لن يتردد في إطلاق الرصاص على ريتشي، ويخزنه في صندوق صانع الزي، ثم يتطور الأمر إلى قدوم زعيم المافيا ووالد ريتشي (الممثل سيمون بيل)، وهنا تقع المواجهة وتتشظى الدراما بطريقة مذهلة.

استطاع كاتب السيناريو أن يصنع سلسلة من الأحداث ذات الترابطات السردية المحكمة، وذلك في إطار وحدة مكانية واحدة، وهو ما أذهل الكثير من النقاد الذين أشادوا في العديد من المواقع والصحف ببراعة كل من المخرج غراهام مور وكاتب السيناريو البارع جوناثان مكلين، في غرس تلك الدراما الفيلمية في حيز جغرافي ووحدة مكانية لن تتعدى دكان صانع الزي.

مشاهدة هذا الفيلم إلى النهاية سوف تثير في الذهن تساؤلا: ترى أين وقعت الأحداث، وعندما تتأكد من أنها وقعت في مكان واحد هو دكان ذلك الخياط، سوف تدرك تلك البراعة في تمرير الزمن الفيلمي كله في مكان واحد من دون أن تشعر بالرتابة ولا الملل.

لقد عمق ذلك كله التفاعل في الأداء والعناصر الجمالية والتعبيرية التي انطوت عليها كل من شخصيتي ليونارد ومساعدته، فهما في الظاهر حياديان تماما والفتاة تؤدي عملها بطريقة آلية وصامتة، بينما هو يرعاها ويقدرها وحتى وهي تواعد ريتشي، ابن زعيم المافيا في داخل دكان صانع الزي وهو نفسه يعلم بذلك.

على أن الحبكة الثانوية التي سوف تسهم في تغيير مسار الأحداث هي تلك المرتبطة باكتشاف شريط التسجيل الذي تستخدمه المباحث الفيدرالية، وتكون قد جندت شخصا ما فقام بزرع جهاز التسجيل، ومن ثم التعرف على أسرار المافيا.

لكن التصعيد الدرامي المذهل ما يلبث أن يتطور بدفع ليونارد زعيم المافيا إلى الذهاب للبحث عن ابنه، بينما هو ينسق مع جماعة لافونتين التي سوف تجهز على فرانسيس، ثم تقع المواجهة الأخيرة بين هذا الأخير وليونارد، ولنزيح الستار عن حقيقة أن الفتاة كانت هي الواشية وأن ليونارد كان يساعدها في الوشاية بالعصابة.

ولعل الملاحظة في هذه الدراما الفيلمية هي الاستخدام المتقن للحوار، فهو ليس من نوع ذلك التشبث بالكلام لإسناد الصورة ما دامت الأحداث تقع في حيز مكاني واحد، بل إنه نوع من الحوار الذي تكشف فيه الشخصيات عن ذاتها.

وأما إذا انتقلنا إلى كيفية توظيف الحبكة الدرامية في إدارة الصراع وفي زج الشخصيات في المواجهة، فقد عمد المخرج إلى نوع من التدرج والنمو المنطقي للأحداث، الذي أضاف عنصرا مهما ساعد على المزيد من متعة المتابعة وترقب الشخصيات ومن الذي سوف ينتصر في الأخير، وحيث الكل محترقون في تلك الدوامة من الصراع التي تنتهي بنيران مشتعلة تلتهم دكان مصمم الزي، فيما هو يغادر دكانه المحترق.

العرب اللندنية