مقالات


الأحد - 05 أبريل 2020 - الساعة 09:18 م

الكاتب: د. عبد القادر الجنيد - ارشيف الكاتب



أنا نازح -الكلمة المتأنقة لمشرد- قادم من بلاد فقيرة وغير نامية وتتدمر بحرب أهلية وأعيش في بلاد غنية ومتقدمة وآمنة.

كنت في غاية الانغماس مع كل ما يدور في اليمن دقيقة بدقيقة ثم جاء ڤيروس كورونا فانشغلت بالوباء لأعرف كل ما يتعلق به بنفس الطريقة.

وتداخل الخوف الحاصل من الڤيروس في كل العالم مع الخوف على اليمن وما الذي سيقع بها وهي في هذه الحالة.

وهذه قراءة لهموم العالم المتقدم مع ڤيروس كورونا مع محاولة لليَمْنَنَة وقد تكون مدخلاً لكل الدول "غير النامية" (تأنق في اختيار الألفاظ عند وصف التخلف والجهل وانعدام القانون وغياب الدستور والعقد الاجتماعي).

ما زال أمامنا ثمانية عشر شهراً من اضطراب الحياة أو فقدانها بسبب عدة حقائق وتناقضات


▪الحقيقة الأولى: اللقاح بعد 18 شهراً

سنبدأ من آخر حقيقة وهي صادمة.

لن ينتهي هذا الوباء العالمي إلا بعد توفر اللقاح الفعال والآمن للوقاية من ڤيروس كورونا.

وهذا يحتاج من 12 إلى 18 شهراً ليتوفر لكل الناس مجاناً في البلاد الغنية المتقدمة الذين لما يصابوا بعد.

ولا نعرف إن كانوا سيوفروه لشعوب البلاد الفقيرة غير النامية، ولكن الغالب أن هذا سيتم أيضا إن لم يكن من باب الإنسانية فسيكون من باب التخلص من بؤر الكورونا التي قد تهجم عليهم بعد حين في موجات متعاقبة.

شيء مشابه لما عملوه مع وباء الجدري الذي قضوا عليه بمجهود عالمي.

وهذا هو مغزى الكلام الذي يتداولونه من ضرورة وجود مجهود دولي يوحد طاقات وموارد وأموال وعلماء ومختبرات العالم لمواجهة كوڤيد 19


▪الحقيقة الثانية: ضرورة تسطيح منحنى العدوى

إذا سمحنا للأسواق والتجمعات والمدارس والجامعات والمصانع وكل الأعمال وكل نشاطات الاقتصاد بالاستمرار كالمعتاد، فستنتشر العدوى وترتفع معدلات الإصابات ونقول عندها إن هذا المنحنى متسارع ويرتفع إلى قمة حادة.

القمة الحادة للمنحنى

ارتفاع حاد في عدد الإصابات بمعدلات "أُسِّيَّة" في وقت قصير للغاية.

تسبب ضغطا صاعقا على المستشفيات والأطباء والممرضين والمستلزمات الصحية والأدوية، تنتهي بوفاة أعداد هائلة من المرضى والكوادر الصحية الذين يعتنون بهم وربما تنتهي بالمفاضلة بين من ينقذون وبين من يتركون ليموتوا وحتى يمكن أن يصل الأمر لأن يموتوا في بيوتهم لأن الوقت اللازم من بداية المعاناة من تسارع التنفس إلى إنقاذهم بجهاز التنفس الصناعي يجب أن يتم في خلال 30 دقيقة.

تسطيح المنحنى

يحتاج إلى عزل الناس وقفل الأعمال وتوقيف الاقتصاد.

ربما نفس إجمالي عدد الإصابات ولكن بمعدل تسارع بطيئ وخلال مدة طويلة.

هذا يشتي وقت حتى نحصل على اللقاح.

الهدف هو تخفيف الضغط على المستشفيات وتنقيص الوفيات، حتى إذا كان إجمالي عدد الإصابات هو نفسه الذي حدث في حالة القمة الحادة ولكن خلال فترة طويلة يمكن مواجهتها بدون ضغط على المستشفيات والأدوية والمستلزمات.

