الأربعاء - 08 أبريل 2020 - الساعة 08:42 ص
هذا ليس عرضاً للتجربة الألمانية فقط، ولكنه مدرسة لفهم ڤيروس كورونا ومرض كوڤيد19، وينفع أن يستفيد منه عمليا من يريد.
وإن كنت أقر بأن تبسيط الشرح، لا يعني على الإطلاق أنه سهل الاقتباس والتنفيذ.
كتبت كاترين بنهولد تقريرا استقصائيا مبهرا في النيويورك تايمز يوضح تفاصيل تعامل ألمانيا مع جائحة كوڤيد19، وهذا عرض للتقرير بتصرف.
بالرغم من الأعداد الكبيرة للإصابات بڤيروس كورونا في هذا الوباء الذي يجتاح العالم إلا أن أرقام الوفيات في ألمانيا أقل بكثير من أعداد الوفيات في الدول المجاورة لها.
عدد إجمالي الإصابات في ألمانيا حوالي ال 100.000 تقريبا (الأرقام تتزايد وتتغير كل ساعة) ، وهذه إصابات مثبتة ومؤكدة بالفحص الذي تم عمله فعليا وليس تنبؤات.
ولكن عدد الوفيات هو ١,٢٩٥ وهذا يجعل النسبة المئوية للوفيات ١,٤ ٪ من إجمالي عدد المصابين.
للمقارنة فإن النسبة في إيطاليا ١٢٪
وفي أسبانيا وفرنسا وبريطانيا ١٠٪
وفي الصين ٤٪
وفي أمريكا ٢,٥٪
وفي كوريا الجنوبية التي يضرب بها المثل في تسطيح المنحنى ١,٧٪
ولقد أطلقوا على هذه المفارقة مسمى "الغرابة الألمانية".
والألمان يستقبلون المكالمات من الولايات المتحدة ومن كل مكان يسألونهم عن السر الألماني، وعما الذي يجعل أرقام الوفيات عندهم متدنية.
الإجابة على السؤال، هي خليط من تفاصيل إحصائية ملتوية مع جهد ألماني مميز نتج عنه اختلاف حقيقي عن بقية البلدان.
▪أولاً: التفاصيل الإحصائية الملتوية
•أعمار المصابين
الوباء في ألمانيا، ابتدأ بين صغار سن أصحاء أقوياء ذهبوا للتزلج في إيطاليا والنمسا. ابتدأ كمرض المتزلجين.
ومع انتشار المرض بين كبار السن فقط، ابتدأت الوفيات تتزايد. لقد تزايدت ٠,٢٪ منذ اسبوعين.
لكن بصفة عامة، ظل متوسط أعمار المصابين منخفضا عند ٤٩ سنة.
في فرنسا ٦٢,٥ سنة، وفي إيطاليا ٦٢ سنة.
•أعداد الفحوص الهائلة
هذا يعني أنك تجد أعدادا كبيرة من المصابين بالڤيروس بدون أعراض أو بأعراض طفيفة وهذا يزيد عدد الإصابات الموثقة ولكن بدون وفيات على الإطلاق.
(ربما في البلدان الأخرى هناك عشرات ألوف من المصابين الذين بدون أعراض ولا يدخلون في النسبة المئوية، فتبدو نسب الوفيات أكبر)
▪ثانياً: الجهد الألماني المميز
١- فحص الناس
في منتصف يناير وقبل أن يعير الناس ڤيروس كورونا أي انتباه، كان قسم الڤيروسات في مستشفى برلين شاريتيه لكلية الطب بجامعة برلين قد توصل لكيفية إنتاج الفحص المخبري للڤيروس وقام بنشره في الحال "أون لاين" على الإنترنت.
وقاموا بإنتاج الفحوص في عدة مختبرات من مناطق البلاد المختلفة.
وعندما شخص الألمان أول حالة كوڤيد١٩ في فبراير، كان قد معهم مخزون هائل من مستلزمات الفحص المخبري.
السبب في أن أرقام الوفيات متدنية بين الألمان، هو أنهم يفحصون أعدادا كبيرة من الناس.
الفحص المبكر للڤيروس داخل الإنسان بواسطة مسحة من الأنف أو الحلق، ولأعداد كبيرة من الناس، يسمح للسلطات الصحية أن تبطئ من سرعة انتشار الوباء باكتشاف المصابين بالڤيروس أول التقاطهم للعدوى والقيام بعزلهم وهم في عز قدرتهم على عدوى الآخرين.
وأيضا، يمكنهم من التدخل بعلاجهم أول بداية زيادة شدة المرض وهذا يقلل من احتمال وفاتهم ومن أرقام الوفيات في البلاد.
التنفس الصناعي، أول بداية عسر التنفس وفي الدقائق الأولى للفشل التنفسي يمنع التدهور ويعمل فرقا كبيرا وينقذ الحياة.
