مقالات


الجمعة - 03 أبريل 2020 - الساعة 01:42 ص

الكاتب: د. عبد القادر الجنيد - ارشيف الكاتب



الدكتور انتوني فوتشي، رئيس قسم الأمراض المعدية في أمريكا، هو الذي يتطلع إليه الناس كلما أرادوا إجابة على سؤال: "متى سينتهي كل هذا؟".

فوتشي، يقول: "قد تكون في أي نقطة ما بين أربعة إلى ستة أسابيع كأقل شيء وقد تمتد إلى ثلاثة شهور"، "ولكن ليست عندي أي ثقة في هذه المدد الزمنية".

بالبلدي، أكبر خبير في العالم في الأوبئة، لا يعرف الإجابة.

هناك قسم السياسات الصحية في جامعة لندن، وقسم الصحة العامة في جامعة جون هوبكينز في أمريكا، وقسم الصحة العامة في جامعة بنسلفانيا في أمريكا، ومعهد كوخ في ألمانيا، ومعهد باستير في فرنسا، وغيرهم الذين نعرف من زمان حتى من قبل ما نتخرج من كلية الطب أنهم أعظم من يقوم بوضع الدراسات والأبحاث عن الأوبئة، والعوامل التي تساعد على انتشارها، وهم الذين يختارون مفاصل وحلقات الوباء التي يجب ضربه منها.

لا يمكن أن تمر أسماء هذه الأماكن أمام عيني بدون أن أغطس وأغرف مما يقولون. وعيني لا تتوقف عن التخاوص والقفز بين عناوين كل ما يكتب.

آخر تحليل من جامعة بنسلفانيا، يقول حتى لو تمكنت سياسة القفل والعزل الاجتماعي من تخفيض معدلات انتشار العدوى بمقدار 95٪؜ فإن عدد الأمريكيين الذين سيحتاجون عناية مركزة سيصل إلى 960.000. وهناك فقط حوالي 180.000 جهاز تنفس صناعي في الولايات المتحدة والأهم من كل هذا هو أن أعداد إخصائيي التنفس الصناعي والكوادر التي تعتني بالمرضى الذين في حالة حرجة لا يكفون إلى للعناية ب 100.000 مريض.

وأن أي كلام الآن عن التوقف عن العزل والتباعد الاجتماعي سيكون غاية في الحماقة وسيؤدي إلى كارثة في ظل عدم توفر الفحوصات المختبرية ولا المستلزمات الطبية لوقاية الكوادر الصحية والناس.

ماذا يقولون عن المآلات والاحتمالات للسيناريوهات والنهايات؟

هم أنفسهم مدركون أننا نتعرف كل يوم على شيء جديد حول ڤيروس كورونا ونرى زاوية جديدة وبالتالي تتغير نظرتنا ورؤيتنا وبصيرتنا وإدراكنا مع كل أرقام جديدة ومع كل بحث علمي جديد.

الأرقام الجديدة عن انتشار الإصابات والوفيات وطرق استجابات الشعوب والدول في كل العالم والأبحاث الجديدة، تدور أمام عيوننا وتتغير كل دقيقة.

انظر في هذه المعلومة الجديدة عن الموجة الثانية القادمة من الصين وسنغافورة وكوريا الجنوبية وتايوان، وهي الدول التي قد نجحت في احتواء انتشار العدوى من الڤيروس..

هناك شرارات وبؤر جديدة تشتعل بإصابات جديدة.

الاستنتاج من هذه الأرقام الجديدة أو الموجة الثانية كما يسمونها، هو أنه طالما وأن الڤيروس ما زال موجودا في أي مكان آخر فإنه يمكن لمسافر واحد أن يكون الشرارة التي تبدأ بإشعال النار في أكوام القش الذين هم لم تتم إصابتهم في الموجة الأولى.

وحتى الذين قد سبق وأن أصيبوا فنحن لا نعرف بالضبط وبصورة مؤكدة إن كان قد أصبح عندهم مناعة أم لا. هذا بدوره سيحتاج لمتابعة ودراسة وأبحاث.


> سيناريوهات النهاية

بعد هذه المقدمة، وفي ظل هذه الظروف هناك ثلاثة سيناريوهات أو احتمالات للنهاية:

الأول؛ غير وارد والثاني؛ خَطِر والثالث؛ طويل كما ورد في تقرير مسهب في الأتلانتيك

▪الاحتمال الأول- غير وارد:

القضاء على الجائحة العالمية بسرعة.

تتكاتف كل دول العالم وتقوم بعمل متزامن وبمجهود متناسق وبحسب توجيهات العلماء وخبراء الأوبئة وامتثال الأجهزة التنفيذية من الرؤساء والقادة وتجنيد كل المختبرات والشركات لإنتاج الفحوصات المخبرية والمستلزمات الطبية والحصول على لقاح على وجه السرعة.

فات الميعاد على كل هذا.

لم تستطع دول مثل إيطاليا وإسبانيا تكرار تجربة الدول الآسيوية المحيطة بالصين.
ودول مثل بريطانيا وأمريكا، تتجه نحو الكارثة.

▪الاحتمال الثاني- خَطِرْ:

هذا سيكون مثل جائحات أو فاشيات الإنفلونزا العالمية التي قتلت عشرات أو مئات الملايين في بداية القرن الماضي.

وهو نفسه ما يعرف باسم "مناعة القطيع" الذي كانت تدعو إليه بريطانيا بترك كل شيء عادي بلا عزل ولا تباعد اجتماعي ولا إقفال للاقتصاد ولا منع للتجمعات.