ولكن عيب تسطيح المنحنى الكبير، هو أنه يحتاج لوقت طويل من التباعد الاجتماعي وانعزال الناس في بيوتهم وانهيار التعليم وقطع الأرزاق وانهيار الاقتصاد.

ويكلف كثيرا في مساعدة من فقدوا أعمالهم ومن انقطعت أرزاقهم وإنقاذ الأعمال الصغيرة وحتى الشركات والأعمال العملاقة مثل شركات الطيران وحتى شركات البترول.

في اليمن والدول غير النامية، لن يعرفوا عدد الإصابات ولا من عاش ولا من مات، وإذا عرفوا فإنهم لن يكترثوا أو سيخفون ويخبئون الأرقام ويفصلون أو يحبسون من ينشرها أو إذا نشرها أحد فلن يهتم لا المسؤول ولا بقية الناس ولا أي أحد في العالم.

قد يهتم به الدارسون من باب إكمال فهم الدنيا، ومعرفة العلاقة بين الفقر والمرض الذي هو تخصص علمي قائم بذاته.


▪الحقيقة الثالثة: الاقتصاد هو الأمن القومي

انهيار الاقتصاد، شيء خطير ويدافع عنه رجال أعمال بنفوذ قوي يتحكمون بالسياسيين والأحزاب والحكومات.

وحتى من باب الأمن القومي، الدول والقادة قد يقبلون بمخاطرات لإنقاذ الاقتصاد.

الحروب، هي أصلاً من أجل الاقتصاد.

ستأتي لحظة، لن تتحمل فيها المؤسسة الحاكمة وقطاع الأعمال والتجارة والاقتصاد والمسؤولون عن الأمن القومي استمرار شلل الحياة وتعطيل الاقتصاد، ويقبلون بغرامة تحمل حد معين من انتشار العدوى واستمرار الإصابات والوفيات، حتى يتم الحصول على اللقاح.

وفي البلاد غير النامية، قد يرى أمثال الحوثي في اليمن في وباء ڤيروس كورونا فرصة سانحة لتحقيق مكاسب وأخذ معونات ومساعدات دولية لشعب منكوب ويسخرها لخدمة مجهوده الحربي ويشدد ضغوطه بسبب إدراكه أن خصومه مهتمون بمعاركهم البينية ومصالحهم الشخصية أكثر من اهتمامهم بمواجهته أو بانقاذ اليمن من الحوثي أو من وباء كورونا.


▪الحقيقة الرابعة: عواقب العزل النفسية والاجتماعية والأسرية

هل يتحمل الناس أن يظلوا في مكان واحد طوال الوقت حتى لو كان مع شريك/ شريكة الحياة والأطفال؟

ماذا عن الذين معهم أصلاً مشاكل نفسية؟ وماذا عن تأثير العزل عليهم؟

ماذا عن الذين يكسبون رزقهم بالعمل اليومي؟ وماذا عن أصحاب الأعمال الصغيرة مثل المطاعم والحلاقين، الخ.. وغيرها من الأعمال؟

هل سيتمرد كل هؤلاء ويخرجون؟

وهل ستحاول السلطات نهرهم بصرامة كما تفعل الآن؟ أم أن نفاذ الصبر هذا عند الناس سيأتي على مثل ما بنفس الحكومات من باب الرغبة في استعادة الاقتصاد ودواعي الأمن القومي؟


▪الحقيقة الخامسة: تقارب الهوى بين الناس والسلطات

الغالب أن الناس، سينفد صبرهم من العزل وتوقف الحياة.

والمؤكد هو أن السلطات والحكومات، سيجن جنونهم من تهاوي الاقتصاد وتهديد الأمن القومي، وسيصل الجميع -الناس والسلطات- إلى تخريجة "متأنقة" للقبول بحد معين من انتشار الاصابات واستمرار الوفيات مع تحسن معقول في توفير أسرة المستشفيات والمستلزمات الطبية والأدوية.

وسيتعود الناس وسيتعرضون لأحزان وآلام تستمر لفترات قصيرة حتى يأتي اللقاح بعد 18 شهراً.

عبد القادر الجنيد
4 أبريل 2020

* من صفحته على الفيس بوك