ويفحصون الكوادر الطبية، بانتظام وتكرار، لأنهم معرضون أكثر من غيرهم لالتقاط العدوى.
نسبة الإصابات والوفيات بين الأطباء الألمان أقل من زملائهم في معظم أنحاء العالم.
وفي نهاية ابريل الحالي، ينوي الألمان أن يبدؤوا بفحص ١٠٠,٠٠٠ شخص من الدم أسبوعيا بصورة عشوائية في مختلف أنحاء ألمانيا للأجسام المضادة لتحديد من قد اكتسب المناعة. أي من قد أُصيب وشفى واكتسب مناعة.
الآن، يفحصون ٣٥٠,٠٠٠ شخصا في الأسبوع وهذا أكثر من أي بلد أوروبي آخر.
وهذه الفحوصات، مجانا.
وكانوا يقومون بها في الشوارع وفي مواقف السيارات للناس الأصحاء الذين لا يشكون من شيئ
في أمريكا، ممكن أن يشعر طالب جامعي بأعراض التهاب في الحلق ولا يهتم بإجراء الفحص لأن عليه أن يدفع قيمته.
في أمريكا وكل دول أوروبا، يقولون لمن يشعر بأي أعراض أن يبقى في البيت ولا يعرضون عليه أي فحص.
في بريطانيا، ومعظم الدول الغنية كانوا يردون المرضى الذين يحالوا من طبيب الأسرة للفحص لأنه لا توجد عندهم مواد ولا مستلزمات الفحوص المخبرية بكميات كافية.
٢- اقتفاء أثر المخالطين
رجل عمره ٢٢ سنة ولا يشكو من أي أعراض، طلب منه صاحب العمل (مدير إحدى المدارس) أن يجري فحصا للڤيروس لأنه علم بأنه كان قد حضر مهرجانا وأن أحد الناس الذين كانوا في المهرجان قد فحصوه وكانت النتيجة إيجابية.
وكانت نتيجة فحص الرجل الذي يعمل في المدرسة إيجابية.
تم قفل المدرسة، وعزلوا التلاميذ والعاملين، وفحصوا ٢٣٥ شخصا.
هذا اسمه تعقب مخالطين أو اقتفاء أثرهم.
تخيلوا لو لم يكن هذا الرجل قد تم فحصه، ماذا كان سيعمل من مصيبة لطلبة المدرسة وكل العاملين بها.
وهذا الرجل تم فحصه لأنهم اعتبروه مخالطا لشخص لا يعرفه في مهرجان، تم لا حقا معرفة أنه مصاب.
٣- نظام استجابة ألماني للطوارئ الصحية ممتاز
وفر الألمان أسرة عناية مركزة وكوادر صحية بزيادة ٥٠٪ عن السابق، وأصبحوا معه الآن طاقة استيعابية فائضة بحيث يستقبلون مرضى من إيطاليا وأسبانيا وفرنسا.
كان عندهم ٢٨,٠٠٠ سرير عناية مركزة مع جهاز تنفس لكل سرير ويوجد الآن ٤٠,٠٠٠ سرير في ألمانيا.
هذه الأسرة المجهزة للرعاية المركزة تقوم بتخفيض عدد الوفيات، بينما البحث عن الحالات وتتبع المخالطين والتباعد الاجتماعي وعزل الناس تقوم بتسطيح المنحنى وتقليل عدد الإصابات وتخفيض أعداد من يحتاجون الذهاب للمستشفيات.
قارن هذا ببقية الدول الغنية المتقدمة التي تتصارع على أجهزة التنفس والكمامات وتسرقها على بعضها البعض في مطارات العالم.
٤- الثقة بالحكومة
الكثيرون، يعتقدون أن ثقة الشعب الألماني بالمستشارة أنجيلا ميركل، لها دور بتقليل عدد الوفيات من الوباء.
السيدة ميركل، تكلمت للشعب بوضوح، وبهدوء، وبانتظام طول مدة الأزمة، بينما كانت تفرض قيود عزل صارمة متزايدة للتباعد الاجتماعي والعزل على البلاد.
وهذه القيود كان لها أعظم الأثر في إبطاء تسارع انتشار العدوى والجائحة، ولم تترك فرصة لأحد لاانتقادها أو معارضتها، وكل تعليماتها وطلباتها تم تنفيذها واتباعها من كل أفراد الشعب الألماني.
وشعبية انجيلا ميركل، بلغت عنان السماء، هذه الأيام.
يقول بروفيسور ألماني:
"بأن أعظم عوامل قوة ألمانيا، هي سلامة صناعة القرار عند القيادة العليا للبلاد وامتزاجها مع ثقة الشعب بالحكومة."
عبد القادر الجنيد
٥ ابريل ٢٠٢٠
*من صفحة الدكتور عبدالقادر الجنيد على الفيس بوك