ولكن السيد بوريس جونسون والسيد ترامب، صعقوا عندما عرضوا عليهم في غرف مغلقة توقعات قسم السياسات الصحية بجامعة لندن بأن 500.000 سيموتون في بريطانيا وأن 2.5 مليون سيموتون في أمريكا في ظل سياسة "مناعة القطيع".

أما بالنسبة للاقتصاد، فربما سياسة مناعة القطيع قد تضر بالاقتصاد أكثر من القفل والتباعد الاجتماعي، لأن فقدان موارد بشرية بهذه الأعداد ربما يقضي هو نفسه على الاقتصاد.

▪الاحتمال الثالث: مراحل طويلة

كل ما تشوف الڤيروس في مكان، اتحشفر وشمر ساعدك واضرب كل بؤرة تشتعل مثلما تفقس الكُنَمْ أو القمل في شعر طفلة في قرية.

افقس كُنَمَه وابحث عن الثانية.

هذه عملية معقدة وطويلة وتشتمل على ما يجري حاليا من منع تنقلات وأسفار وتباعد اجتماعي والبحث عن مصابين وتوفير الفحوص المخبرية واقتفاء أثر المخالطين وإغلاق الأسواق ومنع التجمعات.

وكل هذا انتظارا لتصنيع اللقاح، الذي لن يتوفر إلا بعد 12 إلى 18 شهراً.

وحتى لو نجحت جهود ال 43 مختبرا عالميا الذين يسابقون الزمن الآن لإنتاج اللقاح، فليس من المؤكد أن يتم إنتاجه على نطاق واسع بحيث يغطي كل سكان العالم.

تقدم العلم والبحث عن اللقاح
*
هناك مرحلتان في البحث عن اللقاح

1- السيطرة على الڤيروس وترويضه وإضعافه تجهيزا لتجربته.
هذا قد تم بطريقة تشبه قصص الخيال العلمي.

2-تجربة الڤيروس والتأكد من عدم فتكه ومن آثاره الجانبية ومن قدرته على تحفيز جهاز المناعة عند الإنسان، وعن مدة المناعة التي يعطيها، وعن الحاجة إلى إعطاء جرعات إضافية في مدد زمنية مختلفة.
هذا سيحتاج ل 12- 18 شهراً.

استطاعوا في مسألة البحث عن لقاح لڤيروس كورونا في خلال 20 يوما أن ينجزوا ما استغرق منهم 20 عاماً في إنجاز المرحلة الأولى (مرحلة الترويض) من البحث عن لقاح لڤيروس شلل الأطفال.

في حالة ڤيروس كورونا التقدم الكبير الذي حصل مع فهم الأحماض النووية دي إن إي & آر. إن. إي DNA & RNA، والكشف عن تسلسل الأحماض الأمينية لكل ڤيروس الذي توصل إليه العلماء الينيون وأعطوه لمنظمة الصحة العالمية ولكل دول العالم بعد عشرة أيام من اكتشاف أول حالة مرضية، وبعدها استعمال تقنية ال PCR- Polymerase Chain Reaction المذهلة، مكنت 43 مختبراً في كل أنحاء العالم من فصل جزء صغير من الڤيروس وهذا سيعمل كبروتين يمثل الڤيروس إذا تم حقنه لجسم الإنسان فيتفز جهاز المناعة ويقوم بإنتاج الأجسام المضادة وخلايا الدم البيضاء الفتاكة للڤيروس في حالة إذا دخل إلى الجسم.

وحتى يتم توفير اللقاح، سيظل ڤيروس كورونا جزءاً من حياة البشر للسنة أو السنتين القادمتين.

وكلما نزلت معدلات انتشار الڤيروس ونزل منحنى تسارع العدوى في مكان ما، ستبدأ القيود على حركة الناس والأسواق تخف ويخرج الناس إلى الشوارع والأعمال، وإذا صعد المنحنى إلى أعلى عادوا إلى بيوتهم للانعزال والاختباء.

وكل هذا مصحوب بتغيرات جذرية في طريقة التعليم في المدارس والجامعات وفي التسوق والترفيه وحتى في ردود الفعل النفسية ومعدلات الانتحار وحتى في ارتفاع عدد وفيات الناس الذين يموتون بأمراض غير كوڤيد19.

هناك أمل بأن يأتي الصيف ويخفف من معدل انتشار إصابات ڤيروس كورونا ولكن يجب ألا ننسى بأن الصيف في الأجزاء الشمالية من العالم يقابله الشتاء في جنوب الكرة الأرضية وربما يشتعل الوباء هناك.

وربما يصبح ڤيروس كورونا جزءاً من حياتنا، تخف ضراوته وقدرته على الفتك ويعيش معنا ويأتي إلينا كل شتاء مثل الانفلونزا والزكام ونزلات البرد.

وقد توفر حكومات البلاد المتقدمة لقاح ڤيروس كورونا في بداية كل خريف لشعوبها، وقد يتكاسل البعض ولا يكلف نفسه عناء الذهاب للتلقيح كما يحدث الآن مع الإنفلونزا.

هذه أيام غير مسبوقة، أيام وباء عالمي، وفي ظل ثورة معلومات، وثورة اتصالات، وثورة وسائط اجتماعية، ومعايشة كل مصيبة وكل مأساة وكل كارثة في أي مكان في العالم بث مباشر.

وكل شيء قد تغير، ويتغير، وسيظل يتغير.

ويجب المتابعة والتأقلم والتكيف والاستجابة والتغير.

والذي لا يتابع ولا يتفاعل ولا يتطور ولا يتغير، سينزوي ويضيع ولا يعرف ما يدور.

ويجب أن نستمع للعلم والمعرفة..

عبد القادر الجنيد
30 مارس 2020م

• من صفحة الكاتب على الفيسبوك